قامات مضيئة عبر “أثير”: أبو مسلم البهلاني؛ شاعر العلماء وعالم الشعراء

قامات مضيئة عبر “أثير”: أبو مسلم البهلاني؛ شاعر العلماء وعالم الشعراء
قامات مضيئة عبر “أثير”: أبو مسلم البهلاني؛ شاعر العلماء وعالم الشعراء قامات مضيئة عبر “أثير”: أبو مسلم البهلاني؛ شاعر العلماء وعالم الشعراء

أثير- مكتب أثير في تونس

إعداد : محمد الهادي الجزيري

من الشخصيات المؤثرة عالميّا الشاعر العُماني ناصر بن سالم الرواحي الملقب بـ
” أبي مسلم البهلاني ” وتمّ إدراجه في هذه الخانة المرموقة والمهمّة، بمناسبة الذكرى الـ 100 الأولى لوفاته ، إذ رحل عن عالمنا سنة 1920 م ، وقد انعقد ذلك في أعمال الدورة 40 للمؤتمر العام لليونيسكو بمقرّ المنظمة بتاريخ 14 نوفمبر 2019 بباريس ..، وقع اختيار أبي مسلم البهلاني باعتباره شاعراً ورائداً لصحافة المهجر في زنجبار ، وكان تأثيره عالمياً تجاوز حدود الوطن ليصل إلى أجزاء كثيرة من الوطن العربي وشرق إفريقيا وبذلك يخلد اسم شاعر عمان الكبير في قائمة مبدعي العالم…


قامات مضيئة عبر “أثير”: أبو مسلم البهلاني؛ شاعر العلماء وعالم الشعراء
قامات مضيئة عبر “أثير”: أبو مسلم البهلاني؛ شاعر العلماء وعالم الشعراء قامات مضيئة عبر “أثير”: أبو مسلم البهلاني؛ شاعر العلماء وعالم الشعراء

نشأ في كنف أسرة عريقة في العلم والمعرفة والصلاح ، إذ إنّ والده كان قاضيا في عهد الإمام عزان بن قيس ، إضافة إلى أنّ جدّه الرابع المسمّى عبد الله بن محمد امتهن القضاء ، وقد استمدّ أبو مسلم علمه ونبوغه من عدد من الشيوخ والأئمة الثقاة ، وكانت البيئة المعرفية والثقافية معروفة بحبّ الأدب وبرز فيها الشعر وقد كانت القصيدة حينئذ تُحظى بكثير من القبول وتجد لدى الناس رواجا استثنائيا وحفاوة بالغة ..، علما بأنّ شاعرنا انطلق في ترويض المعنى والكلمات ولم يبلغ سنّ الخامسة عشرة ، ولم يبلغ العشرين من عمره إلا وقد خاض الهجرة إلى شرق افريقيا واختار مسكنا ومقرّا زنجبار ..وقد كانت آنذاك في عصرها الذهبي الإسلامي العُماني ..في عصر السلطان برغش بن سعيد …….

قامات مضيئة عبر “أثير”: أبو مسلم البهلاني؛ شاعر العلماء وعالم الشعراء
قامات مضيئة عبر “أثير”: أبو مسلم البهلاني؛ شاعر العلماء وعالم الشعراء قامات مضيئة عبر “أثير”: أبو مسلم البهلاني؛ شاعر العلماء وعالم الشعراء

وأوّل ما نقتطف من شعره ..، أبيات تعكس وعيه الشديد بزوال كلّ شيء ..، وأن لا بقاء سوى للعالي المقتدر ..، انظروا كيف يذهب إلى ما ذهب إليه المعري ..، من تخفيف الوطء فكلّ ما تمشي عليه الأقدام هو بقايا أموات كانوا أحياء يُرزقون …
أين الأباعدُ أين الجارُ ما فعلت
بهم بناتُ الليالي في تقاضيها


عظامُهم نخرت بل حال حائلُها
ترباً لدى الريح تذروها عوافيها


لا شبرَ في الارض إلا من رفاتهمُ
فخلِّ رجلك رفقاً في مــواطيها
نبني القصور وذاك الطينُ من جسدٍ
بالٍ ونحرثُ أرضًا مُزّقـوا فيها



كتب الفقه والمعرفة والأدب بمختلف أصنافه ، كانت ديدن الشاعر الشاب ..، فهمّ بها إلى أن بزغ نجمه واشتهر أمره قاضيا نبيها وعالما فقيها وأديبا لامعا..، وفي عهد السلطان بن ثويني تقلد منصب القضاء وبعدها منصب رئاسة القضاء بها حيث كان له منزلة رفيعة ومرتبة عالية عند الحكام حتى أيام السيد علي بن حمود بن محمد ، حيث استقال بعدها من خدمة الشرع وصرف همته في التأليف وإحياء آثار السلف الصالح وإنشاد الأذكار.

قامات مضيئة عبر “أثير”: أبو مسلم البهلاني؛ شاعر العلماء وعالم الشعراء
قامات مضيئة عبر “أثير”: أبو مسلم البهلاني؛ شاعر العلماء وعالم الشعراء قامات مضيئة عبر “أثير”: أبو مسلم البهلاني؛ شاعر العلماء وعالم الشعراء


اعتمد أبو مسلم بعدها على نفسه في تحصيل بقية العلوم وتأثر كثيرا بـ سعيد بن خلفان الخليلي ولقي في زنجبار جوا علميا ساعده على المطالعة وقراءة الكتب ، فأصبح بفعل الكدّ المعرفي والجهد الفكري والإبداعي أبرز شعراء عمان وكان من كبارهم إذ يُعدّ بمنزلة محمود سامي البارودي في مصر آنذاك ، وترك ذخيرة كبيرة من المؤلفات ومن ضمن كُتبه التي حبّرها ، نذكر مثلا :
النشأة المحمدية ( في المولد النبوي الشريف )
النور المحمدي والكنوز الصمدية ( رسالة دينية )
النفس الرحماني في أذكار أبي مسلم البهلاني ( في القصائد الصوفية )
كتاب السؤالات
كتاب الجوابات
وهو كتاب في التوحيد في أسلوب حواري بين أستاذ وتلميذه العقيدة الوهبية
ديوان أبي مسلم
نثار الجوهر
ثمرات المعارف
إضافة إلى هذه الكتب القيمة وكتابته للشعر ، كان قد أصدر هناك أول صحيفة صدرت في زنجبار باسم (النجاح) والتي تعدّ من أوائل الصحف العربية ظهورا وكانت تصدر ثلاث أعداد في الشهر ، وصدر العدد الأول منها يوم 12 أكتوبر 1911م وآخر أعدادها صدر في يونيو 1914م ، وقد عنيت بالأدب والقضايا الإسلامية والأحداث الدولية ، وكان أبو مسلم رئيس تحريرها ، كما يمكن تبويب كلّ ما كتبه من قصائد شعرية في المدائح الإلهية وبعضها في الوطنيات وبعضها في الحكم…






” كم كُربةٍ نزلت وضاق نِطاقها
فتفرَّجتْ باللطفِ والأيسارِ
ما خابَ من وَكِلَ الأمورَ لرَبِّهِ
فهو المُفرِّجُ كُربةَ الإعسَارِ
وهو المُجيبُ لدعوةِ المُضطَرِّ إنْ
ضاقتْ عليهِ كوارِثُ الأضرارِ
فافزَعْ إليهِ بالمضائِقِ كُلِّها
واسألهُ محوَ عَظائِمِ الأوزارِ “





ترك الشاعر الفذّ العديد من المؤلفات منها الذي طبع ومنها المفقود وبعضها ما زال مخطوطا لعل أبرزها كتابه في الفقه الذي أعطاه اسم «نثار الجوهر» وقد أراده شرحا لأرجوزة الشيخ نور الدين السالمي الفقهية المطولة المسماة «جوهر النظام» وكان يخطط لجعل ذلك الشرح موسوعة فقهية كبرى من مجلدات كثيرة ولكن المنية عاجلته ولم ينجز منه سوى ثلاثة مجلدات أبانت عن قدرته الفائقة وإمكاناته العالية…
من آثاره كتاب ” العقيدة الوَهْبِيَّة ” في العقيدة ، حققه صالح بن سعيد القنوبي وعبد الله بن سعيد القنوبي، صاغه أبو مسلم على هيئة حوار بين أستاذ وتلميذه…
وله أيضا كتاب ” اللوامع البرقية في رحلة مولانا السلطان المعظم حمود بن محمد بن سعيد بن سلطان بالأقطار الإفريقية الشرقية “، سجل فيه مشاهداته أثناء ملازمته للسلطان في تلك الرحلة ، وصاغه نثرا وشعرا ، وفيه امتدح الدولة البوسعيدية وأثنى على سلاطينها.. ومن كتبه في المولد النبوي «النور المحمدي» و«الكنوز الصمدية في التوسل بالمعاجز المحمدية» (مخطوط) و«النشأة المحمدية في مولد خير البرية»، وله كتاب « النفس الرحماني في أذكار أبي مسلم البهلاني » الذي جمع فيه ما نظمه من أذكار ، مع شروط كل ذكر وكيفية تلاوته ، ويعكس الكتاب الجانب السلوكي الذي شكل نسبة كبيرة من شعر أبي مسلم…
من آثاره أيضا كتاب ” ألواح الأنوار وأرواح الأسرار “( مفقود) وأشار إليه في مقدمة «الوادي المقدس»، أول أذكار النفس الرحماني ، ووصفه ابن أخيه سالم بن سليمان البهلاني بقوله في ترجمة أبي مسلم: «وهو كتاب شريف ذو قدر منيف في طريقة الذكر . وله كتاب «جواهر الأنوار وأرواح الأسرار» (مفقود)، ذكره في كتابه «نثار الجوهر»، وله أيضا كتاب «بحر الأنوار في مأثور الأدعية والأذكار» (مفقود). وغيرها
وكان أميناً في قريش محبَّباً
إليها بصدقِ الوعد قبل النُّبوةِ




إلى أن أتى جبريلُ بالحقِّ من لدى
الإله ونال الجهد منه بغَـطةِ


فقال له : “اقرأ” قال : ما أنا قارئٌ
فقال له : “اقرأ باسم ربك” وأثبتِ


وقم وادعُ واصدعْ بالذي جاء في الورى
ولا تبتئس واصبر على كل نكبةِ
قد كُتب عن الشاعر الراحل وعن مؤلفاته الكثير ، ومن ضمن الكتّاب الذين سلطوا الضوء عليه ، نقرأ للأستاذ صالح بن محمد الشعيلي دراسة قيّمة في ظلّ كتاب : ” القيم الخُلقية في الشعر العُماني الحديث ” ، وقد كتب على ظهر الغلاف هذه الكلمة :
” وتهدف هذه الدراسة إلى توضيح مدى تأثّر الشعر العُماني الحديث ، ( ديوان أبي مسلم البهلاني مثالا ) بالقيّم الخلقية المستوحاة من تعاليم الإسلام ومبادئه وقيمه وأخلاقه على وجه التعيين من دون إغفال للجانب الفنّي والأسلوبي ”
توفي الشاعر في اليوم الثاني من شهر صفر 1339 هجرية وسنة 1921 ميلادي في زنجبار ، عن عمر يناهز ستةً وستون سنة ، عمل في سبيل العلم والعقيدة والأخوة الإسلامية ودفن في مدينة زنجبار..



وممن رثى الشيخ أبو مسلم حفيده سالم بن سليمان بن عمير الرواحي بقصيدة مطلعها
إليكِ إليكِ عني يا دفارِ … فإنك لست لي أبداً بدارِ
وفيها يقول :
فوا أسفي على شيخي وركني … ومعتمدي ومستندي وجاري
سأبذل في البكاء عليه جهدي … أكفكف دمع عيني بانهــمارِ
لقد شط المزار فلا لقـــاء … إلى يوم اللقا والانتـــشارِ
وأزلفه إلى الفــردوس منّا … ولقّانا به في خــــير دارِ
رحمه الله وأوسع له في جنانه ..بقدر ما أعطى للمسلمين من علم ومعرفة وإبداع …





Your Page Title