فضاءات

د.سعيد السيابي يكتب: المُعلم الذي نبحث عنه

د.سعيد السيابي يكتب: المُعلم الذي نبحث عنه
د.سعيد السيابي يكتب: المُعلم الذي نبحث عنه د.سعيد السيابي يكتب: المُعلم الذي نبحث عنه

د.سعيد السيابي، أكاديمي في جامعة السلطان قابوس

المستقبل لا يتجاوز الحاضر ولا يهمل الماضي، هكذا حدثنا التاريخ بأوراقه المحفوظة في أمهات الكتب. والمُعلم الذي نبحث عنه لمستقبل أبنائنا يعيش بيننا واقعا ويتلحف بعباءة التاريخ العربي الزاهر، وبأسماء أعلام كبار بمنجزهم الحضاري والتقدير الذي توارثناه ” كاد المعلم أن يكون رسولا” .

وأبواب العلم والتعلم وإن كانت الأنظمة السياسية هي من تدعمها وترعاها برعايتها إلا أنها مشرعة لكل صنوف التجارب والممارسات العالمية، والطرق التي يستفيد منها المعلمون والمتعلمون مشرعةً على الأغنياء والفقراء، وأبناء الحواضر والقرى، والمدارس لا فرق في موقعها ومكانها أكانت داخل المساجد أو المجالس أو تحت ظلال الأشجار أو بالأخشاب أو بالخرسان فما يهم النتيجة وانتقال المعرفة وطرد ظلام الجهل عن طريق توصيل النماذج الإيجابية للبصمات الإنسانية للمريدين من الطلاب والمتطلعين إلى التحصيل المعرفي الذين يكون جُل همهم التهام ما تحصل عليه معلمهم من علوم دينية ودنيوية، فالتاريخ كتب لنا في أوراقه أن الأموال التي يتحصل عليها المعُلم والطالب ما هي إلا النذر اليسير لتبقي الأول دون فاقة الحاجة والبحث عن ما يسد رمقه وأسرته الداعمة له والصابرة على كونه معلما للنور وطاردا لظلام الجهل وحارسا لأمانة العلم وموصلا لسلسلة التعاليم الدينية ذات المقام العالي والدنيوية من المعارف الضرورية كعلوم الفلك والفلسفة والطب وغيرها؛ لهذا كانت الأوقاف الإسلامية تلعب دورا في مد المعلم وتحسين وضعه المعيشي بما يلزم أن يعيش بكرامة وامتنان دون الحاجة للتفكير والانشغال بلقمة العيش واحتياجاتها.

والأمر الثاني كان بعض الطلاب يتحصلون على دعم بسيط من الأموال تساعدهم على الإشباعات الجسدية من مأكل ومشرب وملابس دون اتساخٍ، فكان التلميذ والتعلم لا يتطلب دفع مبالغ طائلة، وكذلك الحصول على الاعتراف بالتمكن في العلوم والتفوق لا يقابله رسوم تقصف ظهر الوالدين والأسرة، فقد كانت الأنظمة التعليمية على مستوياتها بعيدة عن النظرة الفوقية والتمايز الذي يزايد على الأبهة والتعالي في خصوصية من يدخلون تلك المدارس والمعاهد والجامعات وإن كانت مسمياتها ليست كما هو حاصل الآن، ومع ذلك تقوم بما هو أفضل من يمترس تحت مسميات الحداثة التعليمية والمضمون خواء أجوف إلا بما يرضي نفسية الوالدين ومكانتهم الاجتماعية.

ما رغبت الإشارة إليه والتنبيه عنه هو أهمية أن المعلم الذي نبحث عنه تكالبت عليه الكثير من الممارسات وقيدته عن المشروع النهضوي العديد من الخطط التي حجمت من مكانته وضيقت من معارفه فأصبح سجين ذات الحدود ووصل به الأمر للتكرار دون جهد الإضافات ولا سعي إلى الجديد من المعارف ولا تعب وسهر البحث عن ما يعينه على الابتكار في مادته العلمية وقراءاته المعرفية فقلما نجلس عند معلم متفائل وباحث يريد أن يستزيد ولا قارئ نهم ولا حاضر لجلسات العلم حتى في تخصصه الرئيس، وهذا ليس تعميما وإن هو دق لناقوس خطر قائم يقود الاستمرار فيه إلى ما يشبه البقاء في مرحلة زمنية من العمر أو النهضة دون مغادرتها لسلالم الطموحات ولا شجاعة الإقدام على مواكبة جيل منفتح على العالم وعصر تصنع الثورة الصناعية الرابعة فيه الكثير.

Your Page Title