أثير – د. سعيد السيابي، كاتب وباحث أكاديمي في جامعة السلطان قابوس
قادتني مجموعة القصص القصيرة جدا (القطة لا تعرف الحب) للكاتب هيثم محسن الجاسم للتعرف عن قرب على كاتب متمكن من أدواته الكتابية، ومنغمس بفكره في عمق مجتمعه، ومدون أمين على ما يدور حوله من تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية، واستطاع اقتناص ومضات تلمع إيجابا وسلبا فتتخلق على يد حروفه جملا نقية وحادة لموضع المعاني التي يريد أن يقدمها للقارئ المتمكن والعميق وليس باحثا عن قارئ عابر مقتفيا للتسلية، فالرسائل العميقة في هذه القصص القصيرة جداحمالة أوجه كثيرة، فالظاهر من بعض القصص بأنها اجتماعية ولكنها في عمقها وطنية سياسية كما في قصة (الأم الشجاعة) في عام المسغبة، باعت كليتها، أطعمت صغارها من لحمها، أدخرت شرفها أبيضاً، لينفعهم في اليوم الأسود!
إن معظم المجموعة القصصية والتي احتوت بين دفتيها على اثنتين وثمانين قصة كانت كفيلة بتطواف في العمق المجتمعي من الولادة للوفاة، فعديدة هي القصص التي تحتفي بالشهادة والموت، مثل: صحوة موت، وشهداء بلا قبور، ووصية شهيد، حِلم شهيد، وغيرها من القصص التي رغم قسوتها فإنها تنتج تأملا للحياة الفانية والمعاناة اليومية والأوضاع القاسية والمقارنات بين حياة الإنسان العربي وباقي الإنسانية فتتجه بخفة إلى رشق فتحة جدار الغرفة الذي يسرب البرد القارس والمخيف لكل الذين بحثوا عن تدفئة داخلها، وبأن القصص تضع معادلة النهاية الحتمية بحدوث الموت الطبيعي أو المفاجئ أو في معركة فليست بالضرورة النهاية سلبية لكنها حتمية للإنسان الباحث عن الراحة بوسائل تُلهثه بالبحث عنها.
حجزت الطموحات والأماني والأحلام عددا من القصص القصيرة منها: أحلام نائمة، حلم يقظة، أماني، حلم شجرة، النجاح، فكانت رسائلها مفارقات متناقضة على عكس ما هو مأمول من بث الأمل وتحقيق الطموحات، فهي إشارة للواقع المعاش فليس بالضرورة ما نتمناه يتحقق ويسهل الوصول إليه في ظل الظروف الحياتية المتسارعة والتي تأكل من الموارد المكتسبة من الراتب الشهري الذي لا يكفي لنهاية الشهر فكيف بإجراء عملية عيون أو استبدال نظارة، ففي هذه القصة صدمة النهاية “رنّ جرس الهاتف بنغمة الرسائل، ولما ضغطت على الزر، صدمت بمتن رسالة.. رصيد حسابك الحالي صفر دينار عراقي”. وفي قصة (أماني) نجد الشخصية تتمنى أن يقع الاختيار عليها لتكون في القيادة السياسية ولكن نهاية القصة توشي بشي آخر غير التمني إنما الانكسار والموت “لقد صدمنا انتحاره المبكر”.
حفلت هذه المجموعة بالرسائل الإنسانية التي تتجاوز الحدود الضيقة المتعارف عليها فموضوعات كالإرهاب والغدر والتسلط والجهل وتعاني منها الكثير من المجتمعات الإنسانية بأشكلها المختلفة التي تصدر عن فرد أو جماعة أو مؤسسة وهناك الموضوعات الإنسانية الإيجابية كالوفاء والحب والثقة والشرف والأمانة لهذا وصول هذه المجموعة القصصية وترجمتها للغات أخرى بعد العربية يُعد جهدا جاهزا للتناول والإبحار مع قصصها القصيرة جدا، وفيها يتكامل التنوع الفكري والعالمية في رسائلها وشموعها الصغيرة جدا والتي ما أحوجنا لها في طرد الظلام الذي انتشر بسبب الحروب والتفرقة والصراعات الضيقة والتقزمات الفكرية، فالقطة في هذه المجموعة القصصية لا تعرف الحب المجزأ بل الحب الكامل للإنسانية.