منها “رجفة صحار”: نماذج للزلازل والهزّات في الأراضي العمانية

أثير-تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي


تتعرض دول العالم بين الحين والآخر إلى عدد من الكوارث الطبيعية التي تؤثر بشكلٍ سلبي وينتج عنها الكثير من الخسائر المادية والبشرية، ولعل آخرها الزلزال الذي يشغل أنظار العالم الآن والذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا ونتج عنه خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.

وسلطنة عمان بحكم موقعها الجيولوجي ليست بمنأى عن خريطة الزلازل والهزات الأرضية، وقد شهدت على مدار تاريخها الطويل العديد من هذه الهزات قيّدت لنا كتب التاريخ والوثائق والمخطوطات بعضًا منها.

“أثير” تقترب في هذا التقرير من تاريخ الزلازل والهزات الأرضية في سلطنة عمان وذلك من خلال تتبع بعض الإشارات والمصادر التي تناولت هذا الموضوع وذكر نماذج منها، حيث إنه من الصعوبة تتبع كل الحوادث الطبيعية التي تأثرت بها سلطنة عمان لاعتبارات عديدة لعل من بينها شح المصادر والإشارات التي تناولتها.

وسيقتصر التقرير على ذكر نماذج من تلك الكوارث التي حدثت قبل عام 1970، حيث إن مركز رصد الزلازل التابع لجامعة السلطان قابوس لديه بيانات عديدة عن الهزات الأرضية التي حدثت حديثًا خلال السنوات الخمسين الماضية ويمكن للقارئ أو الباحث الرجوع إلى تلك المعلومات.

رجفة صحار

لعل من بين أقدم الإشارات التي أرّخت لتاريخ الزلازل والهزات في سلطنة عمان ما حدث في صحار عام 265هـ الموافق سنة 968م، عندما حدثت رجفة أرضية في عهد الإمام الصلت بن مالك، حيث يذكر الدكتور فرحات الجعبيري في بحث يتناول “حياة الإمام محمد بن محبوب القرشي العماني وعصره” أنه: ” وكانت رجفة بصحار في ولاية غدانة بن محمد، في غداة الأحد لاثنتي عشر خلت من جمادى الآخرة من سنة 265هـ الموافق 7 فبراير 879م، وذلك بعد خمس سنوات من وفاة محمد بن محبوب”.

زلزال قلهات
في ديسمبر من العام 2015 نشرت صحيفة الشبيبة حوارا مع الدكتور أحمد ضيف الباحث بمركز رصد الزلازل بجامعة السلطان قابوس تضمن معلومات حول تاريخ النشاط الزلزالي بالسلطنة، قال ضيف للشبيبة بأن زلزالاً بقوة 6 درجات تسبب في تدمير مدينة قلهات سنة 1491م، وهو أكبر زلزال معروف ضرب السلطنة عبر التاريخ.
كما وصف مايلز، المقيم البريطاني في مسقط خلال الفترة ما بين 1872 ـ 1880م، قلهات التي زارها عام 1874، في كتابه “الخليج بلدانه وقبائله” بما هي عليه الآن: “بقايا حضارة اندثرت معالمها ولم يبق منها غير أطلال وبقايا آثار جراء الزلزال الذي سوى بها التراب”.
وفي تصريح للجزيرة نت أشارت مديرة البعثة الأثرية الفرنسية أكسيل روجيل التي زارت قلهات وأجرت بها بعض التنقيبات إلى أن المدينة تعرضت لزلزال في عام 1497.

زلزال قلهات



هزّة أرضية عام 1836م

أرّخ خميس بن راشد العبري لتاريخ وقوع هزّة أرضية في شهر صفر سنة 1252هـ الموافق 1836م، ورأى في هذه الحادثة الطبيعية علامة من علامات ظهور النصارى على بحر العرب، حيث يذكر العبري: “سرت يومًا إلى زيارة الصاحب، فرأيته حزينًا كئيبًا من الزلزلة التي رجفت الأرض منها في ساعة القمر من ليلة الأربعاء في ليلة النصف من شهر صفر من شهور سنة اثنتين وخمسين سنة ومائتي سنة وألف، الميزان والقمر في برج القوس، قال: فيدل على أن النصارى تظهر على بحر العرب، ثم تلتها رجفة أخرى، وقت صلاة الظهر من يوم الأحد نهار تسع عشرة من شهر صفر، وعقبت بعد ذلك ريح وسيل شديد، في ليلة السبت خمس وعشرين من صفر، وصباح السبت، ذهبت الأموال والأنفس والخيام في البر، وفي البحر تكسرت السفن”.

نزوى

ورد عدد من الإشارات إلى حدوث بعض الهزات في نزوى وما حولها في سنوات مختلفة، فيذكر الدكتور أحمد ضيف الباحث بمركز رصد الزلازل بجامعة السلطان قابوس أنه قد تسبب زلزال بقوة 5.1 درجة في تدمير تسع قرى بالقرب من مدينة نزوى عام 1883.
كما أورد الباحث محمد بن عبد الله السيفي في الجزء الخامس من سلسلة (النمير) أنه: ” في ليلة الرابع عشر من شهر ربيع الأول من سنة 1350 هـ في عصر إمام المسلمين محمد بن عبد الله الخليلي استوت بنزوى رجفة شديدة وضجّت الناس بالتهليل والتكبير وظنوا أن الساعة قد قامت، فعناهم من ذلك أمرٌ عظيم”. وتاريخ هذه الحادثة يقابلها بالميلادي 30 يوليو 1931.


هزات أرضية بمسقط

حفلت مذكّرات الوالي إسماعيل بن خليل الرصاصي بالكثير من الإشارات المهمة لبعض الأحداث المحليّة، ففي ليلة الأحد 14 أبريل من عام 1929 دوّن الرصاصي حدوث هزة أرضية في مسقط، ولم تحدث أضرارًا، وأشار إلى أنه سمع عن حدوث هزة أرضية مشابهة قبل 30 عامًا، كما أنه وعند كتابته للمذكرات عام 1960 أشار إلى حدوث هزّة أرضية أخرى، وعلّق كاتبًا: ” وهكذا يكون 30 سنة بين كل من هذه الهزّات الثلاث”.

وقد أشارت جريدة “الشورى” التي كانت تصدر في مصر وقتها إلى هذه الهزّة في عددها بتاريخ 15 مايو 1929 حيث ذكر خبرها المنشور أنه حدث زلزال في مسقط بثلاث هزات صغيرة لم تدم الواحدة أكثر من ثانية وذلك في التاسعة عربي صباحًا ليلة الأحد 14 أبريل، وذكر الخبر كذلك أن مثل هذا الزلزال حدث في مسقط قبل ثلاثين عامًا تقريبًا.

منها “رجفة صحار”: نماذج للزلازل والهزّات في الأراضي العمانية
منها “رجفة صحار”: نماذج للزلازل والهزّات في الأراضي العمانية منها “رجفة صحار”: نماذج للزلازل والهزّات في الأراضي العمانية

زلزال في بحر العرب

في عام 1945م تسبب زلزال وقعَ في بلوشستان في باكستان بتاريخ 27 نوفمبر 1945 وبلغت شدتهُ 7.8 على مقياس ريختر، في حدوث موجة تسونامي تأثرت بها سواحل السلطنة والسواحل المطلة على بحر عُمان وبحر العرب.

وقد كان النوخذة سعيد بن حميد بن راشد العريمي من ضمن الشهود الذين رووا شهاداتهم مع تسونامي صدع مكران في عام 1945 وكان عمره 16 عامًا تقريبًا آنذاك.

منها “رجفة صحار”: نماذج للزلازل والهزّات في الأراضي العمانية
منها “رجفة صحار”: نماذج للزلازل والهزّات في الأراضي العمانية منها “رجفة صحار”: نماذج للزلازل والهزّات في الأراضي العمانية

وقد أهدته اللجنة الدولية الحكومية لعلوم المحيطات التابعة لليونسكو شهادةً تقديرًا له على المعلومات التي قدمها عن تسونامي مكران عام 1945 والذي وصلت ترددات أمواجه إلى ساحل صور، وأحدثت أضرارًا بالسفن والمنازل.

وقد أشار النوخذة محمد بن ناصر ولد مصبح العريمي في أحد تقييداته على كتاب مخطوط بعنوان (تحفة الأزهار في علم البحار) إلى هذه الحادثة في الوثيقة الآتية:

المراجع
– أشقر، طارق. اكتشافات أثرية بسلطنة عمان، تقرير منشور بموقع الجزيرة نت، 18 مايو 2011.
– جريدة الشبيبة. 3زلازل قوية شهدتها السلطنة عبر التاريخ.. تعرف عليها، تقرير منشور بتاريخ السبت 2 ديسمبر2017.
– جريدة الشورى، عدد 15 مايو 1929.
– الجبيري، فرحات بن علي. حياة الإمام محمد بن محبوب القرشي العماني وعصره، بحث مقدم إلى أعمال ندوة تطور العلوم الفقهية عام 2002، ط4، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، سلطنة عمان، 2012.
– السعدي، ناصر بن سيف. الأوروبيون في مدونات التراث العماني، كتاب نزوى، الإصدار 51، يوليو 2021.
– السيفي، محمد بن عبد الله. النمير، الجزء الخامس، ص 529.
– العبري، خميس بن راشد. شفاء القلوب من دواء الكروب، ج2، مكتب المستشار الخاص لجلالة السلطان للشؤون الدينية والتاريخية، مسقط، 2010.
– العريمي، محمد بن حمد. الوالي إسماعيل، دار باز، مسقط، 2022.





Your Page Title