أخبار

الروائي العربي واسيني الأعرج يكتب لـ “أثير”: مَأْزَقُ التَّنْوِيرِ العَرَبي وَحُدُودُه

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

أثير- الروائي العربي واسيني الأعرج

هناك مأزق تنويري عربي حقيقي، هل مصدر ذلك الخوف المبطن من الذهاب عميقا في الفكر البشري كما فعل الغربيون حينما اصطدموا بالمؤسسة الكنسية الدينية التي كانت ترى في كل تطور اعتداء على الدين؟ أم أن وعي التنوير ما يزال رهين الثقافات المهيمنة التي تخترقها التقاليد والممارسات اللاعلمية؟ فعلى الرغم من الانفتاح العربي على المنجزات التقنية العالمية، وكثرة المدارس، وفتح آلاف الجامعات ومراكز البحث، ما يزال الفكر التنويري يراوح مكانه. بل تراجع كثيرا إلى الوراء ليوضع في خانة الأعداء والتكفير من طرف السلط الدكتاتورية نفسها التي تدعي العلمانية، وإلا كيف نفسر فوز، في كل الانتخابات المصيرية، التيارات التي تتخفى وراء الدين السياسي؟ بالأحرى وراء الغيب، لأنها لا تتعامل مع الدين كقيمة روحية هي فردية بالدرجة الأولى ولكن كوسيلة للسيطرة على كل مناحي الحياة.

لم يعد شيء من الدين في هذه الحركات، فهي تمارس فعلاً سياسياً بامتياز وليس دينياً، أي أنها في مساحة يصنعها البشر حتى ولو بدت في ظاهرها ذات طابع ديني. الدين ليس إلا غشاوة رقيقة تخفي بصعوبة الحقيقة المتخفية. وهي خير تندرج في سياق الحركات السياسية التي استعمل الدين للوصول إلى السلطة. في الدولة الرسولية التي ضمن استمرارها أبو بكر الصديق لسنوات قليلة، أصبح الصراع سياسياً وسلطوياً وغاب المعطى الديني الجامع إذ حل محله التكفير من مختلف الأطراف المتصارعة على السلطة في النهاية. فقد توقفت الدولة الرسولية التي جمعت الأمصار والناس تحت راياتها، وحل محلها صراعاً سياسياً دموياً شرساً مرتبطا بالحكم، ولا شيء غير الحكم الذي لا يمنع من اختراق المقدس الأخلاقي وسبي آل البيت، واغتيال الخلفاء في مشاهد دموية وخطيرة ومدمرة للكيانات التي تم بناؤها. زماننا الذي يعيشنا ولا نعيشه إلا قليلا، لا يخرج عن هذه الحروب التي أصبح فيها الدين وسيلة لاضمحلال العقل. تجربة الجزائر سابقاً، في سنوات الرماد حيث تسيد اللاعقل والخرافة وتم تدمير بقايا المادة الرمادية الجمعية بوهم الفردوس الآتي. وكثيرا ما ساهمت التكنولوجيا نفسها في ترسيخ اللاعقل في مجتمعات عربية تتجاوز فيها الأمية الستين بالمائة. لم تتوان الجهة الإسلامية عن استعمال الوسائط الحديثة المتوفرة وقتها للمزيد من الخرافة والتعمية. في تجمع عقدته في ملعب 5 جويلييه الذي يتسع لأكثر من 100 ألف متفرج، حضرته قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لمح الناس فجأة برقاً، ثم تكشفت من ورائه علامات غريبة في السماء، فقد كتبت في الفضاء الليلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ تحت دهشة الناس وانبهارهم بالاستجابة الإلهية لمناصرة الجبهة على العلمانيين وأعداء الدين، ليتضح بسرعة أن الكذبة وإن انطلت على الشعبي البسيط، لم تنطل على المجتمع العالم الذي عرف بلعبة الليزر. ويمكن أن نقيس على ذلك ما يحدث اليوم في المجتمعات العربية من تراجع حقيقي للعقل الحي الذي كان قد بدأ في التكوين قبل أن ينتكس على يد الدكتاتوريات التي في كل مرة تتواطأ ضد العقل وتقذف على الساحات من ينفذ خططها.

يتوهم الحداثيون إذ يرون أن الحداثة مست المجتمع بسبب الوسائط الحديثة؟ ما يحدث اليوم في التعامل مع كل مناحي العقل يبين إلى أي درجة أن الفكر أصبح مرتبطاً بالأقليات المجتمعية. إن الجزائر العاصمة ليست هي كل الجزائر، بل هي جزء صغير منها. وتونس العاصمة ليس هي تونس بامتدادها الريفي والصحراوي، والرباط ليست المغرب قاطبة، والقاهرة ليست هي مصر كلها. ليست العواصم هي من يحدد نتائج الانتخابات، ولكن الأطراف التي تعيش زمناً موحشاً خارج مدارات الحد الأدنى من الحياة الكريمة، هي المتحكم وهي، من حيث قناعاتها، كارهة للأنظمة المتسيدة كلياً، ورافضة للنخب الثقافية التي لم تقطع معه وظلت في مدارته.

وكلما رفعت من وتيرة عقلها النقدي تم ربطها بآليات التكفير ثم تصفيتها. صحيح أنه لا يمكننا أن نرفض نتائج انتخابات ديمقراطية، وبنتائج الانتخابات كحقيقة موضوعية لا يمكن تخطيها، ولكنها، لا تحتم على المثقف القبول بالفكر الذي يتخفى وراءها والذي جاءت به هذه الانتخابات الديمقراطية؟ ونعتقد أنه لو فتحت أبواب الديمقراطية على مصراعيه فلن تكون النتائج في النهاية إلا في صالح الحركات التي جعلت من الدين مطية سياسية. ربما كانت تلك نقائص الديمقراطية نفسها التي جاءت بهتلر، وموسوليني، والدكتاتوريات اللاحقة، فهذا ما وصلت إليه اجتهادات البشر. لهذا نقول إن القبول بنتائج الانتخابات والانصياع ديمقراطياً لها، لا يحتم على المثقف مطلقاً القبول بنظام لا عقلاني، ومعاد لأي تأمل فكري، بل ويستطيع أن يتحول في أية لحظة من اللحظات إلى دكتاتورية كنسية تتحكم في أنفاسها، محاكم التفتيش المقدس، الدينية، المشهد نفسه والأغلفة الدينية أيضا نفسها وإن تغيرت المطية السياسية الدينية فقط. من وظائف المثقف أن يبحث عن الفكر الذي يدفع بالبشرية إلى الأمام، وليس الذي يضعها في حالة الثبات والموت البطيء. وكما في كل التجارب البشرية الصعبة التي لا يشذ العالم العربي عنها، لا تقدم إلا بحماية الدين من التلاعبات السياسية ووضعه في مكانه الإنساني الفردي، وخارج الرهانات السياسية والسلطوية التي هي في النهاية بشرية. الدين كقيمة متعالية يجب أن يظل خارج الحيل البشرية. لماذا تذهب الشعوب الإسلامية، والعربية بالخصوص، نحو اللعبة السياسية التي تستعمل الدين، وتنسى أن خلاصها الحقيقي في العلم والخيارات العقلانية؟ لا أعتقد أن المسألة صعبة. ويمكن الإجابة عنها بسهولة في سياقات الحاضر، بالرجوع إلى الأمم التي سبقت العالم العربي في مواجهاتها وهي تنتصر للعقل على حساب كنيسة دمرت كل سبل التنوير والمعرفة.

عندما تم اكتشاف قوانين الجاذبية، وحركة دوران الأرض، والرياضيات، كانت هذه المعارف تصطدم باللاعقل الذي تبنته الكنيسة التي كانت ترى أن الأرض منبسطة، وثابتة، وأنها مركز الكون، وقوانين الجاذبية وتفسير الظواهر علميا والتحكم في الكثير منها، بدأت الصرعات والنقاشات لمقاومة كنيسة منغلقة على نفسها ومعارفها، وعوضت الدين كعبادة وجيرته لأهدافها المرتبطة بالسلطة والهيمنة. تبع ذلك نوع من الاضطهاد الديني ضد العلماء وتسيد الظلامية، نيوتن، كوبيرنك، غاليليو وغيرهم. العقل المضطهد والمنتج للفكر هو الذي صنع التنوير ونمطا آخر من الحكامة انتهى إلى تطوير مفاهيم الديمقراطية، مع إعلان استقلال الولايات المتحدة واندلاع الثورة الفرنسية.

سيقول قائل إن التنوير الأوروبي جاء على أنقاض سواد القرون الوسطى، وهي نفسها عصر التنوير العربي. الكلام صحيح إلى حد كبير لكنه لا يكفي. عصر التنوير العربي تم تدميره أولاً في عصره بمحاربة جميع التنويريين على مختلف الحقب، من طرف الحكام الذين رأوا في التنويريين من ابن رشد إلى ابن خلدون، وابن طفيل، والغزالي، والفارابي، خطرا على المجتمع وعليهم. قبل أن تأتي الفترة العثمانية التي أجهزت على الفكر بعقلها الإنكشاري الذي عاش على العنف والترهيب والنهب. وتنهي المهمة الحقبة الاستعمارية الأوروبية التي عاش الإنسان فيها برتبة أقل من رتبة الحيوان.

يجب ألاّ نخطئ ونستسهل الأمور. إن التنوير الأوروبي لم يأت هكذا كزيت فوق الماء، غير قابل للاختلاط، ولكنه جاء كثمرة لتطور حدث في الواقع. فقد كان التنوير نتيجة، محصلة لتجارب مسبقة. فقد كان مساحة لاختبارات معرفية كثيرة اخترقت أزمنة متتالية، وتجسدا لجهود كبيرة وتضحيات أكبر، من أجل انتصار العقل. فقد كانت فلسفة الأنوار قاعدة حقيقية للتحولات التي حصلت لاحقا، في النصف الثاني، من القرن السابع عشر الميلادي، عصر الفلاسفة من أمثال سبينوزا، لوك، بايلي، نيوتن، قبل أن يتطور هذا الفكر الحر في أوروبا كلها، ويجتاحها كلياً، مستفيدة من منجزه العقلاني بقوة، فتغيرت النظرة للعالم، ليصبح قرن الانوار لحظة إنسانية لا يمكن القفز عليها. ولكن في الوقت نفسه هي ثمرة حية للتجربة الأوروبية. نقلها إلى عالم فكري وحضاري آخر، يحتاج بالضرورة إلى اشتغال حقيقي، واجتهادات تضمن استمرارها وانسجامها مع النسيج الفكري والثقافي، دون أن يعني ذلك تنازلاً لتسيد دكتاتورية الجهل واللاعقل. حركات التجديد الأوروبية بنت مشاريعها على تجاربها الحية وممارساتها الفكرية والثقافية. ولهذا تبقى للأنوار خصوصية أوروبية قبل انتقالها داخل أوروبا والعالم. وهي، كما ذكرت آنفا مرتبطة بسياق سياسي وثقافي من تطور الأفكار وتعمقها تلك الموروثة عن عصر النهضة الذي مهد الأرضية لفكر الأنوار واتساعه وشيوعه. المحصلة هي أنه على الصعيد العلمي والفلسفي، فقد شهدت الأنوار انتصاراً نهائيا للعقل على الإيمان، وانتصار البورجوازية على النبالة والكنيسة. مهما كانت لدينا من ملاحظات على هذا العقل الذي تبنى في بعض اللحظات التاريخية العنف وكان وراء سباق التسلح، وحربين عالميتين مدمرتين، وإلقاء قنبلتين نوويتين على هيروشما ونكازاكي، وشرع للاستعمارات، يظل هو القيمة المتعالية التي لا بديل للبشرية عنها للانتقال نحو التطور ونحو مجتمعات مؤنسنة أكثر.

انتقل المفهوم التنويري عربيا نحو ساحة خاملة معرفياً، راضية بما هو موجود، ولا تقبل أن تغير قناعاتها الغيبية التي ترسخت في ذهنها بشكل شبه نهائي وكأن قدر الفكر أن يكون غيبياً أو لا يكون. وتحولت هذه القناعة إلى آلة حرب ضد من يخرج عنها وينتصر للعقل. فأصبح لا اختلاف مطلقا بين الدكتاتورية الغيبية (فكريا التي تفسر الظواهر العلمية والطبيعية بمرجعيات خرافية) كنيسة القرون الوسطى. وليس التكفير إلا وسيلة من وسائل اضطهاد العقل وقتله. وأعتقد جازماً أن وراء ذلك، إضافة إلى تخلفنا المدقع، مخابر استعمارية تشتغل بهذا الاتجاه، تريد أن نظل على ما نحن عليه من تخلف ومن عداوة لكل حداثة تغير البنيات المتكلسة والقديمة. أصبح الفقهاء سادة الشأن، فحولوا كل إبداع أو أي علم إلى بدعة، وتطور ذلك بشكل مجنون لتصبح الاعتداءات على الثقافة والاغتيالات والرعب التكفيري، جزءا من عمل اللاعقل. السؤال الكبير لماذا أخفق التنوير عربيا تحديداً وتخصيصاً، وإسلامياً بشكل عام؟ كيف انتصرت عقلية الفقهية والخطيب الديني، على كل مناحي الحياة؟ لماذا توقف رواد التنوير العربي ابن رشد، علي عبد الرازق، قاسم أمين، طه حسين، ناصر حامد أبو زيد، وغيرهم عند حدود إعادة النظر في العقل الفقهي المغلق وعدم القدرة على التخطي، بل الارتكاس نحو ما هو ديني أحيانا، والاستسلام للفقهية الجديدة التي استفادت من المكاسب الأوروبية معرفياً لا لتطوير المجتمعات، ولكن لضرب العقلانية العربية في الصميم. وتم تأجيل التنوير وفصل الدين عن الدولة إلى زمن غير مرئي.

داخل هذا المناخ الذي ذكرته طوال هذا البحث، لا يمكن لأمر العقل أن يكون بسيطاً ومتاحاً. التجارب التنويرية العربية على الرغم من قيمتها انتهت إلى حالات عكسية ومضادة لنفسها وكأن في عمقها جينات الردة الفكرية.

حالة قاسم أمين الذي قاتل من أجل تحرير المرأة وأنجز مؤلفين تاريخيين يشكلان اليوم مرجعاً مهماً لتحرير المرأة: تحرير المرأة والمرأة الجديدة، حالة تدفعنا إلى الكثير من التأمل. لماذا تراجع عن فكرة نبيلة كان هو أول من عبد طريقها؟ مع أنه تكون في فرنسا. وعندما عاد إلى بلده مصر كان ممتلئاً بالأفكار التجديدية، بعد أن قضى هناك أربع سنوات يدرس فيها المجتمع الفرنسي، واطلع على ما أنتجه المفكرون الفرنسيون في مجالات الفكر والفلسفة والمجتمع وبنيات السلطة والعقل، وأعجب بفكر الثورة الفرنسية التي فتحت طريق الحرية أمام الجميع. قاده ذلك إلى فكرة ضرورة تغيير وضعية المرأة. لكن جوبه بعاصفة أدانته بكل البذاءات الممكنة على الرغم من كونه على حق إذ لا يمكن لمجتمع أن يتطور نصفه مشلول كلياً. المشكلة ليست هنا، كل الذين أتوا بالجديد عالمياً جوبهوا بهذه الطريقة وربما بشكل أعنف. كتاباه عن تحرير المرأة والمرأة الجديدة اعتبرا امتدادا للفكر الاستعماري. وعندما شدد عليه الخناق انتصر العقل الفقهي على الرغبة في التحديث والتنوير. تراجع قاسم أمين لينضم إلى جوقة المنتصر. فبدا بانتقاد نفسه ومشروعه. نشرت إحدى الجرائد، عام 1906 اعترافات قال فيها ” لقد كنت أدعو المصريين قبل الآن إلى اقتفاء أثر الترك بل الإفرنج في (تحرير نسائهم ) وغاليت في هذا المعنى حتى دعوتهم إلى تمزيق الحجاب وإشراك المرأة في كل أعمالهم ومآدبهم وولائمهم ولكن … أدركت الآن خطر هذه الدعوة بما اختبرته من أخلاق الناس، فلقد تتبعت خطوات النساء من أحياء العاصمة والإسكندرية لأعرف درجة احترام الناس لهن وماذا يكون شأنهم معهن إذا خرجن حاسرات، فرأيت من فساد أخلاق الرجال وأخلاقهن بكل أسف ما جعلني أحمد الله ما خذل دعوتي واستنفر الناس إلى معارضتي … رأيتهم ما مرت بهم امرأة او فتاة إلا تطاولوا عليها بألسنة البذاءة، وما وجدت زحاماً، فمرت به امرأة، إلا تعرضوا لها بالأيدي والألسن” خيبة لدرجة أن نتساءل إذا كان هو نفس الشخص الذي ناصر تحرر المرأة.

كتابه المتفرد الذي نشره في عام 1899، بتأييد من المصلح الشيخ محمد عبده، ,سعد زغلول وأحمد لطفي السيد الذي ترجمه إلى الإنجليزية بسرعة خارقة في فترة التواجد الإنجليزي في مصر، وهو الكتاب الذي خص فيه جزءاً كبيرا للحجاب، حيث أكد فيه أن حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام، وقال إن الدعوة إلى التحرر ليست خروجاً عن الدين. وتحدث أيضا عن تعدد الزوجات والطلاق، وقال إن التفريق بين المرأة والرجل لم تكن أساسا من أسس الشريعة، وأن لتعدد الزوجات والطلاق حدودا يجب أن يتقيد بها الرجل، ودعا لتحرير المرأة لتخرج للمجتمع وتلم بشؤون الحياة. هل هو نفس الرجل الذي قاوم عاصفة الساسة والفقهاء الذين تحالفوا ضده؟ بكتاب تحرير المرأة عصف بالخمول ودفع المجتمع إلى إعادة النظر في يقينياته، وأثيرت ضجة وعاصفة من الاحتجاجات والنقد، ورد على قاسم أمين في نفس السنة زعيم الحزب الوطني آنذاك مصطفى كامل حيث هاجمه وربط أفكاره بالاستعمار الإنجليزي، ورد عليه أيضا الاقتصادي المصري طلعت حرب بكتاب “فصل الخطاب في المرأة والحجاب” ومما قاله: “إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوروبا” ومحمد فريد وجدي بكتاب “المرأة المسلمة”، ولكن قاسم لم يتزعزع أمام النقاد، وكان من نتائج روده الصحفية كتاب عنونه بـ “المرأة الجديدة” عام 1901 الذي يتضمن أفكار الكتاب الأول نفسها ويستدل على أقواله بأقوال الغربيين. وأهداه لصديقه الزعيم سعد زغلول. هل هو نفسه الرجل الذي اعتذر منهزماً ومتراجعاً عن أفكاره التي قاتل زمنا من أجل تثبيتها في مجتمع كان تحت عواصف التحولات الكبرى وصراع العقل مع اللاعقل؟

التنوير ليس حالة طارئة ولكنه ثبات ومواجهة الظلم والتخلف بالحق والتقدم. يجب تأمل لحظات الردة الثقافية كيف تحدث وما هي الآليات التي تقف وراءها. هل هو الخوف وحده؟ لا يكفي ولا يجيب عنصر الخوف وحده عن السؤال. فقد قاوم قاسم أمين مؤسسات ضخمة دينية واجتماعية وسياسية، وثبت في صراعه من أجل التنوير؟ هل هو الخلل البنيوي الذي نبت فيه المتنورون؟

Your Page Title