أثير – ناصر الحارثي
إن التفكير في الخيارات الوظيفية يبدأ منذ سؤال معلمك أو أحد أفراد أسرتك ذلك السؤال شديد التكرار؛ “ماذا تريد أن تعمل في المستقبل؟”، لتمضي السنين ويتكرر السؤال بأنماط مختلفة، حتى يجد الإنسان نفسه مدفوعًا للبحث عن الخيارات الوظيفية المناسبة، مما يجعل الكثير من الشباب يعيشون في قلق بين الخيارات الوظيفية المستقبلية أو الخيارات الوظيفية المتاحة في سوق العمل
سأحاول في هذا المقال عبر “أثير” سرد المزايا والتحديات لكلا النوعين سواء وظائف المستقبل أو وظائف سوق العمل.
التفكير في الخيارات الوظيفية متعدد الأسباب وهذا ما يصنع منه سؤالًا متجددًا عند حصول الطالب على نسبة في آخر فصل له على مقاعد الدراسة سواء في المدرسة أو الجامعة، والتفكير هنا يتجاوز نطاق الفرد إلى نطاق الأسرة أو الجماعة، كما أن السعي إلى الاستقرار المالي، والبحث عن الإنجاز الشخصي أو التطوير المهني في المسار الوظيفي أو الحاجة الماسة نتيجة الظروف الشخصية كالمال أو التوطين وغيرها كلها دوافع تجعلنا نتساءل: دائما ما الخيار الوظيفي الأمثل لنا؟
حاليًا، وظائف سوق العمل في سلطنة عمان ترتبط كثيرًا بالقطاعات الحيوية والنمط الاقتصادي فيها، فهي وظائف مرتبطة بالأنشطة الحكومية والخدمية والقطاعات الأكثر إنتاجية وتترتكز في قطاع النفط والغاز، والبنية الأساسية، والصحة، والتعليم، والوظائف المكتبية في المؤسسات الحكومية، والوظائف العسكرية، وهي وظائف يمكن فهمها بسهولة عند تحليل النمط الاقتصادي لسلطنة عمان وآلية عمل القطاع الخاص، لكنها تختلف إلى حد ما عن التخصصات الأكاديمية في المؤسسات الجامعية وتختلف أيضا عن الوظائف المستقبلية كوظائف الذكاء الاصطناعي والتعليم الآلي، وتحليل البيانات، والرعاية الصحية لكبار السن، وخبراء الأمن السيبراني، والصناعات الرقمية، والأتمتة والبرمجة، والواقع الافتراضي.
إن هذه الفجوة بين ما يشار إليها على أنها وظائف المستقبل وبين السوق المحلي ناجم عن فرق بين طبيعة اقتصاديات الدول الصناعية المنتجة، واقتصاديات الدول النامية المستهلكة المعتمدة على مصادر شبه ثابتة للدخل القومي، لذا على الفرد أن يدرك طبيعة السوق المحلي، فنحن نحتاج مثلا وظائف للاهتمام بالأجيال الناشئة أكثر من الوظائف التي تهتم برعاية كبار السن بسبب النمو السكاني المتسارع، ونحتاج لوظائف في قطاع النفط والغاز أكثر من الوظائف في قطاع الصناعة والطاقة البديلة. كما أن إدارتنا لمنتجات الذكاء الاصطناعي أولوية أكثر من ابتكارنا لمنتجات الذكاء الاصطناعي، ففي الغالب سنجد أنفسنا مجرد مستهلكين لهذه المنتجات لأن طموحاتنا لا تتناسب مع واقعنا.
في الختام يمكن القول بأن طبيعة سوق العمل والنمط الاقتصادي يجب أن يكون له الأولوية، فمنه المنطلق لتحسين نمط إنتاجنا واستهلاكنا، وهذا لا يعني ألا يشق الأفراد طريقهم نحو الوظائف المستقبلية بل هو أمر ضروري، ويجب على الجميع أن يتسلح بمهارات المستقبل لكن في الآن ذاته يجب ألا ندفع الشباب إلى امتلاك شهادات في مجالات لا وظائف لها في السوق العماني مما يزيد العبء على ملف الباحثين عن عمل.