فضاءات

الروائي الأردني جلال برجس يكتب عبر “أثير”: الدراما العربية إلى أين؟

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

أثير – الروائي الأردني جلال برجس

تُعدّ (الدراما) نواة حقيقية لكافة أشكال الفنون التي عرفتها شعوب الحضارات القديمة، مثل الإغريق الذين اعتمدوها كمنحى رئيسيًا لحياتهم، وحتى لطرائق تفكيرهم بالماضي والحاضر والمستقبل. وطرأت على هذا الفن المؤثر بكل ألوانه تطورات كثيرة، منها ما وصلت إليه الدراما التلفزيونية المسلسلة، وهذه التطورات لا تنفصل بالطبع عن المميزات الثقافية، والاجتماعية، والسياسية، والدينية، والتاريخية لبيئة العمل.

ظهرت أعمال درامية على الصعيد العالمي غاية في الأهمية، مثل: مسلسل (بيت صغير على المرج) (Little House on the Prairie)‏ الذي أنتج في أمريكا، وبدأ عرضه في سنة 1974 على هيئة الإذاعة الوطنية. وبلغ عدد مواسمه 9 مواسم، وعدد حلقاته 204 حلقات. وهو من إخراج (ليو بن). بث لأول مرة بتاريخ 11 سبتمبر 1974 بينما كانت آخر حلقة منه بتاريخ 21 مارس 1983 بعد أن استمر لقرابة 9 أعوام. وهو من بطولة (ميليسا جيلبرت)، (ميليسا أندرسون)، (جوناثان جيلبرت)، (كايل ريتشاردز)، و(شانين دوهيرتي). وعلى الصعيد العربي ظهر مسلسل (ليالي الحلمية) الذي كتبه أسامة أنور عكاشة، وأخرجه إسماعيل عبد الحافظ. هذا المسلسل الذي صور التاريخ المصري الحديث من عصر الملك فاروق وحتى مطلع التسعينات في عدّة أجزاء كان آخرها عام 2016. وقد شارك فيه نخبة كبيرة من الفنانين المصريين زاد عددهم على 300 ممثل.

ثمة تبدلات واضحة جدًا طرأت على بنية الدراما العربية، أو على الأغلب هي تحولات ليست إيجابية؛ إنما للأسف الشديد سلبية باتت تهدد هذا البناء الذي كان منبرًا مهمًا ليس فقط على الصعيدين المعرفي، والإنساني، إنما أيضًا على صعيد المضي قُدمًا نحو تطور فني لا ينفصل لا عن المحتوى، ولا عن بيئة ما يقدمه العمل. إن نسبة الركاكة في مجموع الأعمال سواء كانت فنية، أو أدبية، أو أي مجالات أخرى، هي نسبة طبيعية ما دامت في حدودها غير المؤثرة على الطابع العام الذي يحمي الغرض من الاشتغال في ذلك العمل، لكن طغيان الركاكة، والعزوف عن العميق لصالح السطحي، والسهل، والمبتذل دلالة خطيرة، وأراها مرتبطة بطبيعة المرحلة وعدم القدرة على التعامل معها بسوية.

ظهرت هذا العام بعض الأعمال المميزة، لكن المجمل العام في الإنتاج الدرامي يشير إلى حالة من الاستسهال التي تفرضها المسألة التجارية بالطبع على حساب الجودة، وبالتالي عزف كثير من جمهور الشاشة الصغيرة عن متابعة ما انتظروه في الموسم الرمضاني الذي تعد إليه شركات الإنتاج مبكرًا. إن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة في هذه المرحلة والتي يرى فيها الكثير أن السطحي في كثير من المناحي الأدبية والفنية تبوأ مكانة ليست مكانته، هو: كيف سيكون شكل الجيل ومستواه الذي سيتربي على ما اصطلح على تسميته بـ (عصر التفاهة)؟ خاصة أننا في زمن تسيطر فيه وسائل التواصل الاجتماعي على البشر بشكل خطير، بل وتقودهم إلى آراء، وتوجهات جديدة. إن الفراغ الذي ستتركه الدراما ستحتله أدوات ووسائل رغم إيجابياتها إلا أنها لن ترتقي بالذائقة العامة، بل ستؤدي بها إلى مزيد من الانحدار. طرح عدد من المثقفين والمشتغلين في المجال الدرامي حلّا مناسبًا للارتقاء بالنتاجات الدرامية؛ إلا وهو تحويل الروايات العربية إلى مسلسلات، وهذا من شأنه أن يقدم أعمالًا متميزة إن وجدت فريقًا جادًا، يؤمن بالدراما، وبما يمكن أن تؤدي إليه. وقد نجحت أعمال كثيرة من هذا المنطلق مثل: (أفراح القبة) وهو مسلسل مصري درامي أنتج عام 2016، وهو مقتبس عن رواية نجيب محفوظ التي تحمل الاسم نفسه. والمسلسل المصري (بنت اسمها ذات) والذي عرض في رمضان2013، والمأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه لصنع الله إبراهيم.

لقد وجدت المسلسلات الأجنبية التي أخذت عن روايات متابعة كبيرة، وحدث هذا في العالم العربي، فلماذا لا نخرج من الركاكة نحو الجاد، ومن السطحي نحو العميق في محاولة لتجاوز عصر التفاهة، والوقوف بوجهه، وبالتالي تفادي ما يمكن أن يؤدي إليه!

Your Page Title