مسقط-أثير
أعد المادة: أحمد بن علي الشيزاوي، كاتب عماني
إن مفهوم التقاعد ليس بحبوحة أو رفاه اجتماعي وإنما ضمان ضد خطر العجز أو الإصابة أو الشيخوخة، بيد أن السبب الجوهري الذي تم الوقوف عليه بشأن عدد الاستقالات ونسبتها خلال السنوات الأخيرة مرتبط بمخاوف متعلقة بتغييرات مسربة لنظام التقاعد التي تأتي على نحو متماشٍ مع الوضع الاقتصادي للصناديق القائمة حاليا وقدرتها على تحمل المصاعب المالية.
إذ تصدر وسم #نظام_التقاعد_العماني_الجديد قائمة الوسوم الأكثر تداولا في سلطنة عمان خلال الفترة المنصرمة، عبر من خلاله مستخدمون عن تحفظهم على ما جاء في تسريبات مدفوعة بالتوجس من تطبيق الحد الأدنى لسنوات الخدمة المطلوبة لاستحقاق التقاعد الاختياري بما لا يقل عن 30 سنة في ظل صمت مشروع القانون محل النقاش عن مكافأة ومنحة نهاية الخدمة، وتسريب طرق احتساب تعطي استحقاقًا أقل ورفعا مرتقبا لسن المعاش.
وقبل الحديث عن الوضع القائم بسبب النظام الجديد ولأهمية رسم الصورة بشكل شمولي نستعرض أهم عشرة مؤشرات من إحصاءات العمانيين المسجلين في صناديق التقاعد وفق تقرير المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بشهر نوفمبر 2022م حسب الآتي:
1- إجمالي أعداد المتقاعدين بصناديق التقاعد بالقطاعين العام والخاص يبلغ 131.373 فردا و82% من إجمالي عدد المتقاعدين هم من المسجلين بصناديق تقاعد القطاع العام.
2- إجمالي المعاشات المستحقة للمتقاعدين بالقطاعين العام والخاص 775 مليون ريال عماني منها 637 مليون ريال بالقطاع العام و138 مليون ريال بالقطاع الخاص.
3- يبلغ عدد الذي خرجوا في تقاعد مبكر 27,556 فردا أي ما يعادل نسبة 21 % من الإجمالي.
4- 80% من حالات التقاعد المبكر قدمها المسجلون في صناديق تقاعد موظفي القطاع العام.
5- إجمالي عدد المستقيلين 29,261 فردا وبنسبة تبلغ 22% من الإجمالي.
6- 100% من الاستقالات قدمت بواسطة المسجلين في صناديق تقاعد موظفي القطاع العام.
7- إجمالي من خرجوا في تقاعد مبكر أو استقالوا زهاء 56,817 فردا أي ما يعادل نسبة 43% ممن انتهت خدماتهم.
8- متوسط سنوات الخدمة للمشتركين بصناديق التقاعد بالقطاعين العام والخاص يبلغ 11 سنة فقط بينما 75% مــــــن المشتركين لديهــــــم ســــــنوات خدمــــــة تزيــــــد على 15 ســــــنة.
9- 45 % مــــــن المشتركين فــــــي الفئــــــة العمريــــــة مــــــا بيــــــن 30 إلــــــى 39 ســــــنة.
10- 36% مــن المشتركين تتــراوح رواتبهــم مــــــن 325 إلــــــى 400 ريــــــال عمانــــــي، والذيــــــن تتــــــراوح رواتبهــــــم أكثــــــر مــــــن 1000 إلـــى 2000 ريـــال عمانـــي.
تقديم الاستقالة المدفوع بمخاوف من تغيير نظام التقاعد
وفي إطار متصل عد بعض فقهاء القانون أن تقديم الاستقالة المدفوع بمخاوف من تغيير نظام التقاعد يشوبه أحد عيوب الإرادة؛ حيث استقر القضاء الإداري بأنه يتعين لمشروعية الاستقالة باعتبارها تصرفا إراديا، أن تصدر عن إرادة حرة غير مشوبة بأي عيب من عيوب الإرادة، مما يعني أن تصدر عن رغبة صادقة ورضاء صحيح.
وبناء عليه؛ فإن استقالة الموظف التي تقدم تحت تأثير رهبة مبعثها “استقالتي أفضل، لأنني لو واصلت عملي قد تلحقني خسائر مادية في مستحقات ومعاش التقاعد” تُعدّ استقالة مشوبة بعيب صريح من عيوب الإرادة، ولجهة الإدارة الاحتجاج بذلك عند تسويغ رفض طلبات الاستقالة التي يتحقق حولها هذا الشرط.
وتنظيميا فإن المشرع في سلطنة عمان أوجب أن تصدر الاستقالة عن إرادة صحيحة مكتوبة ولا يعتد بالاستقالة الشفهية باعتبار أن الكتابة شرط صحة لا شرط إثبات، وخالية من أي قيد أو شرط كحث جهة الإدارة على إجابة طلب في شأن وظيفي آخر، ويكون البت في الاستقالة خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديمها بالقبول أو الرفض، وإلا عدت بانقضاء الثلاثين يوما مقبولة حكما.
قيمة الوظيفة التي يشغلها الفرد كأصل استثماري:
ذهب بعض فقهاء الاستثمار إلى أن احتساب الدخل من الأصول والسندات مبني على عائد بمتوسط 5% ويحتسب بموجب معادلة = مقدار الدخل مضروبا في 12 مقسوما على 0.05
أي إن موظف دخله الشهري ألف ريال عماني تقدر الوظيفة التي يعمل بها بما يعادل أصلا استثماريا تبلغ قيمته 240 ألف ريال عماني
ومن يخسر نتيجة خروجه في تقاعد مبلغ 500 ريال عماني على سبيل المثال، فكأنما تخلى عن أصل قيمته 120 ألف ريال عماني خصوصا إذا كان في سن الإنتاج والعطاء.
استشارة حول قرار الخروج في تقاعد مبكر:
موظف عمره بحدود 46 سنة مدة خدمته 21 سنة، ويعد الراتب مصدر دخله الوحيد ولا توجد أسباب جوهرية لخروجه في تقاعد، طلب استشارة حول خروجه في تقاعد مبكر فكان الرد عليه كالآتي:
لا يعد انطباق الشروط الإدارية مسوغًا كافيا لاتخاذ قرار الاستقالة أو التقاعد المبكر إذ إن الأمر مرتبط بالمصلحة الوطنية العامة، ومصلحة الفرد ذاته وأسرته، ومن يلوذ به، وهنا إطار لاتخاذ القرار يقاس من خلاله: هل خروجك في تقاعد مبكر يعد قرارا سليما:
1- ضع في اعتبارك أن مقدار المعاش الذي تتوقع الحصول عليه الآن وبعد سنوات خاضع لعوامل منها الترقية الوظيفية والمالية وتقادم مدة الخدمة.
2- استكمال مدة 19.5 سنة على الأقل كمدة خدمة حالية.
3- ليس عليك التزامات كأقساط للبنوك والأفراد بما يعادل أو أكبر من المبلغ الذي سوف تفقده من إجمالي الراتب.
4- مجموع الدين المترتب عليك أصغر أو يعادل قيمة منحة التقاعد التي سوف تحصل عليها.
5- لديك خطة واضحة لما بعد التقاعد حول كيفية الاستفادة من مؤهلك العلمي وجعله مطلوبا في سوق العمل أو دراسة جدوى لبدء مشروع خاص ومصدر تمويل مضمون.
6- لديك الاستعداد للتضحية بالمبلغ المفقود من إجمالي الراتب الذي يمكن أن يستمر معك مع علاوة سنوية لمدة الخدمة المتبقية حتى بلوغك سن التقاعد.
7- ضع في اعتبارك أن مقدار المنحة التي سوف تحصل عليها تعادل الفرق في الراتب الذي سوف تفقده (35%) لمدة سنتين فقط.
8- يكون لديك خطة اجتماعية على صعيد العلاقات الشخصية والمشاركات المجتمعية لشغل الفراغ الذي سوف ينتج عن الخروج في تقاعد.
9- لا يوجد لديك أفراد أسرة دون سن العمل، وتتعاظم مصاريفهم الشهرية نتيجة التعليم وما في حكمه من احتياجات.
10- لا يعد قرارك مدفوعا بمخاوف من تغيير نظام التقاعد.
خلاصة القول:
تمركز حالات الاستقالة والتقاعد المبكر في القطاع العام نتيجة عوامل عدة تعاضدت على نحو متتابع، وكانت تعد باعثا لتقديم الاستقالات، وقد كبدت الوحدات خروجا للكفاءات الإدارية والخبرات العملية وحملة المؤهلات العلمية، ولعل ما يساق بين يدي ذلك من مؤشرات ذات دلالة متوسط مدة الخدمة لدى المشتركين بصناديق التقاعد التي أضحت تناهز 11 عاما فقط لدى شريحة عمرية ما بين 30 و39 عاما في العمر.
ومع ما ذكر من مؤشرات إلا أنه يوجد نحو 107 آلاف مشترك يمثلون نسبة 24% من إجمالي المشتركين مؤهلين للخروج في تقاعد، وهذا الأمر يدعو إلى توجيه هؤلاء الأفراد عند تقديمهم لطلبات الاستقالة التفكير بالمصلحة الوطنية العامة قبل كل شيء سيما في حالات الاستقالة المدفوعة بمخاوف من تغيير نظام التقاعد، ومن المناسب أن يفعّل رؤساء الوحدات صلاحياتهم بشأن عدم قبول الاستقالات التي لا يسوغ لها بمبررات كافية.