أثير – مـحـمـد الـعـريـمـي
عند خروجنا إلى الحياة، تكون أقدارنا مكتوبة، لكننا نرسم مسارات لحياتنا ونضع لها الأهداف المستقبلية، وبين عشية وضحاها قد يحدث شيء مُقدّر لنا يغير من كل شيء، وهنا يكون الخيار إما أن نتحمل ونقاوم وبقدر التحمل نغدو أقوى، أو نستسلم ونُهزم ونبقى بين مطرقة الهزيمة وسندان اليأس.
في السطور القادمة قصة لشاب التقت به “أثير” أثناء زيارته الأخيرة لسلطنة عُمان؛ لتقديم محاضرة للأشخاص ذوي الإعاقة، فهو شاب ولد من آخر نفس، فنهض من تحت الركام وآمن بما كُتب له وشدّ من أزره بهمةٍ عالية وعزيمة صلبة ليصل للعالمية وهو على كرسي متحرك.
“أثير”
هو البطل فيصل بن جواد الموسوي المولود في السابع من أغسطس لعام 1985م، كانت لديه أحلام وأهداف مستقبلية، قيل له يومًا ما وهو في مقتبل الحياة “لن تعيش 5 دقائق” لكنه عاش بلطف الله حتى يومنا هذا، سلك طريق النجاح وتغلب على العقبات والتحديات رغم إعاقته ليُصبح رئيسًا تنفيذيًا وصاحب شركات وعلامات تجارية كبيرة ومحاضرًا دوليًا، محققًا إنجازات وأرقامًا عالمية أدخلته موسوعة غينيس وهو بشلل نصفي دائم.
فيصل بن جواد الموسوي
بدأت قصة فيصل منذ أن كان في العشرين من عمره؛ في أحد أيام سبتمبر من عام 2005م -حيث سبق ذلك الشعور بأن شيئًا سيحدث والخوف من مجهول- كان فيصل يقود مركبته بأحد الطرق السريعة فسلك أحد الجسور بسرعة تُعد عالية، ولأن الطقس كان حارًا قام الشاب بفك حزام الأمان – وهو خطأ يُكلفنا أحيانا حياتنًا وسلامتنا-، هي ثوانٍ معدودات قبل أن يفقد السيطرة على المركبة فتدهورت وسقطت من أعلى الجسر.
-حيث سبق ذلك الشعور بأن شيئًا سيحدث والخوف من مجهول-
تسبب الحادث بتدهوره داخل المركبة نتيجة عدم ربط حزام الأمان وانكسار ظهره بالنصف، يقول فيصل “حتى اليوم وأنا أتذكر شهقة الموت من الأنف”، كانت أنفاسه ثقيلة وصعبة ويرجو الله أن يمُدّه بالنفس ويعيش عمرًا جديدًا، وصل المسعفون وبعد إخراجه من المركبة توقعوا أنه قد فارق الحياة، وإلى يومنا وهو يتذكر أصواتهم يقرأون سورة الفاتحة ويرددون “رحمه الله توفي” وهو يسمع، لكنه لم يكن قادرًا على التحدث والصراخ.
بعد أن وصل إلى المستشفى عاينه الطبيب وقال بأن الشاب لن يعيش 5-10 دقائق، بعد وصول عائلته لإنهاء إجراءات العملية فُجعوا بقول الطبيب “وضع الشاب صعب جدًا، وإن عاش وكُتب له العمر لن يكون في وعيه طوال عمره، فهيئوا أنفسكم أن ابنكم لن يكون جاهزا لحياته الجديدة “، أُجريت لفيصل عملية استمرت لـ 8 ساعات كان حينها الكادر الطبي يسخّر إمكاناته في غرفة العمليات وعائلته في الممر تذرف الدموع وترفع الأكف لله تعالى بأن يكتب لابنهم عمرًا جديدًا منتظرين خروج الطبيب ببشارة، حيث بعد العملية وقال: “هي 3 أيام إن مرت بخير فإن الشاب سيعيش وعكس ذلك إما الموت أو العيش بلا وعي”.
بعد خروجه من العملية بقي فيصل في الإنعاش لـ 7 أيام، استيقظ أخيرًا لكنه لم يشعر برجله فسأل “أين رجلي لا أشعر بها” وهو يظن أنها مبتورة، فاطمأن بأنها لم تُبتر، فبقي في المستشفى لمدة شهرين كان يعيش يوميًا عذابًا أشد وأقسى من يوم الحادث، كانت توجد في ظهره قطعتان من الحديد وعند التحام الحديد باللحم يُسبب له ألمًا شديدًا، وبعد ذلك قضى 4 أشهر في مستشفى العلاج الطبيعي، ثم سافر إلى جمهورية التشيك وعاد بعد ذلك وهو يشعر بأن لا حياة صحية ولا اجتماعية ولا معنوية لديه، كان يتوقع أن يعود وهو يمشي على رجليه، لكنهم أبلغوه أن عليه التعود على الكرسي المتحرك!
نهض فيصل من ركام اليأس والهزيمة، وقرر أن يستمتع في رحلته مع الكرسي المتحرك، ويصنع لنفسه آفاقًا أوسع وأحلامًا أكبر، فوضع قانونًا خاصًا له “إما أن أفوز أو أفوز” ومن هنا انطلقت البداية لحياة جديدة؛ انضم للجامعة وأكمل دراسته بين دراسة وجلسات العلاج الطبيعي، وبعد 5 سنوات تخرج، فوضع قواعد نجاح يسعى بها إلى القرب من الله والتخطيط والسعي والتنفيذ والإنجاز، ومن هنا يقول فيصل بأن عوض الله قد بدأ.
في عام 2005م لم يتوقعوا أن يعيش 5 دقائق لكنه في عام 2009م حصل على أول رخصة غوص دولية وهو على كرسي متحرك، وفي عام 2013م أصبح أول غواص يغوص في إحدى جزر ماليزيا، وفي عام 2014م حقق إنجازه الثاني فاشترى كرسيًا متحركًا جديدًا بعد أن أصبح أول غواص من ذوي الإعاقة يغوص في رحلة سفاري استكشافية في جزر المالديف، وأول غواص من ذوي الإعاقة في العالم يغوص في جزيرة سيميلان بتايلند، وفي عام 2016م أصبح أول غواص من ذوي الإعاقة في العالم يغوص على ثاني حطام سفن في العالم، وأول غواص يغوص في راجا أمبات بأندونيسيا، وصُنف أول غواص من ذوي الإعاقة على مستوى آسيا والشرق الأوسط لديه 7 رخص غوص دولية.
كل ذلك لأن فيصل كان يخطط لتحقيق الحلم الأكبر؛ ففي عام 2018م أصبح أسرع غواص على مستوى ذوي الإعاقة وغير ذوي الإعاقة في موسوعة غينيس للأرقام القياسية لمسافة 10 كم، حيث غاص لمسافة 10 كم في 5 ساعات و24 دقيقة، فكسر رقم غواص إيرلندي لا توجد لديه إعاقة، ومنذ عام 2018م حتى يومنا هذا لم يستطع أحد كسر هذا الرقم، فأطلق عليه موقع غينيس superhuman، ولم يكتفِ بكل تلك الإنجازات، ففي عام 2022م تشجعت غينيس بعد إنجاز البطل فيصل لإضافة أرقام لذوي الإعاقة، فتمت دعوته من قِبل غينيس ليصبح أسرع سباح سنوركل على مستوى ذوي الإعاقة في العالم، لمسافة 1 كم عكس التيار في أقل من ساعة بالمحيط الهندي.
كان فيصل وهو بعمر الـ 20 يحلم أن يصبح لاعبًا محترفًا، لكن الأقدار غيرت من مسارات حياته وأهدافه وأحلامه، فتغير كل شيء من حلم اللاعب المحترف إلى الغواص البطل والرئيس التنفيذي ومالك لعدد من العلامات التجارية، هنا نقف وقفة إجلال وتحية للبطل فيصل الذي لم تُثنه الإعاقة ولم تضعفه المصائب والأكدار وحولها لنجاح ملموس.
وأخيرًا، أيها القارئ الكريم؛ إذا كنت تعلم أحد الأشخاص من ذوي الإعاقة شاركه القصة علّها تحيي بداخله أملًا وحلمًا يُمكن تحقيقه.
وأخيرًا، أيها القارئ الكريم؛ إذا كنت تعلم أحد الأشخاص من ذوي الإعاقة شاركه القصة علّها تحيي بداخله أملًا وحلمًا يُمكن تحقيقه.