أثير – مكتب أثير في تونس
توضيب البوح: محمد الهادي الجزيري
مفاجأة رائعة وصلتني اليوم من الأستاذة حياة البوسالمي من مطلع الشمس، فقد كتبت قصّتها مع تلاميذها النجباء وآن لها أن تطلع قرّاء أثير عليها، وقد نقلت لنا أجواء التكريم وأين كان، ففي قاعة ملأى بجنسيات متعددة، يأتيها الصوت مشحونا بعاطفة جيّاشة:
(ميس حياة) يَعني أمّنا.. تقدّمي كي نكرّمك، وتصف لنا تلاميذها بأبهى الأوصاف:
“صراحة كانوا نموذجا للاحترام، للحبّ والعطاء” وتبوح بالعرفان لمّا تدهش حين تقول لها إحدى تلميذاتها: “لم تكوني معلّمة، بل كنتِ أمّا”، وفي هذا الكلام تقدير لعطاء المعلِّم وبسببهم مدّدتْ التونسية عقدها، فمن ثلاث سنوات صارت تسع سنوات، هذه شهادة فضلى لمعلّمة أحبّت عُمان وأحبّتها.

قصة انطلقت من جبال “الجريصة والدهماني والروحية”، جهات من الشمال الغربي التونسي، مناطق صافحتُ فيها حبَّ المتعلّمِ لي وتفطّنهُ لحُبّي له، رغم جدّيتي وقسوتي أحيانا عليه من أجل تحقيق الهدف المنشود، بعد أن كتبتُ قصتي في يوم مضى مع أبنائي في الوطن الحبيب، آن لي أن أكتبَ قصتي مع أبناء السلطنة الحبيبة، قصة امتزج فيها الدمع بالبسمة والعطاء المتبادل، قصتي مع السنوات النهائية وتلك المفاجأة التي لم أتوقعها يوم تخرجهم، عجزتُ عن تدوين هذه القصة، قصة مربيةٍ في الغربة أنسَوْها طلبتها غربتها وجعلوها تشعر أنها منهم، بعد أربع سنوات من معايشة النصوص الأدبية معا، وبين التعليم عن بعد في كورونا والتعليم داخل الصف، بدأ جنين الحب ينمو بيني وبينهم وبات لكل واحد فيهم رحلة في شرياني، بين غضبي عليهم حين تضعفُ إرادتهم وصمتهم وتقبلهم لكلّ إرشادات، كان الحبّ يكبر وتكبر معه مسؤوليتي تجاههم، لعمري إن المسؤولية تكبر كلّما نما تعلقي بهم وتعلّقهم بي، قصة أبطالها اسم واحد هو بيداغوجيا الحبّ، كسرتْ كلّ الحدود وصرنا واحدا: عالَما مصغّرا للأمة العربية، وكانت المفاجأة ليلة حفلة تخرجهم، كنت جالسة في آخر القاعة، اخترت أن أراهم من بعيد حتى لا يرون دموعي، إنهم جزء من ذاكرتي وصفحة من صفحاتي كمربية، يأتيني صوت من بعيد يناديني (أستاذة نريد أن نكرمك).. في عين كلّ واحد… كلّ واحدة..، كلمة وألف كلمة رحلت مع موسيقى التكريم لتعود لي وتخبرني: تلك الفراخ الصغيرة قد صارت لهم أجنحة وآن لهم أن يحلقوا في فضاء الطموح..، الدفعة الأولى ثم الثانية، نعزف معا سمفونية الحياة بين النصوص والصور البلاغية، تعلمتُم منهم وتعلموا منّي، أجمل قصة في السلطنة، هم من جعلوني أتعلّق بهذه الأرض لأنهم عطرها وبخورها الشذي، ألف قبلة على جبين كل تلميذ عُماني شاركني قاعة الدرس، أنتم أنموذجا يحتذى به في تقدير المعلم واحترامه، وفي العروبة والمبادئ وفي العطاء والطموح، أحبّكم وكفى وقصتي معكم لا نهاية لها… لأنّها تتجدّد في ذاكرتي…
