أخبار

د.رجب العويسي يكتب: ماذا يقول قانون التعليم المدرسي في البحث العلمي وخيارات التمهين والتمكين؟

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

أثير- د. رجب بن علي العويسي، خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

حظي البحث العلمي والتربوي بحضوره الواسع في مواد قانون التعليم المدرسي الصادر بالمرسوم السلطاني (31/2023) حيث جاء في المادة (10) ” يعد البحث العلمي والابتكار والريادة لدى الطلبة وأعضاء الهيئة التعليمية من أولويات الوزارة، وتقدم في سبيل ذلك التسهيلات اللازمة..”، وأفرد القانون في الفصل الخامس منه وتحت عنوان” البحث العلمي والتربوي” ثلاث مواد تنظم البحث العلمي والتربوي في التعليم المدرسي ، حيث جاء في المادة (70) ” يعد البحث العلمي والتربوي أساسا لتحسين الممارسات التربوية والتعليمية” ، وجاء في المادة (71) ” تنظم اللائحة إجراء البحوث العلمية والتربوية من قبل أعضاء الهيئة التعليمية أو غيرهم” ؛ والمادة (72) ” تنظم الوزارة الأنشطة البحثية والتربوية المباشرة أو التي تكون عن بعد وتشجّعها” .

وبالتالي أعطت هذه المواد الأربع في القانون البحث العلمي والتربوي ميزة تنافسية واختصاص أصيل في عمل المدارس، وهو يمثل استحقاقا تعليميا من الدرجة الأولى باعتباره مدخل التعليم نحو الابتكار والريادة وسوق العمل وصناعة الوظائف والتثمير في الموارد، وبالتالي فإن إيجاد مناهج وأساليب تدريسية تعوِّد الطالب على البحث عن المعلومة العلمية ودراستها بتعمق كاف، وصولا إلى تهيئة المناخ المناسب للطالب ليصبح هو نفسه منتجا للجديد من المعرفة المتجددة، يعد أمرا مهما في ظل السعي نحو تعزيز مفهوم التعليم المنتج وربط المهارات الأكاديمية للطالب في التعليم المدرسي بمتطلبات التعليم العالي، وهو بذلك يستهدف تحسين الممارسات التربوية والتعليمية، والوصول إلى الممارسات التعليمية المثلى وتعظيم القيمة المضافة للبحث العلمي كمدخل للتطوير، ومن هذا المنطلق يصبح البحث العلمي والتربوي ممارسة علمية منهجية مؤطرة قائمة على أدوات واضحة ومنهجيات دقيقة، واستراتيجيات أداء محكمة، ومسارات تنظمها اللائحة التنفيذية للقانون بالشكل الذي يوجه بوصلته نحو تحقيق غايات سامية تتناغم مع مسؤوليات التعليم وغاياته في ظل معطيات العالم الكوني واقتصاد المعرفة ونظريات التعليم المنتج، وبما يقيه ضريبة الخروج عن النص أو عشوائية الممارسة البحثية أو الاجتهادية التي تتنازعها الذات فيوظف البحث العلمي لغير أهدافه وغاياته.

إنّ هذا التأطير التشريعي للبحث العلمي والتربوي في التعليم المدرسي بسلطنة عمان من شأنه أن يعمل على إعادة انتاج ثقافة البحث العلمي والتربوي ويصحح الممارسات التي ارتبطت بمادة ثقافة البحث العلمي في فترات سابقة، حتى أدى الأمر إلى تغييبها من واقع الطلبة في المدارس لأكثر من عقد من الزمن، ليضع القانون ولائحته التنفيذية هذا الأمر في صورة جديدة تعكس الغايات التربوية العليا التي يراد أن ينشئها البحث العلمي وتحقق مهاراته في أروقة المدارس وبنية التعليم، ومرحلة متقدمة في توجيه بوصلة البحث العلمي ليكون أحد اهم أدوات التحسين والتطوير، والمراجعة والتقييم، والتشخيص والتحليل، وقياس الرأي التربوي أو المجتمعي حول الخدمات التعليمة للمدارس وللوزارة؛ أو كذلك رأي الهيئات التعليمية والطلبة وأولياء الأمور حول البرامج التعليمية التي تنفذها المدارس وقياس الرجع الناتج عنها، الأمر الذي ينتج عنه تناول قضايا ذات صلة بموقف التعليم أو بعمل المدارس أو بالواقع الاجتماعي عامة، وقياس تأثيره على الطلبة أو غيرهم في إشارة إلى بعض الظواهر السلبية التي بدأت تنتشر في المدارس أو المجتمع وتستدعي دراسة أسبابها ومسبباتها والعوامل المؤثرة أو المهيجة لها، ثم قياس تأثيرها على سلوك الطلبة، واقتراح السياسات والخطط والبرامج والأدوات التي تعمل على الحد منها أو تقليل أثرها سواء ما يتعلق بالمنصات الاجتماعية والاستخدام المفرط لها من الطلبة ، أو كذلك ما يتعلق بالمخدرات والمؤثرات العقلية، أو مشكلات الطلاق والمشكلات الأسرية وانعكاساتها على سلوك الطالب وانتظامه الدراسي وانضباطه السلوكي، وغيرها كثير، فإن ما يمكن أن يتحقق من مؤشرات المواد (71و72) من تنظيم وتقنين لمسار وآليات وأهداف وأنواع وغايات البحث العلمي والتربوي أو كذلك توسيع خيارات الطلبة وأعضاء الهيئة التعليمية بشأن الموضوعات والمجالات التي يمكن تناولها بالبحث والدراسة والتشخيص والتحليل والرصد، واتباع سنة التدرج فيها من البحوث الإجرائية إلى الوصفية إلى التحليلية إلى دراسة الحالة إلى استخدام مناهج البحث الأخرى؛ كل ذلك وغيره سيضمن تحقق المهنية والمعيارية والقوة في نواتج هذه البحوث؛ كما يضمن فاعليتها في تجسيد ملامح التطوير – استراتيجيات أداء تمشي على الأرض – ، وإعادة ضبط المسار وتوفير البيانات والمعلومات والبدائل والحلول والاستراتيجيات التي تساعد المدرسة على التعامل مع هذه المتغيرات، وتجريب أفضل الممارسات في مواجهتها.

على إن ما طرحته المادة (72) من إمكانية تنفيذ هذه البحوث والأنشطة البحثية والتربوية بصورة مباشرة أو بطريقة عن بعد، وتشجيع الوزارة لذلك؛ مساحة مرنة تحسب لتمهين البحث العلمي، وتمنح الطلبة وأعضاء الهيئات التعليمية مساحة أوسع في طريقة إنجاز هذا المسار البحثي، الأمر الذي يشجع الطلبة وأعضاء الهيئة التعليمية على الاستفادة من مصادر المعرفة الأخرى المنتشرة، بالإضافة إلى توظيف الشراكات التربوية للمدارس مع مؤسسات التعليم العالي في بناء توأمة منتجة للبحث العلمي، وتجريب هذه البحوث في ميدان الممارسة، ويتيح استخدام أدوات بحثية مختلفة ومتنوعة تتناسب مع طبيعة المشكلة والمتغيرات التي تتفاعل معها، ويؤسس للتوجه نحو البحث النوعي والبحوث المعمقة والتتبعية ودراسات الحالة بما من شأنه أن يعظم فرص الاستفادة من هذه البحوث المنتجة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن تناول المادة (10) البحث العلمي والابتكار والريادة لدى الطلبة وأعضاء الهيئة التعليمية باعتباره من أولويات الوزارة؛ يؤكد أولوية تعزيز القدرة الوطنية في استخدام البحث العلمي، ليضاف إليه الابتكار والريادة باعتبارها مسارات مهمة في تعزيز انتاجية البحث العلمي، وفتح المجال للطلبة في هذا الجانب، يضع البحث العلمي كمدخل استراتيجي وخيار أصيل لتناول قضايا الابتكار والريادة، أو أن يتجه البحث العلمي نحو الابتكارية وإنتاج الفرص وريادة الأعمال، وهو ما يؤسس لقيام شركات طلابية ناشئة تستخدم مهارات البحث القائمة على التجريب والتحسين والتطوير والاختراع والاكتشاف وتستفيد من التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، فينتقل البحث العلمي إلى التمكين وعبر دخوله عالم الاقتصاد، وربطه باحتياجات سوق العمل، وتعميق مسارات استشراف المستقبل في إطار توفير فرص تحقق موارد مالية ودعم رصيد النمو في القطاعات الإنتاجية ناتجة عن الانتقال بالبحث العلمي من المرحلة الاستهلاكية إلى الإنتاجية واعتماده على النفس والتثمير فيه، وهو ما يأتي عبر التسويق للبحث العلمي من خلال التزامه بتوفير تطبيقات عملية، واستنتاجات واقعية يؤديها البحث العلمي وتبنى عليها القرارات الاستراتيجية، وإيجاد صيغة تسويقية محكمة تأخذ بمبدأ التنوع والاستدامة ، لقياس القيمة المرتجعة المضافة من البحث العلمي، ترتكز على إشراك القطاع الخاص وتعزيز دوره في توظيف نتائج البحوث في تطوير المنتج الوطني ، والتفكير في إيجاد مسارات أخرى داعمة تقوم بدور التسويق والترويج للمنتج البحثي، عبر إنشاء وحدات لتسويق نتائج البحوث وإقامة ودعم الجمعيات العلمية وحاضنات الابتكار، والمعارض والفضاءات العلمية، وتفعيل إنشاء مؤسسات وسيطة بين المدارس ومؤسسات التعليم العالي والجامعات مع المؤسسات الإنتاجية والخدمية.

أخيرا تبقى الإشارة إلى أن تأكيد مسار البحث العلمي والتربوي في قانون التعليم المدرسي، منطلق لجعل البحث العلمي القوة الناعمة في تحقيق إنتاجية التعليم وضبط الممارسة التعليمية داخل المدارس وتوجيهها لبناء شراكات اقتصادية فاعلة تضمن إعادة انتاج المتعلم اقتصاديا، لتبدأ صناعة المهارة من المدرسة، وعبر ترجيح كفة البحث العلمي في رسم خطوط الإنتاج وتعظيم القيمة التنافسية فيها منذ مراحل مبكرة ومائدة حوارية تبدأ مع الطلبة منذ سن مبكرة لتحديد الخطوط العريضة التي يقف عليها البحث العلمي، وما يؤسسه ذلك من شراكات استراتيجية قادمة مع مؤسسات التعليم العالي والجامعات في الداخل والخارج، في وضع الخطوط العريضة لمسار البحث العلمي ، إذ أن تظافر الجهود نحوه بمثابة إعلان اتفاق مشترك يمنح البحث العلمي استحقاقات المرحلة، واعتماده إطار عمل وطني في رسم السياسات التنموية والقرار الاستراتيجي المؤسسي، ومسارات التنويع الاقتصادي بما يضمن تحقيق أولويات رؤية عمان 2040 .

Your Page Title