أخبار

امتلكت مشروعًا خاصًا: قصة بيان وكفاحها مع مرض”العظم الزجاجي”

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

أثـيـر – مـحـمـد الـعـريـمـي

شاءت الأقدار أن تُولد الشابة العُمانية بيان بنت عبد الناصر العبرية وهي مصابة بمرض “العظم الزجاجي” الذي صعّب عليها ممارسة تعليمها كأي طفلة وشابة، إلا أنها تمكّنت من المواصلة بإيمان وصبر، ونمّت موهبتها حتى افتتحت مشروعًا تعدى الحدود الجغرافية العُمانية وهي على مقاعد الدراسة الجامعية وعلى كرسي متحرك لتُكرّم كأول شخص من ذوي الإعاقة يمتلك مشروعًا خاصًا.

قصة بيان العبرية التي نسردها عبر “أثير”، قصة من آلاف قصص الكفاح والصبر والنجاح، لأشخاص آمنوا بأنفسهم وكانت أحلامهم وأهدافهم وقود عزيمتهم ومن خلفهم أشخاص عُظماء؛ من ضمنهم أمٌ تفتح أبوابًا لابنتها عندما يُقفل باب واحد، ومعلمون أثبتوا أن مهنتهم سامية ونبيلة تؤمن بالإنسان وعقله وتوصله للنجاح.

بعد أن أكملت بيان أعوامها الأولى أراد والدها أن تنضم للروضة لكن خوفًا عليها بسبب مرض “العظم الزجاجي” وسهولة تكسر العظام، ارتأت عائلتها أن تصبر قليلًا وهنا جاء دور الأم التي علَّمت ابنتها القراءة والكتابة في المنزل.

بعد بحثٍ مكثف عن مدرسة تضُم بيان؛ رشحت وزارة التربية والتعليم بيان لمنحة تُقدمها مدرسة  عزان بن قيس وبعد انضمامها تبيّن لهم أنها قادرة عقليًا وتجيد القراءة والكتابة، فتم قبولها في مدرسة حكومية أخرى وتكفلت مديرة المدرسة بها، ومن الصف (1-4) كانت تزورها بين فترة وأخرى الأستاذة منى الجردانية لمتابعة حالة بيان وأدائها في المدرسة لاستكمال المراحل الأخرى.

واجهت بيان العديد من التحديات والصعوبات؛ عند انكسار عظمها تغيب عن الحصص لكن المعلمات في وقت الاستراحة يشرحن لها ما فاتها ووفرّن لها ما تحتاجه ويتناسب معها وما يلزم لحضورها ذهنيًا وجسديًا دون أي معوقات، والمدرسة تكفلت بتهيئة الممرات لها لتتحرك بالكرسي المتحرك بكل سهولة ويسر، فاستطاعت بمعاونة مدرستها ومعلماتها تخطي تلك المرحلة.

انتقلت بيان بعد ذلك إلى الدراسة في جامعة خاصة التي تعدّها مرحلة “انتقال من عالم إلى عالم مختلف من كل النواحي”، فدرست وتخطت المرحلة الأولى، وواجهت بعد ذلك صعوبات في عدد الساعات الطويلة التي تسببت في إجهادها وانكسار عظمها في الفصل الثاني وعلى إثره قامت بالتأجيل عامًا كاملًا.

حاولت بيان بكل الطرق مخاطبة الجامعة للتساهل معها في بعض الجوانب التي وُلدت بها ومعها حتى لا تأجل مرة أخرى واقترحت بدائل وحلولا، ولأنهم لم يصادفوا مثل حالتها من قبل ولا توجد لديهم حالة أخرى مشابهة لم تحصل على نتيجة، وهنا بعد كل ما واجهته كانت أمام خيارين “أحلاهما مُرّ”؛ التخلي عن الدراسة أو الانتقال لكلية أخرى، فالخيار الأول نهاية حُلمها والثاني البدء من الصفر.

جاءت جائحة كورونا ورغم ما خلّفته وأثرت به من جميع النواحي إلا أنها سهّلت على بيان مواصلة حلمها في الوقت الذي كانت تحتاجه، وبسبب تحويل الدراسة “عن بعد” وجدت أن لديها وقت فراغ فائضا فواصلت دراستها ومارست موهبتها في الرسم وطورتها لتفتتح مشروع @_bayans.art_ “الرسم على الأسطح”، فوجدت أن تخصصها يُسهم في تطوير مشروعها من نواحٍ عديدة ولا بد لها أن تكمل دراستها فكان ذلك جرعة تشجيع وتحفيز لإكمال دراستها والتعايش مع الوضع.

بعد مرور مدة من الزمن شعرت بأن الجامعة بدأت تتأقلم معها وتتفهم حالتها أكثر، فتم تقديم التسهيلات لها خصوصًا ما يتعلق بالمدة في الكتابة والاختبارات وغيرها، معبرة عن ذلك بقولها: إن المجتمع عندما يكون واعيا فإن ذلك يُسهل على الشخص المعاق التعايش وإكمال دراسته بأريحية ويجب تقبله بصفته قادرا ذهنيًا رغم إعاقته.

موهبة بيان بدأت بالرسم على الخشب وبعد ذلك على البطاريات المحمولة للهواتف، فأرسلت لأحد المحال التجارية عن رغبتها في الرسم على البطارية المحمولة فوافق صاحب المحل وأعطاها كمية لترسم عليها، وبعد ذلك رسمت في بعض المقاهي رسومات العيد الوطني والعلامات التجارية، وبعد أن بدأت الرسم الرقمي فُتحت لها أبواب كثيرة حتى توسعت للرسم لمقاهٍ في دول الخليج ورسمت تصاميم وشخصيات كرتونية.

مشروع الرسم بدأ بهواية، وفي البدء حصلت بيان على دخل بسيط وأحيانا تخسر أيضًا ولأنها تُمارس موهبتها بشغف ما تزال مستمرة في مشروعها، وكونها من الأشخاص ذوي الإعاقة واجهت صعوبات عديدة، وعندما يعلم الناس أنها من ذوي الإعاقة لا يطلبون منها كمية كبيرة تجنبًا لإجهادها ويضعون السلبيات قبل الإيجابيات، أما غالبيتهم فيحبون إسعادها بطلبياتهم وتشجيعهم ودعمهم.

تقول بيان بأنه يجب عدم التخوف من الدراسة لكل من هم في مثل حالتها وغيرها من الحالات، كما يجب على المعلمات غير القادرات على التعامل مع مثل هذه الحالات الاستفادة والأخذ بالحلول التي وُجدت لها  كالسرير الذي وُفر لها وضمها لدورة حول كيفية استخدام الحاسب الآلي بما يتناسب ويتوافق مع حالتها والتساهل لتجاوز بعض التحديات الأخرى، ناصحةً بتوفير كُتيب يشرح كيفية نقل فئة مرضى العظم الزجاجي وتسهيل عملية علاجهم في المستشفيات عند انكسار العظم.

تملك بيان الآن كرسيًا متحركًا من وزارة التنمية الاجتماعية وتقول “ليس سيئًا” لكنها تتمنى أن تُخصص كراسي متحركة لفئتهم وكل فئة تتناسب معهم، مؤكدةً ضرورة وجود دائرة خاصة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار مختصة بالأشخاص ذوي الإعاقة تتابع وتراجع أوضاع مرضى “العظم الزجاجي” وغيرهم في الجامعات والتزامها واستعدادها، كما يجب على الجهات المعنية إلزام كل مشروع بتوفير ما يُمكّن الأشخاص ذوي الإعاقة من ممارسة حياتهم كغيرهم.

ستتخرج بيان من الجامعة قريبًا وهي حاصلة على شهادة تكريم من وزارة التنمية الاجتماعية كأول شخص من ذوي الإعاقة لديه مشروع خاص وشهادة من وزارة الثقافة والرياضة والشباب وبعض الشهادات لمشاركاتها في المدارس والمسابقات، وهي تطمح -كما تقول لـ “أثير”- بأن تتخرج من الجامعة قريبًا وأن تحصل على وظيفة تناسبها وتُلبي احتياجاتها، وأن تُقدّم شيئًا لذوي الإعاقة في مجال السياحة كونه جزءًا من تخصصها.

Your Page Title