فضاءات

قراءة في “كحل اليمامة” لـ “أم الخير الباروني”

قراءة في “كحل اليمامة” لـ “أم الخير الباروني”
قراءة في “كحل اليمامة” لـ “أم الخير الباروني” قراءة في “كحل اليمامة” لـ “أم الخير الباروني”

 

أثير – مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري


بلا مقدّمات ولا تمهيد مملّ، تطرح علينا هذه الشاعرة الليبية ذاتها المشروخة من قلبها الشخصيّ إلى عقلها الجماعي، نعم ثمّة مشكلة كبيرة في دواخل هذه المرأة المستهدفة من قِبل قدرها الذي اختطف سيّد روحها في لمحة بصر ثمّ ما يزال يلهو ببلادها ويبعثرها في الأنحاء، اليوم اخترت أن أفتح هذه الصفحة على أمّ الخير الباروني، هذه المبدعة التي تربطني بها متون كثيرة وأوّلها الشعر، وآخرها محنة الوطن، وكعادتها لا تمهّد لصوتها الشعريّ بل أتركه نازفا يكتب الألم والخيبة والدهشة التي لا حدّ لها:

“أأتعبك السؤال..؟
أم أعيتك أعوامك..؟
تدبّ..
أما لذاك الرحيل من مستقرّ؟
أصحا الغفو فيك..؟
أم دهستك أحلامك..؟
تعاتبك الآلام ..تشكوك المُقل..”




كُتبتْ جلّ قصائد هذه المجموعة قبل ما يسمّى الثورة في ليبيا، أيّ أنّنا نقف في حضرة شاعرة مقلّة لكي لا نقول تكتب عن يأس أو نتاج ملل أو كلل، أيّ إنّ أمّ الخير الباروني لا تلهث خلف الكلمات ولا تعمد إلى ترصيف الجمل لكي يقال أنّها شاعرة، فالمسألة أكثر تعقيدا من ذلك، تكتب لكي تبقى، كأنّ القلم والورقة والأمسيات حبل إنقاذ تتمسّك به وتصدح بالأوجاع لفترة وجيزة ثمّ تعود إلى الصمت المطبق، ريثما يُمَدُ إليها طوق نجاة مرة أخرى، خلاصة القول: قارئ مجموعة “كحل اليمامة” يتحسّس جرحا إنسانيا ينزف شعرا وصورا ومعانٍ شاهقة:

من قصيدة بعنوان “ألقِهِ في اليّمِ” وهي تتطرّق إلى ضحايا الهجرة غير الشرعية عبر البحر وفي زوارق الموت…

“قتلتْك وتزعم
أنّ نداء راودها بخفوتْ
(ألقِه في اليّم)
وتدري
أنّك لست بموسى
لتنجو في التابوتْ
ولستَ بيونس كي يلقمك الحوتْ
……….
لكنّ الثكلى
ترمي حشاها
لدود الأرض
وتنادي الغوثْ”







ثمّة قصيدة مؤرخة بين سنتي 2010 و2020، وهي فترة طويلة لكتابة قصيدة، على الأرجح بدأتها الشاعرة سنة 2010 ثمّ تركتها إلى أن عادت إليها سنة 2020، وما شدّني فيها الإشارة إلى نصب الغزالة الموجود في قلب طرابلس.. الذي تعرّض للتخريب من قِبل دعاة الغبار، وها إنّ الشاعرة تلتقط الحادثة وتخلّدها للأجيال القادمة عسى أن يتّخذوها عبرة وأن يتّعظوا ويحموا وطنهم من أتباع الظلام..

“أحمر لون الدم
أبيض لون السحاب
ورفيع حادّ كنصل النهاية
صار رغيف الخبز
باهت هو الأصيل
كجيد طرابلس ـ بلا غزالة
كسمائها الكسيرة
كان بصيص القمر”





وآخر القول: ستر الله ليبيا وقادها إلى مخرج آمن من هذا النفق المظلم الذي تدحرجت فيه، أقول هذا بعد أن قرأت قصيدة (أحجية الموت) المؤرخة في 2014، وتعاطفت مع الذات الشاعرة التي عاشت تلك الأحداث الدامية، على كلّ حاولت خلال هذه الإطلالة السريعة على المجموعة أن أعرّف بالشاعرة أمّ الخير الباروني التي تعدّ من النخبة الشعرية في ليبيا والمغرب العربي، راجيا أن أقرأ لها قصائد ملؤها حبّ الحياة ..فيكفي الأوطان ما قاسته من محن:

“كم شرفة في الحي؟
لازمها البكاء؟
كم نافذة باتتْ
ملاذا للصباحات الكئيبة؟
سقطت شوارعنا فخاخا
للدماء
غابت مصابيح الحكايا
وضاع الفرقاء”





ملاحظة: نُشر الكتاب إلكترونيا عن طريق “محرّرون ـ للنشر الإلكتروني” يوم 8 يناير 2021 وبعد سُحب الكتاب، المهمّ هذه لفتة لشاعرة مهمّة في الساحة الليبية والعربية الشعرية والله الموفّق…

Your Page Title