أثير- مكتب أثير في دمشق
إعداد: ليزا ديوب
هل شاهدتم أو سمعتم من قبل “بمسافة الصفر”؛ تلك المسافةُ التي نسفت محاولاتٍ مستميتة منذ عشراتِ السنين لمحو تاريخٍ جذوره راسخةٌ في الأرض، وأغصانه طاولت عنان السماء.
مسافةُ عرّت كيانا حاول بشتّى الوسائل والأساليب كالأسرلة والتهويد وهي مصطلحات مختلفةٌ لكلمةٍ واحدةٍ .. السرقة.
سرقوا عشرات آلاف الكتب من المكتبات الفلسطينية بعد احتلالها عام (1948)، وجلبوا كلَّ الكنوز الثقافية التي جمعها اليهود حول العالم، ونسبوها لأنفسهم لترقية مكانتهم ومكتبتهم العلمية والبحثية.
سرقوا التراث الفلسطيني، كالثوب الفلسطيني الذي ألبسوه لمضيفاتِ طيرانهم وعدّوه زيّا رسميّاً لهم، بل تجاوزوا ذلك ليسرقوا أيَّ تراثٍ في العالم يتوافق مع رؤيتهم الاستيطانية؛ فكل مستوطن جاء من دولة أتى بحكاياتها إلى الكيان الغاصب الذي نسبها لنفسه.
سرقوا المأكولات الفلسطينية بأغلب أصنافها وأولها الخبز وادعوا أنه فكرتهم، حتّى أغاني أمّ كلثوم وفيروز والأفلام السينيمائيّة لم تسلم من هوسهم.
غيروا أسماء الشوارع والمناطق أعطوها أسماءً عبريّةً، حاولوا الاستيلاء على كلٍّ المقدسات في فلسطين.
وصلوا لمحركات البحث الرقمي لتثبيت خريطتهم، وضعوا آثارًا ثم زعموا أنها لأجدادهم، حاولوا كلَّ شيء حرفيا للاستيلاء على الماضي، وزرع هويّةٍ لهم على أرض فلسطين.
هي طبيعةُ كلِّ محتلٍّ تجعله ينزعج من فكرة عدم انتمائهِ لتلك الأرض التي يحتلها، يبحث بكلِّ الطرق على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة لإثبات أن له وجودًا قديمًا فيها؛ ليختلقَ تاريخًا مزيفًا، ويتلون بلون الأرض التي احتلها منذ عقود طويلة، فيدمر ويقتل ويبيد شعبها كما يفعل اليوم في غزة.
يفني شعبًا بأكمله ليثبت نظريته أنهم (شعب بلا أرضٍ لأرضٍ بلا شعب)، ثم يأتيه مقاتل يحفظ كلَّ شبرٍ بأرضه وأرض أجداده التي عُجن ترابها بعرقهم ودمهم ولحمهم، ليخرجَ من قلب الأرض، وعلى مسافة الصفر وأقل بقليل يشتبك مع العدو ويترك له تذكارًا أن كل شيءٍ يقاتل معه؛ الشّجرُ والحجرُ والأرضُ تقاتل مع أصحابها بدءًا من مسافة الصفر.