السيد نوح البوسعيدي يكتب: عُمان والهند؛ 5000 سنة من التواصل

صندوق استثماري جديد بين سلطنة عمان والهند
صندوق استثماري جديد بين سلطنة عمان والهند صندوق استثماري جديد بين سلطنة عمان والهند

مسقط-أثير
إعداد: السيد نوح بن محمد بن أحمد البوسعيدي، رئيس الجمعية التاريخية العمانية


ألقى سعادة سري سانجيف سانيال ، عضو المجلس الاستشاري الاقتصادي لرئيس الوزراء الهندي بتاريخ ٤ / ٢ / ٢٠٢٤م محاضرة قيمّة بالعنوان أعلاه، وهي أتت في إطار الجهود التي يبذلها سعادة أميت نارانج السفير الهندي في مسقط لإبراز التاريخ المشترك بين سلطنة عمان والهند والسعي إلى تعزير العلاقات.

استعرض المحاضر محاور مهمة في العلاقات التاريخية منذ الألفية الخامسة وحتى بدء مقدم البرتغاليين في القرن الخامس عشر الميلادي مستشهدا بشواهد أثرية ومصادر تاريخية تدل على التعاون التجاري النشط بين الهند وعمان، حيث كانت عمان هي المعبر الرئيسي للصادرات الهندية في العصور القديمة وحتى القرن الخامس عشر الميلادي لجزيرة العرب وبلاد ما بين النهرين. كما كانت عمان المصدر الأساسي للنحاس الذي تستورده الهند.

دعا المحاضر إلى الاستمرار في توثيق العلاقات التاريخية بما في ذلك الجهود المشتركة بين الهنود والعمانيين في طرد البرتغاليين الذي حسب قوله من المفيد أن يعمل لها فيلم سينمائي من بوليود، و وأضاف أنه يسعى إلى توثيق حركة التواصل البحري بين البلدين من خلال مشروع رمزي يشبه مشروع جوهرة مسقط وهي السفينة التقليدية التي أبحرت لسنغافورة عام ٢٠١٠م تخليدا للدور البحري العماني.

والمذكور هو أحد أهم المنظّرين لنهضة الهند الحالية وقد أسهم في توفير الوقود الفكري لها من خلال كتابه الشهير The Indian Renaissance: India’s Rise After a Thousand Year of Decline. حيث حقق الكتاب انتشارا واسعا وما يزال يحظى بإقبال كبير.

يُذكر أن أول اتفاقية حديثة بين عمان والهند كانت في عام ١٦٤٦م في عصر الإمام ناصر بن مرشد اليعربي وقد أبرمت مع شركة الهند الشرقية. وفي العامين ١٦٦١م و ١٦٧٤ م خاض الإمام سلطان بن سيف اليعربي معارك ضارية ضد البرتغاليين على الساحل الهندي. وفي عام ١٧٧٦م وقّع حاكم منجلور اتفاقية مع الإمام أحمد بن سعيد لطرد القراصنة، وبعدئذ توالت اتفاقيات عديدة ليس المقصود سردها هنا. ولمعرفة المزيد عن العلاقات الهندية العمانية فإن كتاب الدكتور إسماعيل بن أحمد بن هارون الزدجالي بعنوان “تجارة الهنود البانيان في عمان” يعّد مرجعا غنيّا في توثيق هذه العلاقات وتبيان أهميتها.

لكن ما هو المهم لنا من الناحية الإستراتيجية وكيف يمكننا توظيف هذه العلاقات التاريخية بين عمان والهند لتستمر على نهج سليم وتعود بالنفع الحقيقي لنا؟ ومن وجهة نظري أرى أن العناصر التالية قد تكون جديرة بالنظر إليها للبناء على النتائج الطيبة التي أثمرتها زيارة مولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- للهند في ١٥ ديسمبر ٢٠٢٣م.

الهند دولة تبحث عن دور عالمي ومهيأة لأن تصبح قوة عظمى، ومن المهم لنا كعرب ومسلمين أن نسعى إلى التفاعل والتكامل مع هذا الدور حتى لا يأخذ منحىً منافسا ومعاديا لا قدّر الله، وتفويت الفرصة لمن يسعى إلى تسميم المجتمع الهندي بسموم الطائفية والتشرذم والعنف وجّر الهند إلى صراع حضاري موهوم، وعلى الهند أن تنتبه بألا تُجر لحروب لا تعنيها و صراعات لا صلة بها.

ويمكن لسلطنة عمان وهي شمس الدبلوماسية الدافئة في المنطقة أن تعيد إحياء رابطة البلدان المطلة على المحيط الهندي Indian Ocean Rim Association التي تأسست في عام ١٩٩٧م وكان للسلطنة دور مشهود في تأسيسها، فإحياء هذه الرابطة وإقناع الهند للقيام بدور فاعل فيها مع توسيع دورها من شأنه تأسيس قوة عالمية ثالثة ستساعد في إيجاد توازنات والإسهام في أمن المحيط الهندي، وقد تصبح رديفًا مساعدًا لبريكس التي يتنامي دورها.

الهند تشهد حاليًا حركة علمية وتنموية هائلة و لا يمكن أن نغفل أن الكفاءات التقنية الهندية هي العصب لوادي السيلكون في كاليفورنيا والدول الغربية وهم القاعدة الأساسية للتجارة الاستهلاكية بمنطقتنا وبالتالي ما يهمنا في عُمان أكثر من التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي هو إقامة منصات مشتركة للشباب العماني للتأهيل والتشغيل وتأسيس مشاريع إنتاجية والدفع بالكادر العماني في كل المشاريع بين البلدين وألا يقتصر هذا الموضوع على محاصصات في التوظيف ونسب تعمين بل تحقيق انخراط حقيقي للشباب العماني في عمليات الإنتاج بل وتمويل منحهم أسهمًا في الشركات المشتركة.

وأخيرًا فإن واقع الجغرافيا السياسية واضح جدًا؛ فإن كانت الهند هي بوابة الشرق فإن سلطنة عمان هي بوابة الهند.

Your Page Title