تاريخ عمان

العلاقات العمانية العثمانية في عهد الإمام أحمد بن سعيد (1744 – 1783م)

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

أثير – تاريخ 

  

تمكن الإمام أحمد بن سعيد من المحافظة على استقلال البلاد ونجح في توقيع عدة اتفاقيات صداقة وتعاون مع القوى الموجودة في المنطقة مثل القوى العثمانية وبريطانيا وفرنسا وغيرها. ويمكن أن نطلق على هذه المرحلة (مرحلة الوفاق والتعاون والمصالح المشتركة) وهي مرحلة الذروة في تلاقي المصالح العمانية العثمانية لتعرض البلدين لأخطار مشتركة يمكن متابعتها على النحو التالي :

– علاقة فارس العدائية مع كل من عمان والدولة العثمانية: بالنسبة لعمان تركت الخسائر الفادحة التي مني بها الفرس جراء المقاومة العمانية لاحتلالهم، بعد أن استنجد بهم الإمام سيف بن سلطان الثاني اليعربي، مزيدا من الغضب لديهم بعد أن بلغت خسائرهم 2000 رجل منهم، وازداد الوضع سوءا مع وصول الإمام أحمد بن سعيد إلى حكم عمان عام 1744م وتدهور العلاقة بين الطرفين أكثر بسبب تعرض عمان لأطماع حاكم فارس القوي نادر شاه، الذي شن حملة عليها كانت تودي باستقلالها، وفي هذه الظروف سارعت الدولة العثمانية وعن طريق واليها في بغداد لتقديم الدعم للإمام أحمد منطلقة من حرصها على بقاء عمان قوية. لكن الأمور تغيرت مع وصول كريم خان إلى الحكم في فارس والصعوبات والصراعات التي رافقت توليه الحكم والضعف الذي أصاب أسطوله البحري، بينما كانت عمان قد ازدادت قوتها بعد توحدها وبناء قوتها العسكرية وأسطولها، فوجدت الفرصة سانحة للتخلص من أخر مظاهر الضعف أمام فارس، فأعلنت رفضها دفع الجزية التي كانت مفروضة للحاكم السابق نادر شاه.

لقد كان الامام مدركا أن الفيصل للسيادة على الخليج هي القوة البحرية، وبما أن الضعف أصاب الأسطول الفارسي، وتراجع الوجود البحري للعثمانيين المسيطرين على بغداد والبصرة، أصبحت الفرصة مناسبة لحماية بلاده وتجارته التي توسعت في الخليج العربي بشكل كبير، فقام بتعزيز قدراته البحرية وزيادة أعداد سفنه التجارية والحربية وأضاف إلى ذلك تنمية قدراته مع الدولة العثمانية كذلك مع القبائل العربية المستقرة مثل قبائل المعين وقبائل بني كعب، وضعفت القبضة الفارسية في المنطقة، كما أدى نمو الموانئ العمانية وميناء البصرة إلى ضعف الموانئ الفارسية واضعافها اقتصاديا.

أما الدولة العثمانية فقد كانت تمر بظروف صعبة للغاية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر بسبب تجدد حروبها مع روسيا وخاصة في الفترة من 1768 -1774م والتي انتهت بضربة موجعة للدولة العثمانية تمثلت في معاهدة كوجك كينارجه التي أفقدتها نفوذها على البحر الأسود والمضائق وسمحت بالتدخل الروسي في شؤونها، إلى جانب ارهاقها بظهور عدد من الحركات الاستقلالية في بلاد الشام، وهذه الظروف كلها جعلت الدولة العثمانية بحاجة إلى أصدقاء يقدمون لها العون للحفاظ على مصالحها في الخليج العربي واستمرار تجارتها، إضافة للدفاع على البصرة في مواجهة الأطماع الفارسية التي تنظر بعين الغيرة إلى نمو البصرة الاقتصادي، وكانت قوة الإمام أحمد بن سعيد الصاعدة وعلاقاته المتميزة مع كثير من القبائل العربية على ضفتي الخليج العربي الحليف الاستراتيجي والقوة التي احتاجتها الدولة العثمانية بعد فقدانها لسفنها هناك، حيث تراجعت قوتها البحرية واقتصرت على عدد من السفن الصغيرة المحلية كان يقودها بحارة من البصرة في حين أن السفن العمانية باتت الأكثر أمنا للمسافرين في الخليج وهذا ما أكده الرحالة الدنماركي كرستين نيبور في تقاريره عام 1765م بأمان السفر في مياه الخليج العربي وأشار إلى ارتياد احدى سفن الأسطول البن العماني المغادرة من ميناء مسقط والمتجهة إلى البصرة ويؤكد  أن تلك السفن التي كانت تخرج من مسقط بالبن اليمني إلى البصرة تميزت بقدرتها على حماية حمولتها لما لها من أهمية كبيرة. ولذلك كان وجود قوة مثل هذه موالية للدولة العثمانية في الخليج العربي يزيح منها بعض الأعباء ويكفل لها استمرار ازدهار تجارة البصرة، وتدفق البضائع منها وهذا ما دفعها للوقوف إلى جانب العمانيين في كثير من الحالات التي كانت تتعرض فيها سفنهم الذاهبة للبصرة لهجمات بعض القبائل العربية، مثال ذلك ما حدث عام 1765م عندما تعرضت السفن الناقلة للبن العماني لهجوم بعض القبائل عليها فسارعت الدولة العثمانية إلى معاقبة هذه القبائل، وما حدث لاحقا عندما تعرضت السفن الصورية المتجهة للبصرة لهجمات القواسم وبني كعب مما أثار حفيظة الدولة العثمانية لما تسببه هجماتهم من نقص في عائداتها من سفن عمان ومن إخلال في أمن الخليج فقاموا بحرب قبائل بني كعب.

ويمكن القول بشكل عام إن العلاقة العمانية العثمانية اتصفت بالحرص الشديد من قبل العثمانيين للحفاظ على علاقات متميزة مع عمان، قابلها إخلاص وولاء واضحان من قبل حكام عمان بلغ حد إعراب الإمام أحمد بن سعيد عن ولائه وطاعته للسلطان خليفة الرحمن، في إشارة منه إلى انضواء عمان تحت فكرة الخلافة.

 لقد تزايدت المخاوف الفارسية من نمو البحرية العربية في الخليج العربي وخاصة البحرية العمانية في عهد الإمام أحمد بن سعيد لذلك استعدت فارس لتوجه ضربة للدولة العمانية عام 1774م وحاولت الاستعانة بالدولة العثمانية لهذا الغرض، لكن الدولة العثمانية رفضت الاستجابة لها، لأن القضاء على قوة عمان يعني انفراد فارس بالخليج العربي وبالتالي خسارة حليفها الاستراتيجي الذي يحمي امداداتها، وقد دفع هذا الموقف العثماني إلى تعزيز العلاقات بين عمان والدولة العثمانية  وأرسل إشارة إلى كريم خان توضح أن أي خطر يتعرض له أحد الطرفين فإن الطرف الآخر سيقف بجانبه. أدى هذا الموقف إلى تغيير خطة كريم خان فبدلا من أن يضرب عمان أولا، جعل الدولة العثمانية وولاتها في العراق هدفه الأول ومن ثم يصبح القضاء على القوة العمانية سهلا، ولذلك بدأ كريم خان يستعد لمهاجمة البصرة بهدف ضرب القوى العربية الموالية لعمان.

وفي موقف آخر يوضح العلاقات العمانية العثمانية في زمن الإمام أحمد بن سعيد هو طلب والي بغداد واستنجاده بالإمام أحمد لمساعدة والي البصرة في حملة حصار البصرة سنة 1775م وقد استجاب الإمام لهذا الطلب وأرسل حملة بقيادة ابنه هلال وفي تلك الفترة كانت الدولة العثمانية تعاني من حربها مع روسيا، وينبغي الإشارة إلى أن موقف الإمام كان من باب حرصه على أن تبقى علاقته قوية مع العثمانيين.

وعندما أبدى الإمام مخاوفه من عودة الفرس لاجتياح عمان اضطر إلى سحب قواته من البصرة وقد أبدى السلطان العثماني تفهمه لموقف الإمام وأبدى حرصه على استمرار التعاون بين الطرفين، كما قدم السلطان العثماني اعتذارا للإمام أحمد بن سعيد على المعاملة السيئة التي لاقاها ابنه هلال من قبل والي بغداد الجديد مصطفى باشا عام 1775م الذي سعى لإبعاد الأسطول العماني عن البصرة، كما أمر السلطان العثماني بصرف مكافأة سنوية من البصرة للإمام أحمد تقديرا لجهوده ونتيجة للدور الكبير الذي قام به الأسطول العماني في الوقوف مع قوات سليمان آغا متسلم البصرة، وإسهامه في توفير المؤن والرجال ووصولها إلى البصرة مما ساعد على تأخير سقوط البصرة في يد الفرس. ومن الجدير بالذكر أن هناك اختلافا في اسم السلطان العثماني الذي أمر بالمكافأة السنوية للإمام فتذكر بعض المصادر بأنه السلطان مصطفى الثالث إلا أن الفترة التي شهدت حصار البصرة هي فترة حكم السلطان عبدالحميد الأول (1774م – 1789 م ) أما مصطفى الثالث فقد تولى العرش في الفترة ( 1757م – 1774م ).

وقد استمرت المراسلات والعلاقات الودية بين السلطان عبدالحميد الاول والإمام أحمد بن سعيد بعد سقوط البصرة 1776م إلى انسحاب الفرس منها 1779م. فقد كان السلطان العثماني يكاتب الإمام ويخبره بكل ما يحدث في البصرة في تلك الفترة، وعندما أراد السلطان العثماني عقد الصلح مع الفرس حرص السلطان على أن يخبر الإمام بالصلح وهذا يدل على عمق الروابط والصلات بين الدولة العمانية والإمبراطورية العثمانية.

 

 المراجع :

 1- الفارسي، تركية بنت حمد، العلاقات العمانية التركية 1744م – 1856م، رسالة ماجستير، جامعة السلطان قابوس، سلطنة عمان، 2006.

2- هيئة دار الوثائق والمحفوظات الوطنية، العلاقات العمانية العثمانية في الجوانب السياسة والعسكرية والاقتصادية، ط1، سلطنة عمان، 2012 .

Your Page Title