خطاب السلطان سعيد بن تيمور عام 1968م بعد تصدير النفط عن الوضع المالي للسلطنة

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

حينما تم إكتشاف النفط في الأراضي العمانية في أكتوبر من عام 1964م ، أصدر السلطان سعيد بن تيمور في عام 1968م كلمة مطبوعة عن تاريخ الوضع المالي في السلطنة وما يؤمل أن يكون عليه في المستقبل بعد تصدير النفط للخارج فيما يلي نصها :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدالله على ما أنعم وتفضل حمدا كثيرا يوافي نعمه وبكافي مزيده والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد ..
فمنذ أن تحقق وجود النفط في وطننا العزيز عمان في أواخر شهر اكتوبر من سنة 1964م بكميات تجارية ، وابتدأت شركة النفط تمد خط الأنابييب من حقلي فهود وناطح ألقيت علينا أسئلة كثيرة من الأصدقاء ومتمني الخير لبلادنا للوقوف على مدى التفاعل في أفكارنا تجاه هذا الحدث السار الذي يؤمن للبلاد بعون الله موردا ماليا ثابتا لمعرفة نوع المشاريع التي سنبدأ بها ، والطريق الذي سنسلكه في سبيل تنفيذها، فرغبة في اطلاع الجميع نقول :
الآن وقد مضت ستة شهور على ابتداء تصدير النفط من عمان بتوفيق من الله تعالى، وبجهود شركة نفط عمان المحدودة أرى أنه من الواجب علينا جميعا تقديم فروض الشكر لله تعالى على ما أنعم علينا جل شأنه من فيض الخيرات وعميم البركات، ولولا ظهور النفط لما استطعت أن أتحدث إليكم بخصوص ما سنحقق من مشاريع أو ما يجول في أفكارنا من آمال حيث كما تعلمون بأن المال هو عماد الآمال .
ويحسن بنا قبل أن نتحدث عن المشاريع الجديدة أن نقف قليلا ونلتفت إلى الماضي القريب لنعيد إلى الاذهان حقيقة الحالة المالية في السلطنة وما كانت عليه في ذلك الأوان، ولا شك أن كل من له أي إلمام بأحوال البلاد يعلم أن عمان ليس بالبلد الغني وأن الحالة المالية لم تكن تساعدنا على السير قدما بخطوطات أوسع مما كنا نخطو، ولذا خطونا وأذا أردنا أن نقف على حقيقة الحالة المالية في السلطنة في الماضي القريب كما ذكرنا يجمل بنا أن نستعرض الوضع المالي في فترات ثلاث تعاقبت على البلاد في المدة الواقعة قبل سنة 1331هـ الموافق لسنة 1913م إلى يومنا هذا .
فالفترة الأولى نقدرها من قبل عام 1913م إلى سنة 1920م حيث كانت الحكومة في عهد جدنا السلطان فيصل بن تركي وما قبله تنتهج نهجا عاديا بسيطا في تصريف جميع شؤونها وعلاقاتها فلا ميزانية ولا تخطيط ولا تنظيم، فالإرتجال كان الاساس لكل ما يعمل أو يقال وهو الحال الذي كان سائداً في ذلك العهد في معظم البلاد العربية ، وبعد وفاة السلطان فيصل تولى الحكم والدنا المحبوب السلطان تيمور بن فيصل وكان ذلك في سنة 1331هـ 1913م ، وقد ورث عن حكومة سلفه ديونا كثيرة فوجد أمامه حكومة مثقلة بالديون المستحقة التسديد لتجار البلاد وقد استمر الحال على ما كان عليه والديون أخذه في الازدياد حتى عام 1920م حيث رأى أنه ليس من السهل إدارة دفة الحكم ومالية الحكومة على ما هي عليه من العجز والإنحلال عندها قرر المبادرة لتحسين الحالة المالية للحكومة بإدخال الأنظمة الحديثة لإصلاحها لتسير على نهج قويم، وأخيرا اتضح أن حكومته لا تستطيع السير قدما بخطى واسع وراء أي إصلاح منشود قبل أن تتخلص من تلك الديون التي كانت تثقل كاهلها، كما ذكرنا أن هذه الديون كانت لعدد من التجار في البلاد فرأى أنه من الأفضل توحيد مصدر الدين بحيث يستطيع تسديد الديون القديمة مع الإستحصال على زيادة تصلح للمساعدة على القيام بالإصلاحات المرجوة، عندها لم يجد أمامه من يمكن أن يقوم بتلبية طلب هذا غير حكومة الهند الإنجليزية التي وافقت على رغبتها بإقراضه المال اللازم على أن يتم تسديده في خلال عشرة سنوات وفي نفس الوقت قرر الرأي على أن يطلب من الحكومة المصرية انذاك موظفين لتنظيم الجمارك فلبت طلبه بإرسال ثلاثة من الموظفين المختصين في شؤون الجمارك قاموا بعملهم خير قيام ، واستخدام أيضا موظفا انجليزيا (دي. في.مكلم) ليشرف على تنظيم الإدارة المالية وبعد ذلك دب الانتعاش في مالية الحكومة حيث أصبحت مع التنظيم ترتب ميزانيتها سنويا بدون عجز مع استطاعة مواصلة تسديد الأقساط في مواعيدها أما الموظف الإنجليزي الذي استخدم في سنة 1920م كما أسلفا لم يستمر في عمله أكثر من ستة اشهر ، ونظراً لعدم وجود من يخلفه اتجه النظر إلى محمد بن أحمد الغشام الذي كان والياً لمطرح في ذلك الوقت فجرى تعينه وزيراً للسلطان سلمت إليه مقاليد الإدارة المالية وصار مسؤولا عنها ، واستمر الحال حتى أواخر 1924م حيث ظهر العجز في المالية بسبب إهماله المسؤول وسوء تصرف ضابط الخزينة، ونتيجة لذلك تزعزعت مالية الحكومة لدرجة لم تستطع معها مواصلة تسديد أقساط الدين في موعدها.
أما الفترة الثانية فتبدأ من سنة 1925م حيث رأى السلطان تيمور بن فيصل ما وصلت إليه الحالة المالية من السوء والانهيار ، فكر في أن يستخدم موظفاً جديدا ليقوم بتنظيم مالية الحكومة فقرر استخدام مستر ( برترام طومس ) الإنجليزي فععينه وزيرا للمالية بعقد لمدة خمسة سنوات رغبة منه في تحسين الوضع المالي للحكومة ( وطوماس هذا هو أول غربي أقدم على قطع الربع الخالي من ظفار إلى قطر في 54يوما) ، وقد بذل في بادئ الأمر جهدا لا بأس به كان أثره أن ظهرت بوادر التحسن في الشؤون المالية غير أن هذا التحسن مع الاسف لم يدم لأكثر من ثلاثة سنوات فقط ساءت بعدها الحالة المالية ثانية فتوقفت الحكومة عن دفع الأقساط لتسديد الدين، وكان ذلك بسبب سوء إدارة الموظف المشار إليه في المدة الأخيرة حيث توسع في الإنفاق في الشؤون الحكومية دون التقيد في الميزانية المقررة الأمر الذي أدى إلى العجز والاضطراب في مالية الحكومة فختل ميزانية المدفوعات فتراكمت الأقساط مع مواصلة الصرف في الوجوه المختلفة حتى اصبحت المبالغ المطلوبة من الحكومة تشكل دينا جديدا علاوة على المتبقي من الدين السابق ، وفي سنة 1930م شملت العالم ضائقة اقتصادية اثرت على التوازن التجاري في البلاد، فنتج عن ذلك هبوط كبير في إيراد الجمارك ( وهو المصدر الوحيد تقريباً لموازنة الحكومة ) ، وبينما كانت الآمال معقودة على مستر طومس ليصلح ما أفسده غيره، فإذا به يصل إلى الحضيض حتى تركها في أتعس حال وبعد ذلك اتجه نظر السلطان تيمور بن فيصل إلى استخدام احد الخبراء في الشؤون المالية لإصلاح ما فسد ، فقرر الرأي على أن يستخدم ( مستر هجكوك الإنجليزي ) مستشارا للمالية وذلك في سنة 1931م وهذا الرجل كان من كبار موظفي وزارة المالية في حكومة العراق وقتئذ، وقد باشر عمله بكل نشاط ومثابرة إلى أن أنتشل المالية مما وصلت إليه بسبب سوء تصرف مستر برترام طومس، ثم خفظ المرتبات واقتصد في النفقات حتى استطاع أخيرا أن يرتب سجلات المالية وينظم ميزانيتها على أحسن الأساليب ، ولا نذيع سرا إذا قلنا أن ميزانية الحكومة آنذاك لم تكن تزيد عن 700 ألف روبية أو ما يعادل 50 ألف جنيه استرليني فقط وعلى هذا المقدار من المال كانت السلطنة قائمة بجميع أجهزتها ومن هذا عليها أن تسدد ما كان متبقيا من الدين علاوة على ما كانت مكلفة به من أبواب الإنفاق المتنوعة، ومن جملتها ما كان يدفع للطايا والهبات المعتادة لشيوخ القبائل والوفود حيث كانت الحكومة تظهر بمظهر الغني الواسع الثروة ، وأما ما قام به مستر هجكوك من التنظيم لمالية السلطنة فإنه يستحق الإعجاب والتقدير، وغير إنه مع الأسف لم تطل مدته فلم يبقى في عمله أكثر من ثمانية اشهر واستقال بعدها لأسباب خاصة .
وكنا آنذاك رئيسا للوزاراء مع الإشراف على الشؤون المالية للسلطنة ، وبعد مضي مدة وجيزة على إستقالة مستر هجكوك ، تقرر تعين ار.جي.اولبن الإنجليزي مستشارا للمالية، وفي اليوم الثاني من شهر شوال لعام 1350هـ الموافق 11 من شهر فبراير 1932م وبعد تنازل والدنا المحبوب السلطان تيمور بن فيصل لنا لأسباب صحية ، فبعون الله تعالى تولينا الحكم من ذلك التاريخ وأولينا الناحية المالية اهتمام خاصا ، ولكن نظرا للضغط الإقتصادي الذي أثر على ميزان التجارة العالمية في ذلك التاريخ وجدنا أنفسنا في حالة نضطر معها إلى ضغط مختلف أبواب الصرف ، والإقتصاد في النفقات ، وكان أول عمل نفذناه في سبيل الإقتصاد تخفيض مخصصات السلطان حيث أجرينا تخفيضها إلى النصف ما كانت عليه في السابق ، وقد يستغرب القارئ لو علم أن خزينة السلطنة عندما تسلمنا زمام الحكم كانت خالية خاوية تماما، ولا شك أن الكثير من المعاصرين من أهل البلاد يذكرون كيف كان الوضع الماالي في تلك الآونة .
ولكن بفضل الإهتمام الذي بذل ، والعناية الخاصة التي وجهت للناحية المالية ظهرت دلائل التحسن للأعيان ، فما أن وافت سنة 1933م على نهايتها حتى كانت الديون وفيت والمبالغ المستحقة للتجار قد دفعت ، وفي أواخر سنة 1933م ، استقال مستشار المالية وعندها قمنا بالإشراف الكامل شخصيا على مالية السلطنة وتنظيم ميزانيتها سنوياً وقد أستمر التحسن التحسن في إيرادات الجمارك( التي لم يكن للسلطنة من إيراد يذكر غيرها) وبفضل هذا التحسن في الإيراد استطعنا أن نرفع رواتب الموظفين مع توجيه العناية لمختلف مرافق السلطنة وإجراء الإصلاحات الممكنة وقد أستمر الوضع المالي في تحسن مستمر إلى يومنا هذا .
وأما الفترة الثالثة فقد كانت بدايتها منذ سنة 1939م يوم نشبت الحرب العالمية الثانية إلى سنة 1945م حيث توالى ارتفاع أسعار السلع والحاجيات فتحسن دخل السلطنة من الجمارك فأدخلنا زيادات أخرى على رواتب الموظفين وقمنا ببعض الإصلاحات الضرورية في أنحاء السلطنة ، ومنذ سنة 1933 إلى يومنا هذا لم يطرأ على ميزانية الحكومة إي عجز مالي ولله الحمد.
واستطاعت الحكومة أن تحتفظ باحتياطي من المال لا بأس به للطوارئ هذا مع ما كانت ملزمة به من مختلف أبواب الصرف لا سيما ما كان مخصص للدفاع وهو الباب الذي كان يستنزف نصف الميزانية تقريبا وكنا نطلع إلى إدخال مختلف الإصلاحات إلى الكثير من مرافق البلاد التي كانت في حاجة ماسة لذلك غير إننا لم نجد لا في مالية الحكومة ولا في الاحتياطي ما يشجع على القيام باي نوع من المشاريع وفي ذات الوقت لم نشأ أن نرهق مالية السلطنة فنثقلها ثانية بديون جديدة بعد أن سددنا الديون السابقة جميعها ، ولا شك إنه كان يتيسر لنا أن نجد المال من مختلف الجهات وهذا لا يكون إلا بالدين وبفائدة نسبة مئوية معينة ، وهذا هو الربا بعينه فلم نوافق عليه إطلاقا وتحريمه الديني غير مجهول .
أما الآن وقد اتضح لكم ما كان عليه الوضع المالي للسلطنة بما بسطنا لكم من الحقائق التي تؤكد عدم استطاعت الحكومة أنذاك المضي بالإصلاحات التي تتلائم والعصر الحديث ، وإن ما تحتاجه البلاد من الإصلاح كثير ونحن نعلمه غير أن العين كانت بصيرة واليد في ذات الوقت كانت قصيرة ، ولكننا مع هذا كله لم ندخر وسعا للقيام باي عمل يعود على البلاد بالنفع العام كلما وجدنا إلى ذلك سبيلا.
ومنن قبيل المثال نذكر أننا بادرنا عندما سنحت الفرصة في سنة 1940 في أإان الحرب فأقمنا بناء المدرسة السعيدية بمسقط وقد كان أول بناء حكومي أنشأناه بعد أن اجتزنا تلك الظروف القاسية التي مرت بنا وكذلك قمنا بعد هذا بعدد من الاصلاحات لمراكز الحكومة والحصون في مختلف الولايات.
وفي سنة 1958 عرضت علينا الصديقة الحكومة البريطانية مساعدات مالية لتصرف في سبيل تقوية جيش السلطنة وإدخال التحسينات على التعليم وإقامة المستوصفات الصحية في مختلف ولايات الساحل والداخل وإنشاء الحقول النموذجية االتجريبة لتحسين حالة الزراعة في البلاد ولرفع مستواها ، ولشق طرق المواصلات وما إلى ذلك من الإصلاحات الإخرى ، فقبلنا منها هذه المساعدة شاكرين لها هذا العون وقد كانت هذه المساعدات موقوته بحيث تستمر حتى يتحسن الوضع المالي في السلطنة وقد استمرت هذه المساعدات حتى أواخر مارس من السنة الماضية أي قبل الشروع في تصدير النفط من البلاد إلى الخارج بأربعة أشهر وكان ذلك في أواخر جولاي 1967 حيث اعتمدنا في هذه المدة على ما لدينا من احتياطي في مالية السلكنة ولولا الإقتصاد في النفقات وما كان لدينا من الاحتياطي لما استطعنا أن نتحمل عبء ما أنفقنا في خلال هذه الأشهر وعلى الأخص ما صرف من المخصصات الباهضة لجيش السلطنة بالنسبة لوضعنا المالي قبل أن تتحصل الحكومة على حصتها من إيراد النفط .
والآن والنفط يجري في أنابيبه إلى خزانات ميناء الفحل في سيح المالح ( الذي يحق أن يسمى سيح الحلو) من حقلي ( فهود وناطح ) وما سيتبع ذلك من حقل آخر في منطقة ( جبال) قرب فهود حيث سيندفع إنتاجه متدفقا عبر الأنابيب بإذن الله لينظم إلى ناتج الحقلين السابقين لتزويد الخزانات العامة في سيح الحلو حيث يواصل النفط تدفقه مندفعاً إلى الناقلات الراسية في ميناء الفحل استعدادا لشحنه مصدرا إلى الخارج وبذلك تصبح بلادنا العزيزة في عداد الأقطار المصدرة للنفط ولله الحمد .
ويكون بعد ذلك في إستطاعتنا أن نجعل في ميزانيتنا باب خاصا ( لإيرادات النفط ) نعم الآن فقط نستطيع أن نقدر ، ونفكر ، ونخطط لتنفيذ مختلف الماشريع التي تحتاج إليها البلاد حيث نعلم أن الإيراد من النفط سيكون متصلا بعون الله ، والأمل ما زال قائما بأن هذه الإيرادات ستستمر في تصاعد نسبي سنوياً .
وبعد كل ما تقدم نرى أن نأتي على ذكر العلاقة القائمة فيما بين السلطنة وشركة النفط حيث أن اول اتفاقية عقدت فيما بينهما لاكانت في منتصف سنة 1937م، وقد كانت الشركة تدفع مبلغ من المال كإيجار لقاء ما كانت تقوم به من التحري للكشف على النفط في أراضي السلطنة وقد ساعد هذا على تقوية الميزانية نوعاً ما .
وفي سنة 1964م عندما اكتشف وجود النفط في أراضي السلطنة بكميات تجارية اةقترحت الشركة الحالية تعديل الإتفاقية المعقودة من قبل فيما بين السلطنة وشركة النفط السابقة حتى تصبح الاتفاقية الجديدة مشابهة لمثيلتها من الاتفاقيات المعقودة بين شركات النفط المختلفة والحكومات المصدرة للنفط في بلاد الشرق الأوسط ، فوافقت السلطنة على ذلك وطلبت من الشركة أن تبدأ بعرض ما لديها من الإقتراحات في موضوع التعديل على الحكومة لتقوم بدراستها .
وفي 7 مارس 1967م بعد الإنتهاء من البحث والمخاطبات فيما بين السلطنة والشركة تم الاتفاق على أن تكون حصة الحكومة من صافي إيرادات النفط 50% وبعده جرى اتفاق آخر أشترط فيه أن يخصص للسلطنة 50،12% من مجموع صادرات النفط وذلك وفقاً لما أقرته منظمة ( أوبك) المكونة من بعض دول الشرق الأوسط المصدرة للنفط والإتفاقية تحتوي على الكثير من المواد الأخرى والنفع العميم على البلاد .
وقد تم هذا كله في الزوقت الذي كان فيه مستر اف.هيوز مديرا عاما وممثلا للشركة لدى الحكومة وقد عين من قبل الشركة للبحث في نقاط تعديل الاتفاقية التي أبرمت بين الطرفين وقد وجدنا من جانبه تفهما تاما للوضع ، وقد تم الاتفاق على الشروط بكل سهولى ويسر بفضل الهمة التي بذلها لتعود الاتفاقية بالنفع والخير على الجانبين المتعاقدين .
ونأمل أن تكون سنة 1968م بعون الله تعالى فاتحة عهد جديد للبلاد حيث تبدأ ببدايتها بعض المشاريع التي سيتولى تنفيذها والإشراف عليها فنيون وخبراء من ذوي الإختصاص فنبدأ أولا بإقامة المكاتب الحكومية بمختلف الدوائر ثم المساكن للموظفين القادمين من الخارج ثم تتولى المشاريع المختلفة تدريجيا كالمستشفيات والمدارس وطرق المواصلات وغيرها من المنشئات والمشاريع التي تستدعيها حالة البلاد مع الغهتمام بتنمية الثروات السمكية والحيوانية والزراعية ، وما إلى ذلك من متطلبات البلاد بحيث تعم المنشآت الحديثة جميع بلاد السلطنة حسبما تتطلبه حاجة كل منطقة ، وهكذا ما دام فيض النفط يتدفق غزيرا فنحن بعون الله سنواكبه في جريانه بحيث يكون نشاط الحكومة في إقامة المشاريع التي تعود على البلاد بالخير العميم متواصلا ومعادلا لقوة جريان النفط في تدفقه ، وبالطبع فإن المشاريع تحتاج إلى جهود جبارة ليكون حليفها العمل الشاق والكفاح المضني .
ولا شك أن ما نشاهده من تقدم وعمران في البلدان الأخرى لم يكن صنع يومه بل نتيجة جهود بذلت في سنين طوال ، ومشاريع الإصلاح تحتاج إلى وقت لكي تظهر نتائجها والأمر الذي لا مفر منه ونراه في منتهى الوضوح ، هو وجود الفترة الكائنة بين استلام الإيرادات من النفط والوقت الذي فيه منفعة السكان .













ونحن بعون الله ساعون لتحسين أحوال البلاد بصفة عامة ومن جميع النواحي ، وسيكون من بعض ما نفتتح به أعمالنا هو مشروع مساعدة موظفي الحكومة لتحسين رواتبهم التي يرى أنها قد تكون في حالة إلى زيادة وإيجاد كادر لضبط نظام ترقيتهم ، سندعم الجهاز الحكومي بتزويده من الخبراء والفنيين مع مراعاة ما تقتضيه الحال من إدخال التعديلات على الجهاز الحكومي الحالي .
وهناك مشاريع مستعجلة ملحة نرى لزاما علينا أن نبادر بإتخاذ الإجراءات للبدأ بها بحيث تكون لها الأولوية وهي :
1 – الماء – إن العمل يجري بكل نشاط في هذا المشروع سيتم التعاقد لإنجازه بحيث نأمل أن يمتد خط أنابيب الماء لمسقط ومطرح في غضون 21 شهرا من تاريخ التعاقد ليكون الماء العذب في متناول الجميع إن شاء الله .
2 – الكهرباء – لقد تمت جميع الإجراءات الأولية بشأنها والعمل يجري الآن بهمة والأمل أن تبدأ الشركة التي أسند إليها المشروع لتوزيع القوى الكهربية في مسقط ومطرح على المستهلكين للإستعمال في الصيف القادم .
3 – ميناء مطرح – ونظرا لما تتمتع به مطرح من موقع طبيعي ممتاز ووضع تجاري سليم ، واتصال وثيق في مختلف بلدان السلطنة حيث تعتبر مطرح العاصمة التجارية للبلاد ، فلذا رأينا أن نشرع مبادرين لإنشاء ما يساعد على تسهيل أعمال الميناء في المستقبل القريب بحيث تنتقل إليه الجمارك العامة ، فترسو فيها البواخر والمراكب الشراعية، والسفن الآلية للشحن والتفريغ ، مع الإهتمام لإيجاد مستودعات كافية لخزن وحفظ البضائع الوارة والصادرة .
4 – النقد السعيدي – ومن جملة المشاريع التي ستعطى الأولوية أيضا مشروع ( النقد السعيدي ) الذي سيوجه له الإهتمام الخاص ، فمشروع إيجاد عملة موحدة للبلاد هو من أهم المشاريع، والنقد السعيدي سيكون اساسا ( الريال السعيدي ) ، وأما كسوره فهي نصف ريال ، ربع ريال ، والبيسات التي سيصكط منها ما يفي بحاجة السكان للإستعمال بمختلف الفئات وهي :
25 ، 20 ، 10 و5 ثم بيسة واحدة ، ستعلن البيانات اللازمة بشأنها في الوقت المناسب إن شاء الله .
وعندما نتحدث عن المشاريع يجب أن لا ننسى المنطقة التي ظهر فيها النفط وقبيلة الدروع التي تقطنها حيث يجب أن ينالوا عناية خاصة لتأمين ما يحتاجون إليه من المشاريع التي تلائمهم .
وأما المشاريع الأخرى فستبقى متتابعة متتالية ، مقدمين الأهم على المهم مستمدين العون من الله تعالى ، ويجب أن لا ننسى بأن مساحة السلطنة تزيد عن 100 ألف ميل مربع ، وأن طول سواحلها لا يقل عن 1000 ميل وأما السكان فإنهم يزيدون عن نصف مليون بحسب أقرب التقديرات.
وسنعين هيئة لتقوم بتنفيذ ما سنقرره من المشاريع وستعرف هذه الهيئة باسم – مجلس الإعمار – حيث يتولى هذا المجلس ترتيب الميزانية اللازمة لكل مشروع والإتصال بالخبراء والفنيين وغيرهم ممن يكون هناك ضرورة للتشاور معهم بخصوص اي مشروع يراد تنفيذه .
وسنعين أين مجلس خاصا يتولى الإهتمام بمشروعي الماء والكهرباء بحيث يشرف على سير العمل في المشروعين ليكون قائما ومتماشيا مع ما أقرته الحكومة من الأنظمة لتأمين حاجة السكان .
ونحن الآن نمر بمرحلة الإستعداد والإعداد لتنظيم المشاريع التي تحتل الاولوية من حيث النفع العام ونطلع إلى مستقبل زاهر مشرق نضمن معه مستوى المعيشة بين سكان السلطنة ، وزيادة دخل الفرد ، حتى نرتقي بالبلاد لتواكب ركب الحضارة المعاصرة ونتقدم حتى نؤمن للسكان كل نافع ومفيد ، ونتطور تطورا يصل بنا إلى ما هو أحسن وأفضل ، بحيث يتفق ذلك مع ما لأمتنا من ماضي تليد وتاريخ عريق مجيد ، ونحن مهما تقدمنا وارتقينا فلا بد أن نجعل نصب أعيننا ديننا الحنيف الذي عليه اعتمادنا وتقاليدنا التي هي تراثنا ، فهناك محرمات وهذه محرمة للأبد ، وهناك عادات وهذه قابلة للتصرف فيها دون المساس بتقاليد البلاد الأساسية التي تعتمد من أمجاد السلف الصالح حيث نعتز بها ، وتحفظ علينا كياننا ، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ) ، نسأله تعالى جل شأنه أن يلهمنا الصواب ويكلل مساعينا بالنجاح، وأن يكتب لنا التوفيق فيما نحاول ، وأن يتيح لنا الفوز فيما نريد ، ونضرع إليه جلت قدرته أن يوفقنا لما فيه خير أمتنا العمانية وبلادنا .







Your Page Title