تاريخ عمان

السيد العُماني الذي ناسب شاه إيران

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

 

أثير- تاريخ عمان

 

في حوالي منتصف القرن التاسع عشر، أدى الازدهار العظيم لزنجبار إلى تدفق كبير على هذه الجزيرة الاستوائية من جانب البحار، والموظفين والممثلين البارزين القادمين من آسيا، وأوروبا، وأمريكا، وكل هذا بفضل السيد سعيد الذي كان يملك عقلا منفتحا على التأثيرات النابعة من ثقافات مختلفة كثيرا عن ثقافته، فهو كان يعرف الامكانيات المتوافرة في زنجبار من أجل الازدهار الزراعي، والتجاري، وهو الذي أنشأ شبكة واسعة من العلاقات الدولية عبر الاتفاقيات، والمعاهدات التي وقّعها مع القوى الغربية العظمى في تلك الفترة، وكان يتحلى ببعد النظر، وبعادات نفسية حاسمة من أجل قائد سياسي، ومن ذلك القدرة على ترك الأحداث تفعل فعلها دون أن تجرفه معها.

 

ويروى أنه كان لديه ثلاث زوجات ،وعدد غير محدود من الجاريات، وما لا يقل عن مائة وعشرين ابنا وابنة ، وكانت زوجاته على النحو التالي : عزه بنت سيف بن الإمام أحمد، أم خليل وتعيش في قصر المتوني بزنجبار، وحفيدة شاه فارس، فاتح علي شاه، وهي تزوجت عام 1827م بشرط أن تظل قادرة على قضاء فترات طويلة في بلاد والداها بطهران، ولم تعد من هناك بعد عام 1832م، والزوجة الثالثة هي شهرزاد بن عريش ميرزا بن محمد، ابنة حفيد شاه محمد، شاه ايران، تزوّجها السيد سعيد في 1837م، وهي وصلت إلى زنجبار بمهر كبير وبرفقة مائة وخمسين رجلا، والكثير من الخيول، وطلبت شهرزاد بناء حمامات فارسية في كديشي وكزمباني، كان السيد سعيد من كبار (سادة) المحيط الهندي، وكان يملك أسطولا مؤلّفا من الباخرة الكبيرة ليفربول التي تم بناؤها في بومباي عام 1826م مع طاقم مؤلف من مائة وخمسين رجلا ، وأربعة وسبعين مدفعا. وفي عام 1833م وفي محاولة من أجل تليين الموقف البريطاني المتصلّب بشأن تجارة العبيد، أرسل الباخرة هدية إلى الملك غيوم الرابع الذي استبدل اسمها ليفربول بإسم ( إمام ) على شرف السلطان.

 

في 20 يونيو  1842 كتب جيمس سيلك بوكينغهام، الصحافي العامل في خدمة شركة الهند الشرقية، مذكرة إلى السيد سعيد – سلطان مسقط وزنجبار- ومن الصورة التي رسمها بوكينغهام يظهر وصف جديد لشخصية ودور السيد سعيد، إنها صورة مؤثرة لم يسبق أن نشرت، وهي تختلف في جوانب كثيرة ،عما سبقها ، من روايات أدلى بها موظفون ومستكشفون التقوا بهذا السلطان، الذي برز بشكل لا يمكن نسيانه بحداثته، في فترة كانت التقاليد تخيّم على كل شيء، وتمنع القيام بأي نشاط ثوري من قبيل المبادرات العديدة التي قام بها السيد سعيد أثناء مسيرته الحياتية الطويلة ، ولكن الخصبة ، والغنية.

 

كان بوكينغهام قد التقى الإمام مرات عديدة في الفترة من 1817م و 1818م حيث كان ما يزال شابا محاطا بالكثير من المحاربين الأعداء في الجزيرة العربية، مع هذا لاحظ الصحافي فورا الطابع الاستثنائي لهذا السيد الشاب،  وقدرته على معرفة خفايا نفوس محدثيه ، واللجوء عبر أسلوبه الودي إلى استغلال كل ذلك لصالحه.

 

 إن سياسته المنفتحة ، وخصوصا في المسائل التجارية، لقيت استحسانا كبيرا من جانب الانجليز، وكما يروي بوكينغهام، فإن السيد سعيد كان يملك، فضلا عن أملاكه في مدينة مسقط، وعلى طول الشريط الساحلي العماني والساحل الآسيوي، وعن طريقها كان يقوم بأعماله التجارية الكثيفة فينقل الأقمشة الهندية ، والتمر العربي،  ويعود من أفريقيا بالعاج والصمغ.

 

أما الاحترام الذي كان يبديه الإمام لبريطانيا العظمى، فإنه كان على حد ما يلاحظ بوكينغهام قد تجلى في مناسبات عديدة ، وذلك من خلال الهدايا الفاخرة التي كان يرسلها إلى الممثلين السياسيين الانجليز، وكذلك من خلل سماحه لسفن البحرية الملكية وبحرية بومباي بالقيام بمهمة السهر على تطبيق الاتفاقيات المتعقلة بإلغاء تجارة العبيد في المحيط الهندي الغربي.

 

ويضيف بوكينغهام الذي فتنته شخصية سعيد وهالته الكاريزمية،  أنه لم تكن هناك ضرورة لتأكيد إقامة علاقات ودية مع أحد السلاطين الرئيسيين في الشرق بوصفه حليفا للإنجليز في المدار الاستراتيجي الشرقي ،إذ كان الأمن الإنجليزي معرضا للخطر من كل جانب، وكان السيد سعيد يملك شخصية آسرة، متينة الجانب وذات ملامح جذابة، وهو في الوقت نفسه لم يكن مغترا بسلطته ،ومكانته كسيد، لم يكن يعمد قط إلى توديع أتباعه، أو الممثلين الغربيين من دون وداع شخصي وتشجيع حميمي، ولم يكن أحد من التابعين لبحرية شركة الهند الشرقية قد شكا من قلة الأكل إذا ما حل ضيفا في بلاطه ( كان يرسل إليهم مقدارا كبيرا من المأكولات والأخشاب والمؤن دون مقابل فور وصولهم) أما الخيول التي كان يهديها إلى حكام بومباي وكالكوتا ، فقد كانت دائما كما قال بوكينغهام دليلا إضافيا على الولاء الذي كان السلطان العُماني يكنّه للحكومة الأنكلو-هندية.

 

ويتذكر بوكينغهام السيد سعيد نوهو يمخر عباب البحر بين مسقط وزنجبار، لا يكلّ ولا يتعب، على رأس أسطوله القوي المسمى ( راية الدم الأحمر).

 

**المرجع : نيكولي، بياتريتشه. جزيرة زنجبار التاريخ والاستراتيجيا في المحيط الهندي ( 1799- 1856م)، ترجمة نزار أغري، ط1، دار النهار للنشر، بيروت، 1998م.

 

Your Page Title