تاريخ عمان

حركات التبشير في عُمان .. محاولات باءت بالفشل

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

أثير – تاريخ عمان

 إعداد: نصر البوسعيدي

 

لقد كانت عمان، ومنذ فترات طويلة من التاريخ محطّ أنظار العديد من الرحالة العرب والأجانب لأهميتها السياسية، و الاقتصادية وموقعها الجغرافي الذي يميزها عن الكثير من الحضارات القائمة في المنطقة .

وخلال القرنين التاسع عشر والعشرين، نشطت في أوربا رحلات الكشوفات الجغرافية وحركات التبشير التي اجتازت الكثير من دول العالم وبالأخص القارة الأفريقية والآسيوية.

عمان كانت أيضا من تلك الدول التي استقبلت الكثير من الرحالة الأوربيين، وتعرضت لبعض محاولات التبشير من خلال بعض الرحالة والقساوسة، منهم من ذكرتهم المصادر التاريخية ، ومنهم من لم توثقه تلك المصادر .

ومن ضمن هؤلاء الرحالة المبشرين بالمسيحية في عمان :

 

ـ القس بيتر زويمر:

 

زار عمان في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وهو أحد رواد الإرسالية العربية الأمريكية ، وقد وصل إلى مسقط في ديسمبر عام 1893م بهدف إدخال العمل التبشيري إلى عمان .

وقد كتب في مذكراته ” مسقط تقدم فرصة مفتوحة لنشر الإنجيل ومزاولة النشاط التبشيري فيها، إن قدومي إلى هنا كان بهدف التعرف على أساليب العمل المناسب لهذا المكان، والعرب هنا مستعدون للقدوم إلى منزلي لمناقشة الأمور الدينية إذا دعوتهم، وقد ثبت أن بائع الكتب المقدسة ( نعوم ) قارئ جيد للإنجيل، وقد قمت بزيارة معظم القرى الواقعة على الممرات الجبلية والكتب المقدسة تباع في معظم الأماكن وتقرأ في السوق وفي المقهى”.

لقد مارس الرحالة ( زويمر ) جهوده التبشيرية بشكل سري في عمان وكان يتجول ببعض المناطق الداخلية بهدف الاستكشاف، ودراسة أفضل السبل للعمل التبشيري بإعتبار إن عمان بوابة الخليج، وأحد أهم المحطات الهامة في قائمة التنصير للإرسالية العربية الأمريكية،وفرصة مفتوحة للعمل التبشيري بما أن الإنجيل في مسقط يقرأ.

ولكن ( زويمر ) تناسى أن الناس في عمان، وفي ذلك الوقت كانوا على استعداد لقراءة أي شيء يصل إلى أيديهم دون التأثر لتغيير ديانتهم، بل كانوا يقرأون من باب الاطلاع، والمعرفة، ولذا فإننا نجد أن جميع محاولات زويمر التبشيرية باءت بالفشل.

ـ الرحالة الدكتور شاروت توماس :

 

يعتبر هذا الرجل أحد المبشرين في الإرسالية العربية الأمريكية ، وهو من وضع أساس الخدمة الطبية في مطرح عام 1897م ، واستطاع أن يقيم حجر الأساس لخدمة طبية ناجحة تعتبر الأولى في المنطقة .

وكانت خدمة الإرسالية الطبية في مطرح لا يقتصر عملها على مسقط فقط، بل امتد إلى داخل عمان ، فقد قام ( توماس ) بجهود حثيثة في علاج المرضى التي كانت تنتشر في عمان، والتي كانت تفوق امكانيات الإرسالية، ومجهودات الدكتور .

ولذا ، فقد قدّم الدكتور توماس مقترحا للحكومة العمانية آنذاك لبناء مستشفى في مطرح واقترح شراء أو استئجار أرض لبناء المستشفى عليها ، ولكن لم يتم له ذلك إلا بعد وفاته بـ 35 عاما في عهد السطان سعيد بن تيمور الذي أهدى الإرسالية في مسقط قطعة أرض لبناء المستشفى عام 1948م.

الجدير بالذكر إن الدكتور توماس قد توفي عام 1913 م، نتيجة سقوطه من جرف صخري في مسقط، وهو متسلق عموداً يمد خطاً تلفونياً بنفسه .

الرحالة الدكتور هاريسون :

 

وصل الدكتور هاريسون إلى عمان في سنة 1926 م ، وذلك للعمل كطبيب ومبشر في الخدمات الطبية للإرسالية العربية الأمريكية في مسقط .

حيث زاول الدكتور هاريسون مهنة الطب والتبشير في مسقط فور وصوله، حيث أعاد افتتاح مستشفى مسقط الذي توقف العمل فيه بعد وفاة الدكتور توماس عام 1913م، وقد قام الدكتور هاريسون بجهود كبيرة لإعادة افتتاح مستشفى مسقط وإحياء فكرة إنشاء مستشفى مطرح .

حيث قال ” من الأفضل لنا أن ننظر إلى أن المثل الأعلى للدعاة إلى النصرانية هو المستشفى الذي يمد كل ما يحتاج إلى الراحة الطبية عن طريق الطب الحديث”

لقد زار هاريسون العديد من المناطق الداخلية لعمان وساحل عمان المتصالح وذلك بهدف تقديم الخدمات الطبية للمرضى في تلك المناطق، وإدخال الفكر التبشيري، وقد ألّف كتابا أسماه ( رحلة طبيب إلى الجزيرة العربية ) الذي يتحدث جزء كبير منه عن عمان، وعن أحوال الإرسالية، والمستشفى بمسقط ، وأكثر الأمراض انتشارا بالمجتمع بالإضافة إلى الأوضاع الاجتماعية ، والإقتصادية للسكان .

ـ الرحالة الذي قابل الإمام الدكتور ويلس توماس ابن الدكتور شاروت توماس :

عاش ( ويلس ) مع والده في مطرح منذ الطفولة ، وبعد وفاة والده مثلما أشرنا في عام 1913م ، عاد إلى وطنه في الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث درس الطب وعاد إلى عمان عن طريق الإرسالية كمبشر ليكمل الرسالة التي بدأها والده في المنطقة .

وقد قام ويلس برفقة زوجته بزيارة عدد كبير من مناطق عمان والتقى عددا كبيرا من الشخصيات العمانية هناك كالإمام (محمد بن عبدالله الخليلي) عام 1941م في قلعة نزوى.

حيث قال كما رواه (ويندل) في كتابه ” قادونا بين حشود من الناس يقفون خارج القلعة، ودلفنا من بوابة خارجية كبيرة، ومن ثم بوابة داخلية أصغر ثم صعدنا درجتين من السلالم إلى المجلس أو قاعة مقر الإمام ، ولمحنا من خلال الضوء رجلا نحيلا يضع عمامة بيضاء كبيرة على رأسه، ويجلس فوق بساط في الطرف البعيد من الغرفة ،وإلى يمينه رجلان كهلان آخران يرتديان ثيابا مماثلة له، وعلى كل جانب جلس حرسه الخاص من الرجال المسلحين ، وعندما دخلنا نهض ليصافحنا ثم بدأ هزاله أكثر وضوحاً إذ بدا وكأنه يترنح قليلا ،وهو في وضع منتصب، ولم تكن قبضة يديه قوية، وأشار بيده إلي لكي أجلس بجواره، ثم قدم لنا القهوة والحلوى.

بعد ذلك رشوا علينا ماء الورد، وبينما كان هذا يجري وجّه إلينا عدة أسئلة عن هدفنا من مغادرة بلادنا للعيش، والعمل في مسقط، وعندما أجبناه بأن يسوع، ونحن من أتباعه، أمر اتباعه بالذهاب إلى كلّ الأمم لتعليم مبادئه وعلاج المرضى، ومشاطرة كل الناس الأنباء الطيبة الواردة من الإنجيل.

ـ قال لنا الإمام : هل تؤمنون بأن الله سبحانه وتعالى واحد ؟

ـ قلنا : أجل .

ـ قال : نحن نعتقد أنكم على خطأ في بعض معتقداتكم، ولكننا نحترمكم لأنكم تخشون الله، ومن ثم فإن في استطاعتكم أن تمضوا في أرضنا بسلام، لعل الله يهبكم الهداية والحكمة لشفاء المرضى، وسأرسل دليلا آخر لكي يصحبكم إلى المرضى “.

وتشير بعض المصادر التاريخية أن هذا الدكتور، فيما بعد ، قام بإجراء عملية جراحية للإمام في عينه اليمنى، وقد نجحت العملية، ولكن الإمام لم يعش طويلا، إذ وافته المنية عام 1954م .

إن العمل التبشيري لأغلب الرحالة الذين وفدوا إلى عمان كان الهدف الأساسي لنشاطهم في مسقط وبقية مدن عمان، على اعتبار أن الشعب العماني شعب مؤثر على الكثير من الشعوب المجاورة، فقد كانت الأمنيات كبيرة بالنسبة لهؤلاء لنشر المسيحية في البلاد، وإدخال أكبر عدد ممكن من العمانيين إلى الديانة المسيحية عن طريق الخدمات الطبية التي يقومون بها للسكان على أساس إنها أكثر الطرق جذبا لدعواتهم الطبية، ولذا نجد إن أغلب الرحالة المبشرين في عمان كانوا من الأطباء .

ولكن، ورغم كل تلك المحاولات التي تجاوزت الخمسة والثلاثين سنة، ورغم تلك الجهود الجبارة التي مارسها المبشرون في المجتمع العماني إلا أنها باءت بالفشل لأسباب عديدة أهمها:

قوة العقيدة الإسلامية، والتنظيم القبلي بعاداته وتقاليده في المجتمع العماني المحافظ الذي رفض كل أنواع الفكر الذي كان يروجه المبشرون ، لدرجة إنك ترى بأن الإمام الخليلي، وهو من يتزعم بفترة من الفترات الجانب الديني والسياسي في داخلية عمان سمح للمبشرين بأن يزاولوا نشاطهم الطبي بكل ثقة، وتعايش لإيمانه ،واحترامه بأن الإسلام في قلوب العمانيون راسخ لا يتزعزع، بل أنه تمنى لهم الهداية مع احترامه الشديد لما يؤمنون به ، وهذا يتضح جليا في ذلك الحوار الذي دار بين الإمام محمد بن عبدالله الخليلي والدكتور المبشر ويلس عام 1941م .

المرجع : نماذج من البحوث التاريخية الفائرة في مسابقة المنتدى الأدبي 1992 – 1997م – الطبعة الأولى – عمان في مذكرات الرحالين الأجانب – دراسة تحليلة لنتاج عدد الرحالين الذين زاروا عمان خلال القرن العشرين – علي بن سالم الراشدي ،1997م.

Your Page Title