سعدية مفرح
أحتفظ على مكتبي في العمل بزاوية أضع فيها الكتب التي أستعد لقراءتها قريبا واحدا تلو الآخر. أضعها في هذا المكان القريب مني معظم النهار حتى تكون في متناول يدي عندما تحين لي فرصة للراحة أثناء عملي بين مهمة وأخرى. ولهذا الزاوية في البيت ما يشبهها على سرير نومي بالقرب من وسادتي تماما.
ليس للكتب التي تحتل هاتين المساحتين القريبتين مني نهارا وليلا في العمل والبيت أفضلية على غيرها، من كتب مكتباتي الموزعة هنا وهناك أيضا، سوى أنها حديثة الإصدار، وأغلبها تصلني من مؤلفيها كإهداءات. شكرا لمؤلفيها الذين يتوسمون بي خيرا على صعيد القراءة وربما الكتابة عما أقرأ منها لاحقا، لكنني في الآونة الأخيرة، أي بعد أن اتسعت مساحة الزاويتين على المكتب والسرير كثيرا، وارتفعت صفوف الكتب فيها، صرت أشعر بتأنيب ضمير حقيقي، وصارت نظراتي للكتب تعني نوعا من العقاب الذاتي، حتى أنني غالبا ما أتحاشى النظر لها ما أمكنني ذلك، فتكاثر الكتب في هاتين الزاويتين يعني أن قراءاتي قد قلت، وأني ما أقرأه وانتهي منه وأضعه في رف من رفوف المكتبة أقل مما يردني يوميا تقريبا. وبالتالي أصبح الفرق كبيرا.
أحيانا ألجأ لحيل صغيرة، كأن استعرض العناوين والفهارس، فأتخلص بسرعة مما أعرف أنه لا يستهويني منها، لسبب أو لآخر. وأحيانا أخرى يستغرقني سحر مقدمة لكتاب فانساق وراء حيل المؤلف في الكتابة والتلاوين اللغوية، فأجدني قد نسيت عملي اليومي الذي ينتظرني واستمررت في القراءة وكأنني أليس التي دخلت في بلاد العجائب ولم تعرف كيف تطلع منها أو ربما لم ترد ذلك. وأظن أن هذا هو المعيار الأول في الحكم على جودة كتاب وأسلوب كاتب ما في كتابته، فالكاتب الجيد هو الذي يعرف كيف يقودك كلمة وراء كلمة وسطرا وراء سطر وصفحة وراء صفحة لتستمر في القراءة حتى تقلب الصفحة الأخيرة والغلاف الأخير مبتسما أنك تحصلت على متعة لا تضاهى بمجرد انتهائك من القراءة ، وأحيانا تشعر وأنت تعيد ذلك الكتاب الى مكانة في رف المكتبة بحسرة تشبه الحسرة التي تودع فيها صديقا عزيزا.
حسنا.. سأعترف الآن أن قلة من الكتب أصبحت تستهويني إلى هذا الحد، ذلك أن قلة من المؤلفين والكتاب يعرف فعلا كيف يقودني الى بلاد العجائب المختبئة بين صفحات كتابه. هل انقرض الكتاب الجيدون فعلا ، لم يبق منهم سوى القلة؟ أم أن ذوقي هو الذي أصبح لا يعجبه العجب بل لا بد له من عجائب أليس لكي يرضى؟
لا هذا ولا ذاك كما أظن ، ولكن الشعور بالحيرة تجاه الكثير جدا مما يكتب وينشر في الأونة الأخيرة هو الذي أوصلني الى تلك الحالة الحائرة.
أفتقد الكثير من لذائذي القديمة في القراءة، رغم أنني ما زلت أقرأ وأقرأ وأقرأ، ذلك أن من يدخل بلاد العجائب مرة لا يمكنه أن ينسى ما رأى فيها من سحر.. وأي سحر!