أبجد

أصدقائي الأعزاء .. شكراً

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

أصدقائي الأعزاء .. شكراً

سعدية مفرح

 

ما زلت مبهورة بعبارة الشاعرة الأمريكية الأثيرة “الأصدقاء أوطان صغيرة”، وما زلت أغير الكلمة الأخيرة فيها كلما لاحت لي أو أردت قراءتها أو كتابتها أو ترديدها أمام أحد ما لتصبح؛ “الأصدقاء أوطان كبيرة”.  وإذا كانت شاعرتي ديكنسون تقصد فكرة الأصدقاء عموما فأنا أقصد أصدقائي وصديقاتي تحديداً. 

من نعم الله الكثيرة علي أن حباني دائما وفي كل مراحل عمري التي مرت بأصدقاء رائعين أعانوني على كل ما أنجزته في حياتي إن كنت فعلا قد أنجزت شيئا ما. ولا أظن أنني كنت سأستمر على النحو الذي استمريت عليه لو أنني  لم أحظ بمثل هؤلاء الأصدقاء. كانوا دائما كأجنحة ترفرف حولي وأتعلق بها كلما أردت الصعود إلى الأعلى والتحليق في الفضاء، وكلما تذكرت الآن شيئا مما يمكن أن أسميه أو يسميه الآخرون إنجازاً لي أتذكر أنني لم أكن لأنجح في تحقيقه لولا هذا الصديق أو تلك الصديقة. والمؤسف أنني لم أكن أعطي أصدقائي بقدر عطاياهم لي ولم أكن أساعدهم بقدر مساعداتهم الكثيرة. فلم أكن لسوء حظي أملك الكثير مما يحتاجون ولم يكونوا ربما بحاجتي كما كنت بحاجتهم. ولهذا صاحبني الشعور بالعجز أمام عطاءاتهم دائما، ولا أستطيع مقاومة ذلك الشعور إلا بالامتنان لله تعالى الذي أحاطني بهم ، ولهم لأنهم ملأوا كل الفجوات التي كان من الممكن أن يتسرب من خلالها اليأس والإحباط إلى وجودي، فكانوا أشقاء وشقيقات وأبناء وبنات وآباء وأمهات.. والأهم أنهم كانوا دائما أصدقاء وصديقات. وشعوري بعظمة أصدقائي يتضخم كلما سمعت عن قصص وحكايات الآخرين عن خيانات الأصدقاء ومكائدهم الصغيرة والكبيرة. فلم أتعرض في يوم من الأيام لطعنة غدر من صديق بل كانوا دائما درعي الواقي أمام كل الطعنات التي وجهتها لي الحياة أحياناً من اتجاهات مختلفة.. قريبة أو بعيدة!

إحدى أهم أمنياتي الصغيرة لهذا العام  وكل عام الاحتفاظ بأصدقائي، كلهم.. كلهم. ففي السنوات الأخيرة، ربما تحت وطأة التقدم في العمر، صرت أخشى الفقد أكثر من أي شيء في الحياة. ورجائي لله الذي أصيغه على شكل أمنية ألا يغيّب الموت المزيد ممن أحبهم. لم أعد أقوى على احتمال الحياة في ظلال  ذكرياتي مع الراحلين والغائبين بعد أن فقدت الأغلى. 

أنا صنيعة الصداقة والأصدقاء، صنيعة حقيقية لأصدقائي، ولا أريد أن أتلاشى في خضم الفقد مهما كان نوع هذا الفقد. 

لا أريد لأحد منهم أن يغيب من دون أن أعرف إن كان سيعود أم لا، ولا أن يسافر من دون أن أعرف وجهته وكم سيبقى هناك، ولا أن يبكي من دون أن أمسح دمعته، ولا أن يغني من دون أن أصفق لنشازه، ولا أن يصمت من دون أن  أفقه ماذا يقول بصمته! وبالتأكيد لا أريد لأحد منهم أن يموت.

 أعرف أن هذا ليس بيدهم ولا بيدي ولا بيد أحد من العالمين، ولكنني لا أريده وكفى! 

ثم أنني لا أريد أن أختلف مع أي أحد منهم اختلافا يؤدي بنا إلى فراق، وأنا أعرف تماما  وبيقين مبدئي أنني سأكون المخطئة في أي خلاف محتمل من أي نوع! فأصدقائي، كلهم، رائعون بما يكفي لأن أنظر إلى نفسي دائما وكأنني لا أستحق صداقتهم! 

ولهذا سأحرص تماماً على الاحتفاظ بكل صديقة وصديق، وسيساعدني على ذلك أنهم على أية حال قليلون جداً . 

قليلون بما يكفي لأن أنقش ملامحهم على صفحة قلبي الصغير، ولأن أحتفظ بأسمائهم الكاملة في ذاكرتي المزدحمة، ولأن أتذكر تفاصيل لقائي الأول بكل واحد منهم على حده. 

نعم.. قليلون جدا للدرجة التي أستطيع فيها أن أهاتفهم كلهم  واحدا تلو الآخر في مساء واحد، وأن أعرف ماذا يحب كل واحد منهم من كتب وقصائد وأغنيات وأفلام وأطباق ومدن وأزياء ، وأي النكت تضحكه وأي الفرق الكروية يشجع.  

قليلون جدا.. جدا. بما يكفي لأن أعدهم على أصابع يد واحدة فينتهي تعدادي لهم قبل أن تنتهي أصابع يدي! 

اليوم، في ذكرى الغياب الأكبر في حياتي أريد أن أقول:  أصدقائي الأعزاء.. شكراً! 

 

Your Page Title