أثير- موسى الفرعي
الحمد لله الذي أكرمنا بأن نُنفق ساعات من عمرنا عبادة في الشهر الكريم نسأله جل في علاه أن يعيدنا رمضان وأن يبارك لنا فيه، وكل عام وأنتم أيها الأحبةُ مُنعمين بالخير متحابينَ متآلفةً قلوبكم كما هو عهدكم دائماً على هذه الأرض.
كل عام والأمة الإسلامية تتخلصُ شيئا فشيئا من الشوائب التي علقت بها وتحاولُ أن تنخر عظامها وتهدَّ على الإنسان فرصته في الحياة، الإنسان الأكثر قدسية وعظمة من أي مقدسات أخرى فهو خَلْقُ الله، الله مصدرُ حياةِ كل شيء وبما أنه كذلك فيفترض أن نكون كلُّنا إخوةً لا تجمعنا سوى الإنسانيةِ ولا تفرقنا الجراثيمُ التي يبتكرها بنو الإنسان ممن قست قلوبهم وتحجرت أعينهم.
ها هو العيد ولكن بأية حال قد عاد، برؤية كاملة التكوين لم يتغير كثيرا فما زالَ الإنسانُ يُقتلُ ومن يَموتُ لا يُستعادُ، وما زالت البيوتُ تُهدُّ على أصحابها وذكرياتهم وآمالهم، وما زالُ الأطفالُ يحلمونَ بفرصةٍ للحياة.
وما زالت معظم الكرات السياسية تُلعبُ ما بين مكاسب مادية للبعض وسقوط أخرى إثر وقوعهم أسرى غباء تصرفاتهم، ولا خسارات إلا للبسطاء ممن لا ذنب لهم سوى حبهم للحياة، وهناك في الظل البعيد بعض المساحات الجغرافية الني أنعم الله عليها بأن أعانها على الخروج من هذا الملعب الشيطاني بامتياز، أما هنا وتحت ضوء الشمس ثمة من لا يزال يتقن دوره الإنساني بكل شجاعة ومهارة إنها ” عُمان ” وجلالة القائد الوالد حفظه الله، وها هي معادلات الشرق الأوسط تتغير كلها وتلخبطت حسابات وأوراق من بدأ برسمها منذ أعوام عديدة ومن دخلها دون وعي ومن دُفع إليها دفعا، ليجيء جلالته بحكمة كبرى وإنسانية أكبر، إنسانية ما عاد العالم يفهمها لأنها قد اُفرغت منه.
إنه الاتفاق النووي بين أمريكا وإيران والتي لعبت الدبلوماسية العمانية دور النواة لتقريب وجهات النظر، وكانت كلمة السر التي فكت شفرت القطيعة بين الغرب وإيران التي استمرت لسنوات من الصبر الإيراني في التفاوضات واتزان الأعصاب، فتساقطت بهذا التوافق الكثير من الأوراق السياسية التي رميت دفعة واحدة على الطاولة الأمريكية، الأوراق التي كُتبت بالنزق وغيابِ الرؤية الشمولية للوضع العام وتغييبها، وبالعنتريات الكاذبة، وفقدانِ العدالة الاجتماعية.
ما خُططَ له منذ أعوام طويلة وما ينفَّذ منه في الشرق الأوسط هُدِّمَ كلُّه بهذا الاتفاق النووي والتوافق بين الغرب وإيران والذي ما كان ليكون لولا تدخل الدبلوماسية العمانية فيه، والذي يُعدُّ نجاحا كبيرا يضاف إلى سجلات السياسية العمانية ورصيدا إنسانيا كبيرا يُضاف إلى رصيدها التاريخي.
فليحتفل شرقنا الأوسط بهذا الاتفاق الذي لولاه لتغيرت كل احتمالات الحياة ومعادلاتها فيه وليحتفل الإيرانيوون بهذا النصر المبني على العمل المؤسساتي وخدمة المشروع الوطني الأكبر، وللضعفاء أن يتساقطوا واحدا واحدا، وليلتفتوا أثناء هذا السقوط المدوي إلى محطة أخرى وشماعة أخرى يعلِّقون عليها زيفهم وفساد سياستهم التي تفوح منها روائحُ التحريض الطائفي. وليبقى الإنسان، والمجدُ والبقاء لعُمانَ وقائدها المفدى ورجالات الانتصار الحقيقي من أبسط إنسان على هذه الأرض وحتى أهم رجل فيها، وليظل من شاءَ في سباتِهم يحلمون بتكرار الأخطاء ويتطلعون إلى إفساد ما أصلحه هذا التوافق وتقريب المسافات بالأيدي العمانية التي ما تلوثت بدماء إخوتها من بني الإنسان.
خاتمة الأمر هو أن هذا العيد جاء مختلفا بهذا الاتفاق الذي ستقِل به كثيرا عصاباتُ الموت حتى وإن كان إلى حين وسترتفع فرص النجاة من عبثية الموت التي تمارس، وسأظل أحلم بمستوى أكبر لأمان الإنسان أينما كان على هذه الأرض، فشكرا أيها الوالد القائد وشكرا أيها الوطن العظيم لأنك جعلتنا طرفا من هذا الانتصار الكبير.