تاريخ عمان

الجزء الأخير من “تفاصيل رحلة أول سلطان عربي في التاريخ تطأ قدمه بريطانيا”

الجزء الأخير من “تفاصيل رحلة أول سلطان عربي في التاريخ تطأ قدمه بريطانيا”
الجزء الأخير من “تفاصيل رحلة أول سلطان عربي في التاريخ تطأ قدمه بريطانيا” الجزء الأخير من “تفاصيل رحلة أول سلطان عربي في التاريخ تطأ قدمه بريطانيا”

–        ما الأماكن التي زارها السلطان؟ وكيف كان استقبالهم له؟

–        ما ” المصيبة” التي حدثت قبل سفر السلطان؟ وكم يوما أجّل سفره؟

–        كيف استقبله شعبه بعد رجوعه؟

أثير – تاريخ عمان:

لما وصل السلطان بالسلامة إلى الإسكندرية نشر القبطان بيرق سعادة السلطان في دقل سفينته، وكانت بالمرسى خمس سفن حربية من سفن سعادة الخديوي إسماعيل باشا، وصعدت عساكرها البحرية إلى سطح المراكب وأطلقوا 21 مدفعا سلاما على سعادة السلطان، وكذلك أطلقت العساكر البرية من البر 21 مدفعا إكراما لسعادته وترحابا بقدومه.

ولما رست سفينة السلطان وافى إليها صاحب الدولة محمد توفيق باشا ولي العهد وصاحب السعادة حسين باشا أخوه ولدا حضرة الخديوي المعظم، وكان في صحبتهما صاحب السعادة شريف باشا، وحسين باشا محافظ الإسكندرية وغيرهم من المأمورين وسلموا على سعادة السلطان بالنيابة عن سعادة الخديوي.

فلما نزل السلطان بالبر بصحبتهم أطلق الجنود 21 مدفعا إجلالا لسعادته، ولما قربوا من سراية رأس التين اصطف لاستقبال السلطان صفان من العساكر ورفعوا السلاح ونشروا العلم وآلة الموسيقي العسكرية تترنم ترحيبا بقدوم سعادته.

ثم خرج الخديوي المعظّم للقاء السلطان، والترحيب بقدومه، وجلسا يتحدثان نحو نصف ساعة ثم توادعا، وبعدها توجه السلطان ورجاله برفقة رجال الخديوي إلى القصر الذي كانوا قد هيأوه لسكنى سعادته، وعينوا له فرقة من العساكر الخيالة والمشاة تلازم القصر الفاخر اللائق بمقامه، وعيّن دولة الخديوي لخدمة السلطان برغش والي الإسكندرية حسن باشا والعالم الفاضل الشاعر علي بن الحسن الليثي، ونفرين من القراء يقرءان القرآن بعشر قراءات وغيرهم.

فلما استقر السلطان بالقصر توافد إليه الخديوي المعظم وولي عهده وكبار الدولة وأعيانها وقناصل الدول الأجنبية للسلام على سعادته والجلوس معه.

ولما كان نهار الخميس 3 رجب ( 6 أغسطس ) ، خرج السلطان يريد زيارة صاحبة العصمة أم الخديوي المصونة في قصرها بالرملة، وبعد أن قضى واجبات السلام على سعادتها ، سار إلى زيارة شريف باشا وإسماعيل صديق باشا وعاد إلى منزله بعدها سالما .

وفي العصر سار إلى زيارة سعادة محمد توفيق باشا ولي عهد الخديوي وأخيه حسن باشا، وفي أثناء رجوع السلطان ساروا به إلى ساحة المنشية، وهي ساحة جميلة أنشأها الخديوي المعظم في قلب الإسكندرية نصب في وسطها تمثال محمد علي باشا صاحب مصر، وهو راكب على حصان، ونصب أشجارا يجتمع الناس في ظلها ليسمعوا أنغام الموسيقى التي تعزف في أوقات معلومة.

ولما كان اليوم السادس من رجب (9 أغسطس) أقام الخديوي المعظم وليمة شائقة لسعادة السلطان، وأصحابه ولكن المرض أعاق الخديوي من الحضور بنفسه، فأقام ابنه ولي العهد نائبا عنه.

فحضر السلطان برغش الوليمة وحضرها عدد وافر من رجال الدولة وأعيانها، وكانت الموسيقى تعزف بالأنغام خارج الدار في جنينة مزينة بالأشجار والأزهار، وعقب ذلك نهضوا وشربوا القهوة ومن ثم انصرف كل واحد منهم إلى منزله بسرور، وحبور.

من الإسكندرية إلى مصر :

في اليوم السابع من رجب ( 10 أغسطس ) عزم السيد برغش على السفر من الإسكندرية إلى مصر، فقام منها بعد صلاة الظهر ، وركبوا سكة الحديد ، وبعد 6 ساعات وصلوا مصر القاهرة بعد المغرب بنصف ساعة.

ثم حضر أرباب الدولة، وطلبوا من سعادة السلطان أن يخرج معهم ليفرّجوه على زينة البلد تلك الليلة فرحا بفيض النيل، فأجاب السلطان طلبهم وخرج معهم فساروا به إلى النيل بمركب يتفرجون على ما أعدّه أهل مصر من الزينة، وبعد أن فرغوا من الفرجة باتو تلك الليلة في السفينة التي كانت معلقة بها مصابيح كثيرة.

ولما أشرق ضوء الصباح وافى رجال الخديوي إلى سعادة السلطان وأخرجوه إلى فيض النيل، ونزلوا إلى البر الذي اجتمعت فيه العساكر النظامية، فرفعوا أسلحتهم للسلام على سعادته ثم ساروا به إلى خيمة ضربوها على شط النيل.

ولبث السلطان هناك إلى أن دنت ساعة فيضان النيل، فارتفع ماؤه إلى المقياس المعين له، وهذا القياس عامود رخام منصوب في مكان من النهر ينحصر الماء فيه ، فإذا استوى الماء 19 ذراعا في الفيض كان غاية ما تمنوه من طيب العام وخصب الأرض، وجودة الغلال ، وقد أشار الأمير تميم بن المعز إلى فيضان النيل بقوله :

أما ترى الرعد بكى واشتكى    والبرق قد أومض واستضحكا

فانظر إلى غيم كصبح الدجى    أضحك وجه الأرض لما بكى

وانظر لماء النيل في مدّه       كأنه الصندل قد مسكا

ولما فرغ السلطان من الفرجة على زيادة النيل سار به رجال الدولة إلى قصر جميل مفروش بأثاث فاخر ، ولما استقر السلطان برغش في القصر، واستراح مدة من الزمان طلب إليه رجال الدولة المصرية أن يخرج معهم، ليفرّجوه على المدينة ، فأجابهم، وخرجوا، فساروا به إلى بستان الأزبكية، وهو بستان كبير كان المرحوم محمد علي باشا يجلس عليها للمؤانسة مع حرمه، وقيل إنه كان له قارب صغير يجعله في بركة الماء بالبستان، وتنزل فيه بعض من جواريه، ويقذفن به حول البركة .

وبعد أن فرغوا من الفرجة ساروا به ثاني يوم إلى خزانة الكتب، ومدرسة الطب، ثم ساروا به إلى مدرسة البنات، وحضروا اختبارهن في فن الحساب، والجغرافيا والتاريخ، والموسيقى، واللغات العربية، والتركية، والإنكليزية، والفرنسية وغيرها، ثم فرجوه على مدرسة الخياطة، والتطريز، والزركشة بالحرير، والقصب.

وفي اليوم الثالث خرجوا به إلى معمل الأسلحة، ثم ساروا إلى دار الطباعة ببولاق، ثم فرجوه على طريقة عمل القرطاس بكل الآلات المتاحة لذلك، ثم ساروا بالسيد إلى بستان مجمع الحيوانات، وفيه قصر للخديوي، وفي البستان حيوانات من كل الأصناف، وكان بينها جاموس عجيب الخلقة ذو ستة قوائم اثنتان من قدام وأربع من وراء بخلقة كاملة، وهذه من فلتات الطبيعة.

وفي اليوم الثاني عشر (17 أغسطس) ساروا بالسيد إلى دار التحف وفرجوه على الأصنام القديمة للفراعنة التي تعود من عهد قدماء المصرين الفراعنة.

وما زالت الملوك تراعي بقاء هذه الآثار لمصالح منها: لتبقى تلك الأصنام تاريخا ينتبه به على الأحقاب، ومنها ما تكون شاهدة للكتب المنزلة.

ثم خرجوا بالسيد ورجاله في اليوم الرابع عشر (19 أغسطس) ساروا بسعادة السلطان إلى قلعة مصر التي أمر ببنائها صلاح الدين يوسف بن أيوب على يد قراقوش.

وفي وقت العصر سار السيد ورجاله إلى زيارة ضريح الحسين بن علي بن أبي طالب وقد شادوا عليه قبة ذات بنيان فاخر.

ثم ساروا بسعادة السيد إلى الجامع الأزهر والمسجد الذي بناه السلطان حسن ومن ثم فرجوهم على مسجد عمرو بن العاص وقبر الإمام الشافعي.

وفي اليوم الخامس عشر ( 20 أغسطس ) بعد صلاة الفجر خرج السيد ورجاله يريدون الفرجة على اهرامات مصر، وكلها ببر الجيزة وحينما وصلوا أراد بعض من أهل مصر أن يرتقوا بسعادته إلى الهرم ويستووا على سطحه، فأبى السيد ولكن بعض من رجاله رقوا الهرم بمشقة عظيمة، وبعدها نزلوا، ودخلوا مغائر بالقرب من الأهرام كانت مدفنا للملوك المصريين، أو للثيران المقدسة التي كانوا يعبدونها تحت اسم أفيس.

ولما فرغ السيد برغش من الفرجة على الأهرام رجعوا إلى مصر بالسلامة.

وفي اليوم السادس عشر (21 أغسطس) سار السيد برغش إلى قصر النيل، والقناطر الخيرية، والقلعة السعيدية.

وفي عصر ذلك اليوم سار السيد برغش إلى تهنئة الخديوي بعيد مولده، وكان ذلك النهار ختام السنة السابعة والأربعين من عمره.

في سفر سعادة السلطان من الديار المصرية:

في اليوم التاسع عشر من الشهر ( 24 أغسطس ) عزم السيد برغش السفر من الديار المصرية ، ولكن حدثت وفاة الأميرة زينب ابنة الخديوي في 17 من الشهر ، وعظمت المصيبة في أهل مصر عند أقاربها وأهلها ، ثم خرجوا بجنازتها إلى المقبرة بموكب حافل، فرأى السيد أن يؤخر سفره إلى بعد انقضاء أيام العزاء بثلاثة أيام .

ولما كان اليوم 22 من رجب ( 27 أغسطس ) خرج السيد إلى محطة سكة الحديد وكان الخديوي وابنه محمد توفيق باشا ولي العهد وابنه حسين باشا قد حضروا لوداع السيد فتوادع السيد معهم وركب القطار وسار على بركة الله .

وبعد خمس ساعات وصلوا إلى الزقازيق، ومن ثم إلى مدينة السويس، ولما وصلوا إليها أطلق الجنود 21 مدفعا ترحابا بقدوم السيد فلاقاه والي السويس وكبراء المدينة، وأعيانها، ورحبوا به وبأصحابه، ثم ساروا به في قوارب قطعوا بها البحر إلى بارجة كان قد أعدها الخديوي لسعادة السلطان لتحمله إلى عدن ثم إلى زنجبار، فدخلها السيد، وباتوا فيها ليلتهم، ولما اصبحوا سافروا من السويس قي 23 رجب ( 28اغسطس ) وسارت بهم البارجة إلى باب المندب في خمسة أيام ، ثم وصلوا إلى بندر عدن في الساعة الثانية من النهار، وأطلقت البوارج البريطانية 21 مدفعا ترحابا لوصول سعادة السلطان ، وبات السيد ورجاله في الباخرة تلك الليلة .

ولما أصبح أتت قوارب من بوارج الإنكليز، وأخرجت السيد ورجاله إلى البر مع اصطفاف العسكر إجلالا لسعادته، وأتى والي عدن ورؤساء العساكر وساروا به إلى دار والي البلد، وأقام فيها السلطان ‘لى حين سفرهم من عدن.

ثم بعد أيام وصل الدكتور كيرك ببارجة إلى عدن، وكانت جلالة ملكة الإنكليز قد أرسلت بصحبة القبطان رسم صورتها إلى سعادة السلطان وسلم القبطان هذا الرسم لسعادة السلطان فتناولها بعز وإكرام وأكرم على القبطان بنيشان من الرتبة الثالثة من الكوكب الدري وأنعم على قبطان بارجة الخديوي قبل أن يغادر بنفس النيشان الذي أنعم به كذلك أرباب السياسة في باريس ومرسيليا والإسكندرية والبرتغال كل حسب مرتبته.

ثم سافر السلطان من عدن محفوفا بالسلامة في 9 شعبان وودّعه رجال الدولة مع إطلاق 21 مدفعا توديعا له وسارت باخرته في أمن الرحمن حتى وصل إلى أوطانه السعيدة وأشرف على زنجبار المجيدة في اليوم الثامن عشر من شعبان (20 سبتمبر 1875م)، وخرج أهل زنجبار وأرباب المناصب إلى ملاقاة سعادته وسروا بقدوم سيدهم الكريم أيده الله وخلد ملكه على دعائم العز والمجد والإقبال آمين.

 *المرجع: تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجبار، تأليف زاهر بن سعيد، تحقيق أحمد الشتيوي، 2007، وزارة التراث والثقافة مسقط.

Your Page Title