أثير- إيمان الحوسنية
قال الأستاذ طلال البلوشي- تربوي وناشط اجتماعي- بأن التطرف الفكري هو التزمت والغُلو والمبالغة في التعلق بشخص أو بفكرة أو مبدأ أو عقيدة بعينها دينية كانت أم سياسية أم اجتماعية، ومحاولة إكراه الآخرين على تبنيها، ويصحب ذلك بالضرورة رفض باقي المنهجيات الفكرية الأخرى والتطرف في محاربتها كون أن المتعصب يرى نفسه دائما على حق والآخر على باطل بل يتعدى الأمر إلى رفضه للحق إذا ما ظهر خارج دائرة اعتقاده، وهو مرض اجتماعي يولد الكراهية والعداوة في العلاقات الاجتماعية والشخصية.”
وأوضح الأستاذ لـ “أثير” بأن مظاهر التعصب كثيرة وأهمها:الدغمائية، إذ يعتقد المتعصب بأن ما لديه من أفكار هي حقائق وثوابت لا يجب التشكيك في صحتها ويرفض حتى مناقشتها وهو هنا يدخل نفسه في تناقض إذ تثبت التجارب بأن مناقشة الثوابت -بمعناها المطلق- لا يزيدها إلا ثباتا فكم من دراسة ومناقشات أجريت على قانون الجاذبية لنيوتن ما زاد ذلك القانون إلا رسوخاً وتأكيداً على صحته، فالخوف من مناقشة الثوابت إنما يعكس ضمنياً ضعفاً في الإيمان بها، وانكار امتلاك الفرد لذاته، وبهذا لا يعترف المتعصب فكرياً بأحقية الإنسان في حرية الاعتقاد، كما أنه يميل إلى إلغاء ذاته بانقياده الأعمى لقادة الأيدلوجية التي يعتنقها دون تفكير، يقبل ما يقبلون ويرفض ما يرفضون، و ازدواجية المعايير، فبينما يعطي المتعصب لنفسه الحق في فرض اعتقاده بالقوة على الآخرين، ينكر على الآخر قيامه بذلك، متهمًا إياه بالتعصب !!! ويفسر المتعصب تناقضه الفج بادعاء غير منطقي وهو أن قناعاته هي الصواب، وبهدف تبرير صراعه وحشد التأييد؛ يعتمد المتعصب آراء وممارسات المتطرفين في المناهج الفكرية الأخرى للحكم عليها، متجاهلاً آراء المعتدلين فيها رغم أنهم أغلبية وسهولة عزله فكرياً، وذلك من قبل داعمي التطرّف، بما يجعله عاجزا عن ملاحظة نتائج تعصبه رغم وضوحها الشديد، فعزله في زاوية ضيقة لا تتيح له سوى رؤية جوانب الخلاف مع الآخر متعامين عن رؤية مساحات الاتفاق الواسعة معه، كما يمكن أن يصاب بهذيان الاضطهاد فقط لأن أحدهم أقنعه بأنه مضطهد، متجاهلاً كل الدلائل على الواقع والتي تشير إلى عكس ذلك و عدم الاعتراف بعالمية الانتماء، فتفكير المتعصب البدائي يجعل انتماءاته ضيقة جداً، إذ يميل المتعصب إلى تصغير دائرة الانتماء إلى الحد الذي يجعله يعيش في صراع دائم مع من حوله، مثال ذلك إذا لم يحقق له اعتناقه لدينه ذلك الوضع يقلص دائرة انتمائه إلى مستوى المذهب ليتيح له ذلك الصراع مع المذاهب الأخرى، وتحقيق مكاسب على مستوى السلطة والأتباع والمال.
وعن سلبيات التطرف للفرد والمجتمع، قال البلوشي ” غالبية ما يشهده العالم من صراعات وحروب ومجاعات مرده إلى التعصب الفكري الذي لا يلبث أن يتحول إلى تعصب انفعالي، وما الإرهاب إلا الابن الشرعي لهما باعتبارهما يقودان الفرد إلى التطرّف السلوكي، كما أن هناك علاقة طردية بين التعصب والتأخر الحضاري كوّن أن الأول من أهم معيقات تطور المجتمعات الذي يبدأ في الغالب في المستوى الفكري، وهو المستوى الذي تستعر فيه الحرب بين المتعصب الذي يجرم التفكير الحر وباقي أطياف المجتمع، ولسنا بحاجة إلى التدليل على حقيقة أن المجتمعات المتعصبة تعد بيئات طاردة للعقول، ولأن التعصب لا يولد إلا تعصباً وكراهية فإن مآلات ذلك مجتمع متشرذم تصارع فيه كل طائفة الأخرى بالإضافة إلى كونه هدفا سهلا للقوى الخارجية لتحوله إلى ميدان لصراعاتها وطموحاتها السياسية .”
وعن كيفية محاربتنا لهذه الظاهرة السلبية، أفاد أ.طلال” لأن التعصب يقوم على أسس بدائية بسيطة يسهل تسويق أفكاره لشريحة كبيرة من البشر، على عكس الاعتدال الذي يبنى على أسس تتطلب سلسلة من العمليات المعقدة كون نتائجه غير مباشرة وبعيدة الأمد وتصب في مصلحة المجتمع لا في جيب الفرد، فإن ذلك يتطلب بذل جهد كبير على مستوى الفرد وعلى مستوى المؤسسات، ولكي نستطيع وأد بذور التعصب في عقلية النشء كإجراء وقائي؛ وجب تحقيق أسبقية الوصول إلى وعيهم لتحصينه ضد هذا الداء بالتوعية بأساليب المتعصبين وأضرار التعصب، ولابد من يتولى ذلك الأسرة والمسجد والمدرسة والجامعة والإعلام بمختلف قنواته، وكإجراء علاجي لمن وقع في فخ التعصب الفكري، من العلاجات التي أثبتت نجاحاتها في علاج الأمراض النفسية التي ترتبط بالتفكير “العلاج المعرفي” الذي يقوم على معالجة المشاعر السلبية عن طريق تغيير الأفكار وتصفيتها مما يشوبها من تشوهات لا تمت إلى الواقع بصلة مما ينعكس إيجاباً على الانفعالات ليحولها من مشاعر سلبية إلى مشاعر إيجابية، ويتطلب هذا إتاحة الفرصة للمعتدلين وفتح المنابر لهم للحديث عن كل ما يتعلق بالتطرف الفكري، بالإضافة إلى عقد جلسات عيادية موجهة لمن تظهر أعراض التطرّف عليه .”
واختتم البلوشي الحوار بكلمة وجهها عبر “أثير”، قائلا “لحفظ المجتمع من داء التعصب الفكري وجب تبني أسلوب “المناظرة” في المدارس ومؤسسات التنشئة الأخرى على اعتبار أن هذا الأسلوب يحصر معالجة ما يتعلق بالقضايا الفكرية على المستوى الفكري فقط مجنباً المجتمع تحولها إلى تعصب سلوكي، كما يعلم الفرد الرقي في التعامل مع الخلافات الفكرية ولا بد أن نستحضر أمرا غاية في الأهمية، وهو أن الظلم الذي يتعرض له الفرد أو المجموعة من أكبر محفزات التعصب الفكري، فالعدالة لقاح أثبت فعاليته في العديد من المجتمعات ضد سرطان التطرّف”.
جدير بالذكر أن هذا اللقاء جاء بعد مشاركة الأستاذ طلال البلوشي في ندوة عن ” التطرف الفكري” نظمتها لجنة الفكر في الجمعية العمانية للأدباء والكتاب يوم الأربعاء الماضي بمقر الجمعية في مرتفعات المطار .