الدكتور رجب بن علي العويسي
كاتب ومؤلف وباحث في المواطنة والتنمية والأمن الاجتماعي والتطوير المؤسسي والفكر الشرطي والتعليم
يطرح تساؤلنا جملة من الموجهات التي ينبغي أن يضعها التعليم، كمنطلق لتقريب أهدافه ومبادئه ومناهجه من فهم الأجيال، وقدرته على استيعاب التحولات التي تعيشها، وانعكاسات ذلك على توقعاتها وطموحاتها فيه، إذ وضوح هذه الأطر في التعليم، تتيح للمتعلمين فرص قراءة التوقعات نحوه ، والمدى الذي يمكن أن يحققه في أرصدة النجاح القادمة، ومنحى الواقعية التي يمكن أن تتخذها أهدافه في تشخيص احتياجات المجتمع عبر فرص العمل المتحققة، والمهارات المطلوبة، لبناء مرحلة متقدمة في سلوكه المهني ، واتجاهات إيجابية واضحة تدعم تصوراته حول الحياة وطبيعة الدور القادم، ونوعية المساهمات والمبادرات التي تعزز مشاركته في الوفاء باستراتيجيات التنمية، لما قد ينتج من التناغم الحاصل بين التعليم في أهدافه وغاياته وسياساته وبرامجه، وبين قناعات المواطن وثقته في التعليم ، وما يحمله له من فرص نمو هذه التوقعات واستمرارية حضورها في أروقة مؤسساته، وما تضيفه له من فرص الابتكارية، وتحقيق المواءمة، وكفاءة برامج التدريب والتطوير والتحسين والمهارات المعززة لفارق الانتاجية، مرتكزات الوصول إلى مرحلة التوقعات، عبر التزام كل طرف أدوات عمل واضحة، تتخذ من مشترك التعليم نافذة للوصول إليها، بالشكل الذي يصنع من توقعات المواطنين حوله، سلوك عمل قادم ، وخطط تنفيذ واقعيه، مع الايمان بفرضية عدم تحقق كل التوقعات، لما تحتاجه من قرار استراتيجي قد لا يكون في وسع التعليم تحقيقه، أو مزيد من الوقت لإضافة صلاحيات جديدة ، تتناسب وحجم المسؤوليات الحالية والمتوقعة، ولما تفتضيه في سبيل ذلك، من دراسات تقييمية وتشخيصية واستشرافية ، وتستدعيه من جهود المراجعة والتشخيص للتعليم وبرامجه وخططه، وتتطلبه من كفاءة الموارد وزيادة حجم الانفاق وتوفير مشروعات تعليمية قادرة على الوفاء بالتوقعات وتحقيق عائد منها، في ظل ما تحتاجه من مساحة الانتظار، للوصول إلى نتائج مقنعه ، وعمليات وأدوات محققه للمعايير ، مما يحتم على التعليم أن يبني أدوات عمله وبرامجه وفق ثقافة ابتكارية داعمة، ومناهج متطورة قادرة على الوفاء بالتزاماته نحو كسب ثقة المواطن، وتعزيز حضوره في مجالات العمل والتشغيل وبناء القدرات واستثمار الموارد ، وتوفير نماذج قياس، وأنظمة اداء فاعلة للوصول الى الجودة التعليمية، وبالتالي دور التعليم في رصد هذه التوقعات واستلطافها في سلوك المتعلمين، وقراءتها في انتاجيتهم واجتهادهم وقدراتهم ، وبناء أُطر تثقيفية وتدريبية وتطويرية قادرة على ايضاح صورة العمل الناتج، ورسم خارطة مكبرة للمواطن حول موقعه في منظومة التعليم وحجم الشراكة المطلوبة منه، في ظل المتاح من الفرص التعليمية الحالية، وكيف يمكن أن يوّفر مسارات وظيفية داعمة للشباب، وأرصدة نجاح لمواصلة مشوارهم المهني، وزيادة فرص التميز لديهم عبر تمكين الشركات الطلابية من مواصلة سلم النجاح ودخولها تحدي المنافسة.
على أنه يجب أن نكون واقعيين في توقعاتنا، فالتعليم ليس عصاَ سحرية، تمنحنا كل ما نرجو، بدون أن نفتح له عقولنا، أو نبني له ضمائرنا، أو نُحسن له صنعنا، أو نجدّد له ولاءنا، فنسعى لجودته، ونطّوّر أدواته، ونحترم قواعده، حتى يعطينا ما نريد، ويضمن لنا الريادة فيما أردنا الوصول إليه منه؛ وكيف نصنع منه مائدة استهلاكية، ونطلب منه انتاجا؛ أو ندخل فيه من ليس كفؤا لحمل رسالته، ونطلب منه الاحترافية؛ أو أن نختزل هدفه فنضع منه كبش فداء لتقليص مصروفات الموازنة، يدفع ثمنها ويغطّي عجزها، وليس من حقه الاستفادة من موارده والاستمتاع بأرصدته دون إذن، وكيف نريد منه شيئا كبيرا، وتوقعاتنا حوله أكبر من أن يتحملها؛ نطلب منه حلولا تعجيزية لمشكلاتنا، وتأثيرا في وعينا الاجتماعي، وهدفا لبناء المواطنة وترسيخ للهوية، في حين أنّ ثقتنا في مؤسساته ما زالت مضطربة. وبالتالي فإن وضوح هذه الموجهات للمتعلم، سوف يعزز من فرص رصد سقف التوقعات التي يمكن أن يصنعها التعليم، ويبقى الفارق فيها راجع إلى طبيعة الممارسة التعليمية والادوات المستخدمة في تحقيقها من داخل المنظومة، وكفاءة توظيفها في تحقيق مسارات الجودة والتنافسية والتنويع.