مسقط-أثير
حدد ديننا الإسلامي علاقتنا الأخلاقية بكل ما هو حولنا بما في ذلك الممارسات التجارية ، وخير تاجر وناصح على مر الزمان حبيبنا المصطفى صلوات الله عليه ، حيث روى الترمذي في سننه من حديث قيس بن أبي غرزة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسمى السماسرة، فقال: (“يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ وَالْإِثْمَ يَحْضُرَانِ الْبَيْعَ، فَشُوبُوا بَيْعَكُمْ بِالصَّدَقَةِ). وما هذا الحديث إلا مثال من قطرة في بحر عميق عن الأخلاقيات التجارية والتسويقية، نستلهم من هنا ضرورة إحساس صاحب كل مؤسسة أو شركة بالمسؤولية ، لنسلط الضوء عليه في سطور بَنان هذه.
عندما تضع المؤسسة الناس و المجتمع و البيئة محط اهتمام فإنها تسعى بذلك لتكون مسؤولة مجتمعياً. لذا إذا تحدثنا عن التسويق المسؤول مجتمعياً ، نستطيع القول بأنه ما يتخذ الأفعال الأخلاقية محورا أساسياً لتشجع الأثر الإيجابي على جميع الأصعدة، متضمناً الموظفين و المجتمع و العملاء و المالكين.
من أهم مسؤوليات المسوقين في هذا المجال هو معرفة الأسلوب الأمثل لتطعيم و توصيل قرارات مؤسساتهم إلى فئاتهم المستهدفة و التي قد تؤثر على العديد من المجتمعات أو الفئات الأخرى و تبعاً لذلك قد يختلف كيفية التفاعل معها ، لذا قد يصيب المسوقون في ذلك ، و قد يحدث ما لم يكن في الحسبان ؛ فلدى الناس الحق و القوة في حسم نجاح أو فشل الشركات و المؤسسات أو أي عملية تفاعلية يقوم بها المسوقون من جهات مختلفة. لذا على أولئك المسوقين مسؤولية غير هينة للتحقق من أن ممارساتهم خاصة المرتبطة بالممارسات الإنسانية أن تنفذ بأصالة ومصداقية و دون أي خداع و تظليل لأن “كارما” العلامة التجارية أحد أبرز المؤثرات التي يصنع من خلالها المستهلكون قراراتهم. لذلك فمن الضروري التركيز على الأخلاق و القيم السائدة في المجتمع مما يقودنا إلى ما يسمى بالتسويق الأخلاقي.
ويعد التسويق الأخلاقي فلسفة تركز على المصداقية و العدل و المسؤولية. على الرغم من أن تقييم المجتمع للخطأ والصواب في ممارسات التسويق قد يكون انحيازيا أو متأثرا بأحداث أو أعراف معينة ، إلا أنه يمكن لمجموعة من الضوابط العامة أن تخلق الموضوعية في ذلك ، و تلك الضوابط و القوانين قد تتضمن معايير مشتركة في علاقات التسويق والاتصالات والتفريق الواضح بين الدعاية و بين مذْهب القائلين “إِنَّ المعرفَة لَاتنشأ إِلَّا بالإِحساس أو التجربة بدلاً من الاستناد على الدعايات”.
والسؤال الذي نطرحه هنا ؛ كيف و من يحدد تلك المعايير ؟ و هل توجد طريقة لتنظيم الممارسات التسويقية لتصبح مسؤولة أكثر ؟
لمعرفة أفضل الطرق التي تضمن ذلك ، من المفيد البحث عن أبرز الأمثلة لأفضل الممارسات في هذا المجال، وفي هذه الاحوال نشير بالبنان إلى القيم و الأعراف و الأخلاقيات التي أعدتها جمعية التسويق الأمريكية في وثيقة تتضمن التصرفات الصحيحة التي يجب على المسوقين اتباعها. و تنص مقدمة الوثيقة باختصار على : أن القيم تمثل مجموعة من الأفكار المرغوبة غير المنافية أخلاقياً. و تعد القيم المذكورة في الوثيقة معايير يقاس بها ممارسات المسوقين و تقييمها. هذه القيم تسهل المسارات في التعاملات التجارية مع العامة و مع كل من هو ضمن نطاق العمل أو السوق. وتتضمن الوثيقة الأمريكية ست قيم أخلاقية متوقعة من قبل المسوقين:
– أولها المصداقية في كل الأمور.
– ثانياً: المسؤولية وذلك عن طريق تقبل النتائج المترتبة على الممارسات التسويقية و خدمة المستهلكين لتلبية كافة الاحتياجات وأيضاً مسؤولية الحفاظ على البيئة.
– ثالثاً: العدل من خلال الأخذ بعين الاعتبار حاجات و متطلبات المشتري و رضاه في ظل رغبة الشركة أو المؤسسة لكسب أرباح ، و تجنب التلاعب بكافة الصور و الحفاظ على معلومات العملاء.
– رابعاً: الاحترام؛ احترام كرامة الانسان وجميع المساهمين في الشركة. وأيضاً الشفافية: وذلك بالمصداقية في الممارسات التسويقية و التواصل و النقد البناء لضمان ولاء العملاء.
– وأخيراً المواطنة: وهي تحقيق كافة المسؤوليات القانونية و الاقتصادية ، الخيرية الإنسانية والمسؤوليات المجتمعية و العطاء المتبادل مع المجتمع و حماية البيئة الطبيعية كذلك.
–
ومن جهة أخرى صممت الوثيقة الكندية معاير الأخلاقيات و الممارسات لتتضمن بنودا أخلاقية توجه المسوقين على الرغم من أن المسوقين مسؤولون عما يقدمونه من محتوى. و تركز الوثيقة كذلك على حماية المعلومات و البيانات الشخصية و الإلكترونية. كما تحتوي على قيود للحملات تتضمن عدم الخوض في ممارسات استغلالية و فرض حماية خصوصاَ لمجموعات المستهلكين الأكثر ضعفاً في المجتمع كالأطفال و المراهقين و كبار السن و العملاء ذوي الإعاقات.
وقد لا يجد أصحاب المؤسسات في كل مكان قوانين أو معايير رسمية تنظم العملية التسويقية و تجنبه من الدخول في القائمة السوداء لدى المستهلكين ولكن بإمكان كل مؤسسة أو شركة ضبط معاييرها الخاصة بما يتناسب مع بيئة و ثقافة الشركة و كذلك رؤيتها و أهدافها المستقبلية و الصورة التي ترغب في خلقها في ذهن المستهلكين.
لتنجح كصاحب مشروع أو مؤسسة في خلق ثقافة أكثر إنسانية واجتماعية لمؤسستك عليك تحديد الآتي :
– فهم أخلاقيات و ثقافة المجتمع المحيط و تحديد ما هو أخلاقي لشركتك.
– تحديد أسلوب أخذ الأخلاقيات في عين الاعتبار في تسويقك.
– تحليل و تقييم تكلفة التسويق الأخلاقي على المدى البعيد
– النظر للأمور من منظور العملاء لمعرفة ما قد يتقبله أو يرفضه المجتمع.
– الإبداع و الابتكار لتعزيز تجربة المستخدمين و تسهيل تقبلهم للممارسات التسويقية للشركة خاصة الجديد و غير المتعارف منها على المجتمع.
– التأكد من إضافة قيمة للمنتج و ليس فقط التركيز على إنتاج الأرباح لضمان ربح الجميع في نهاية المطاف.
– الإحساس بالمسؤولية اتجاه المجتمع و الدور الذي تلعبه شركتك في تنمية المجتمع نحو مستقبل أفضل.
يجب علينا ألا ننسى أن العملاء الآن أصبحوا أكثر وعياً ، ولكل منهم أفكاره الخاصة و المتباينة ، لذا يجب على الشركات تصميم خطة تسويقية ذات طابع أخلاقي و متكامل يتماشى مع جميع نواحي خليط التسويق. بذلك تضمن نجاح و استمرارية مؤسستك أو شركتك في السوق ليشار إليك بالبنان كلما بحثنا عن أفضل الشركات المسؤولة مجتمعياً بمنتجاتها أو خدماتها و كذلك بممارساتها التسويقية الذكية.
الآن أصبح بإمكان الجميع أن ينتجوا سلعا أو خدمات بأنفسهم. فلقد انتهى عصر الإنتاج وبدأ عصر التسويق في عالم متغير .لكن يجب عليهم أن يدركوا أهمية العمل في التسويق بأسلوب منهجي وبطابع أخلاقي الذي من شأنه أن يقيهم خطر التسويق المضلل.
مقال تنشره “أثير” بالتعاون مع “مبادرة بنان”