أثير- سيف المعولي
في السطور القادمة سنتعرف على قصةٍ واقعية حدثت في مجتمعنا العُماني، “تُعرِّي” تفاصيلها “الذئاب البشرية” التي “لا ترقب إلّا ولا ذمة” مع أنفسها ومع الله. وتبعث القصة برسالة عاجلة إلى الأبوين: راقبوا أبناءكم باستمرار، فثمة “خطر” قد يُردِيهم إلى المجهول عندما تتغلب “طراوة” لسان الشيطان على براءة طفولتهم، لكنها في المقابل تُعطي الأمل لمن وقع “ضحية” بأن هناك أياديَ تأخذ بهم إلى العلاج، وأخرى تأخذ حقهم بسلطة “القانون” الذي لا يُعلى عليه.
تبدأ الحكاية -التي حصلت “أثير” على تفاصيلها- مع طفل عمره 10 سنوات، لاحظ أبواه وإخوته بأنه يملك هاتفًا ذكيًا ومبلغًا ماليًا يفوق مصروفه اليومي، وعندما سألته أخته الكبرى عن ذلك ادّعى بأنه عثر على تلك الأغراض على الشاطئ.
لم تكن الإجابة مُقنعةً للأخت الكبرى، فجاء السؤال من أبيه، فبدأ الطفل في إطلاق إجابات مترددة، وعندما جاء دور أمه لم يستطع الصمود أمام “حنانها” والكتمان أمام تكرار سؤالها فاسترسل في كشف “المستور”.
كان الطفل يتمشّى قريبًا من منزلهم، فوقفت سيارة وعرض عليه سائقها أن يوصله إلى أي مكان يريده، وأصرّ عليه إلى أن ركب، فاصطحبه إلى الشاطئ، ثم إلى إحدى المناطق المجاورة، واشترى له من أحد المحلات مشروبًا غازيًا ومقرمشات، وأعطاه مبلغًا ماليًا بسيطًا. وفي السيارة اقترب منه وعرض عليه مقاطع فيديو، وفي آخر اللقاء عرض عليه أربعة هواتف ذكية، ووعده بإعطائه أحد تلك الأجهزة إذا قابله مرة أخرى.
وفقًا للموعد المتفق عليه، قابل المعتدي الطفل من جديد واصطحبه إلى منطقة مجاورة غير مأهولة بالسكان تبعد عن المنزل مسافة تزيد عن (90) كم، وتحرّش به، وقبل المغادرة سلّمه أحد الهواتف، ووعده بإعطائه شريحة إن قابله مرة أخرى ليكونا على تواصل، واتفق معه على موعد ثالث.
صُعِق أفراد العائلة عند معرفتهم بالتفاصيل، فقاموا بإبلاغ الشرطة على الفور، وتم الاتفاق على وضع كمين للمعتدي؛ فعندما التقى بالطفل في الوقت المتفق عليه، حضر أفراد الشرطة وقاموا بالقبض عليه ومصادرة بعض الأغراض الموجودة بالسيارة، ومنها مواد يستخدمها في “ممارساته الشاذة”.
بعد وصول القضية للادعاء العام قام بإصدار خطاب لدائرة الحماية الأسرية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، يفيد بتعرض الطفل للتحرش الجنسي، لتبدأ الدائرة إجراءاتها “العلاجية” المتوازية مع الإجراءات القانونية وفق قانون الطفل الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (22/2014).
بدأت الإجراءات بتكوين فريق قانوني/نفسي، حيث تم التواصل مع الادعاء العام للحصول على بعض البيانات حول الطفل وأسرته، وحول الشخص الذي قام بالتحرش به، ثم تم التواصل مع الوالدين والالتقاء بهما للحضور برفقة الطفل إلى الدائرة، وتمت مقابلتهما والتعرف على أهم جوانب المشكلة، ثم اُستدعي الطفل إلى القاعة التي يوجد بها الوالدان والأخصائية النفسية، وطلبت منه الباحثة القانونية الجلوس بالقرب منها في ركن بعيد نسبيًا عن مكان جلوس الآخرين، ولوحظ على الطفل البشاشة والهدوء، وكان يجيب بسهولة عن أسئلتها حول دراسته وعلاقته بإخوته وزملائه، ثم طُبِّق عليه اختبار نفسي، اسمه “اختبار تفهم الموضوع للأطفال (cat)” وهو اختبار إسقاطي يتم من خلاله التعرف على مشاعر الطفل واتجاهاته نحو بعض المواقف في الحياة اليومية، وتحليل استجاباته وتعامله مع البطاقات الخاصة بالاختبارات.
في الجانب القانوني تم تطبيق المادة (56) من قانون الطفل على المعتدي، والتي تنص بـ ” يحظر على أي شخص ارتكاب فعل من الأفعال الآتية: (أ) اغتصاب طفل أو هتك عرضه أو التحرش به جنسيًا”. وقضى حكم المحكمة بسجنه سنتين وبغرامة (5000 ريال عماني) يُنفّذ منها 2000 ريال عماني للحق العام.
وأخيرًا: لم نسرد التفاصيل الدقيقة للحكاية؛ لأنها “مُقزِّزة”، خصوصًا إذا ما علمنا أن المُعتدِي مُتزوج ولديه أطفال، لكنها رسالة للآباء بأن “انتبهوا”، وتحذير لـ “الذئاب البشرية” بأن أفعالكم ستُكشَف عاجلا أم آجلا، إذ إن قانون الجزاء العُماني المعدّل مؤخرًا بالمرسوم السلطاني رقم (7/2018) أصبح صارمًا في التعامل مع هذا النوع من الإجرام.