فضاءات

د.عبدالله باحجاج يكتب: الانشغالات الخليجية بالمهددات الخارجية ..هل ستكون على حساب نظيراتها الداخلية ؟ رسالة عاجلة جدا

د.عبدالله باحجاج يكتب: الانشغالات الخليجية بالمهددات الخارجية ..هل ستكون على حساب نظيراتها الداخلية ؟ رسالة عاجلة جدا
د.عبدالله باحجاج يكتب: الانشغالات الخليجية بالمهددات الخارجية ..هل ستكون على حساب نظيراتها الداخلية ؟ رسالة عاجلة جدا د.عبدالله باحجاج يكتب: الانشغالات الخليجية بالمهددات الخارجية ..هل ستكون على حساب نظيراتها الداخلية ؟ رسالة عاجلة جدا

أثير- د.عبدالله باحجاج

لا يمكن أن تنظر دول مجلس التعاون الخليجي ” الست ” للتحديات التي تواجهها الآن بعين واحدة ، فلا بد من أن تفتح عينيها ، وتعمل عقلها ، حتى تبصر مجموع التحديات ، وما يُحاك لها سرا ، وذلك حتى لا يقع كما يقول المثل المشهور ” الفاس على الرأس ” خاصة تلكم الدول التي لم تصنع لها عداوات مع شعوب أخرى ولم تسقط أنظمتها أو تحاول إسقاطها .

نعلم بحجم الإكراهات الدولية على الدول الخليجية كلها – دون استثناء – وإن تلك التي لها مواقف مختلفة من قضايا أمنية إقليمية – تجد نفسها الآن مضطرة على التعاون والعمل الجماعي لصياغة منظومة أمنية مشتركة ، أو الدخول في منظومة إقليمية رغم تحفظاتها ، لأنها تعتقد أنها مقاربة ” الانحناء ” للريح – وليس الرياح – تحتم عليها رفع التحفظات لعبورها من مرحلة تغل خيارات الدول ، وتقلص هامش مناوراتها السياسية .

إعمال العقلانية تجعلنا نرى الواقع كما هو لا كما يجب ، أو على الأقل افتراضه وجوبا ، لأن المنطقة الخليجية تمر ” بريح عاتية ” شبيهة بتلك التي نسمع عنها في كتب التاريخ ، فالانحناء حكمة العقلاء ، وإدارة عقلانية تحتمها الوجودية ، لكن ينبغي أن تظل هناك إمكانية للعودة لمرحلة ما قبل الريح ، أو على الأقل باقل الخسائر .

هذا منطق مواجهة الأزمات الكبرى ، معنية به الدول التي لها تحفظات أصيلة على نقل تاريخية العداوة نحو إيران ، ومعارضة لسلاح العقوبات واستخدام القوة في حل الخلافات والمنازعات ، لكن هناك في المقابل منطق آخر لا يقل أهمية ، ومعنية به الدول الست مجتمعة ، من منظور أنها جميعها تعبر هذه الريح على متن سفينة واحدة ، لذلك لابد من أن تفتح عينيها لرؤية كل التحديات من كل الجهات ودون ذلك ، ستواجه عاجلا ، وربما بصورة متزامنة تحديات أكثر قلقا من التحديات الخارجية.

وينبغي التسليم بأن بعض الدول الخليجية قد رمت نفسها والآخرين في قلب هذا الريح ، ووجدت نفسها فاقدة الفعل وتحت ردة فعل قاهرة خاصة بعد مقتل خاشقجي ، كانت البداية الأزمة الخليجية /الخليجية 2017 ، مما أدخلتها في حسابات ضيقة ، أي رميت في زاوية ضيقة ، ولم تجد أمامها من خيار سوى الانفتاح على إكراهات خارجية ، تشكل تحولات كبرى في ثوابتها الاستراتيجية وسياساتها التاريخية .

بمعنى آخر ، أن غرور السياسة الخليجية بقوتها المالية ، وبإمكانية قدرتها على تغير الخارطة الجيوسياسية الإقليمية ، تدفع منطقة الخليج كلها الآن ثمن هذا الغرور ، وهو ثمن كبير ، لن تجد أية دولة خليجية نفسها بمعزل عن دفعه ، لأن التعاطي فرداني ، وهذا من تداعيات هذا الغرور ، هل دفع به إلى ذلك ؟ ليس مهما الآن فتح هذا الملف ، الأهم أن هذا الغرور قد أدرك حقيقة ذكائه ، ومن كان يصنعه ؟ ولماذا ؟

لكن ، للأسف بعد فوات الأوان ، بحيث أصبحنا الآن في مرحلة التداعيات المترتبة على الكل ، ودون استثناء ، وتكمن أهم تداعياته ، تحويل بوصلة العداء من الكيان الصهيوني إلى إيران والجماعات الإرهابية ، وهذا ما استشرفناه في لقاء إذاعي في ” الوصال ” مع الزميل موسى الفرعي في يناير عام 2017 ، وفيه استشرفنا كذلك ، بعودة بريطانيا للخليج مجددا ، ثم قدرتها على حل أزمات إقليمية ، مثل اليمن ، وهذا ما سمعناه مؤخرا في بيان أمريكي وبريطاني يدعو لوقف إطلاق النار.

والتداعيات كذلك تتجلى في فتح الأبواب الخليجية كلها للكيان الإسرائيلي ، وقبول تنظير نتانياهو ” التهديد المشترك” وتطبيقه على إيران والجماعات المتطرفة ، بل لقد تجاوزنا مسألة التنظير إلى التأطير المؤسساتي ، وهو ما تجلى لنا في مؤتمر المنامة الأخير الذي دعا إلى إقامة تحالف أمني جماعي في الشرق الأوسط ، يبدو أن تسميته قد استقرت الآن على مسمى ” تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي ” وذلك على ما يبدو لكي تستوعب دخول الكيان الإسرائيلي في هذا التحالف الإقليمي من منطلق ” التهديد المشترك ” .

ويبدو أن هناك التقاء حول مفهوم التهديد المشترك – بمقاربته المطروحة – سواء كان هذا الالتقاء عن قناعة سياسية أصيلة لعدد من الدول الست أو من منطلق فلسفة ” الانحناء للريح ” لكن ماذا عن التهديد المشترك الداخلي للدول الست ؟ وهل هناك توازن منطقي بين مواجهات التهديد المشترك الخارجي والتهديد المشترك الداخلي ؟

وهذه القضية تشغلنا كثيرًا لأنه تبدو لنا غائبة تماما عن اهتمامات السياسة الخليجية – الفردية أو الجماعية – وهنا تكمن الخطورة التي تتصدر اهتماماتنا ، والتي نحاول من خلال هذا المقال ، استدعاء الاهتمامات السياسية من أجل تصويب المسارات الراهنة ، فالمتأمل في طبيعة التحولات الداخلية التي طرأت على الدول الست ، سيلاحظ أن التهديدات الداخلية لا تقل شأنا عن نظيراتها الخارجية ، إن لم تتعاظم أهميتها ، فكيف لو تلاقى هذان النوعان من التهديدات في وقت متزامن ؟

سنحاول هنا توضيح أهم ملامح هذه التهديدات الداخلية التي تستهدف كل بنية خليجية من الدول الست ، وذلك بغية حمل أهميتها إلى مصاف التهديدات الخارجية ، كإقامة تحالف أمني مشترك على المستوى الجماعي أو مساهمة مليار دولار من قبل إحدى الدول الخليجية لجهود مكافحة الإرهاب .

وهنا نلفت انتباه الساسة في الخليج إلى أهم مهددين داخليين ، هما ، التداعيات الاجتماعية من التطبيع مع الكيان الصهيوني وهو لا يزال يحتل الأراضي العربية ومقدساتها ، أو على الأقل لم يقدم خطوة عملية تجاه قضايا الحل النهائي ، ومع هذا يقدم له كل التنازلات ، وهذا يمثل لهذه الشعوب قهرا سياسيا ، يستوجب على الأنظمة الخليجية استيعاب وتفهم هذه الأبعاد النفسية ، وبل والتسليم بها ، لأنها وليدة تراكمات ، وشكلت ذهنيتها طوال العقود الماضية ، ولا نتصور بسهولة قبول التحولات السياسية الجديدة في العلاقة بين الخليج والكيان الصهيوني .

وهذه الحالة السيكولوجية الشعبوية ، ستظل جاثمة على المرحلة الخليجية المقبلة ، وستتلاقى معها ، مجموعة تداعيات ناجمة بدورها عن تحولات اقتصادية ، أصابت البنية الاجتماعية في العمق ، وتجعلها قابلة للتفكك ، مما تصبح البيئة الداخلية الخليجية مواتية ومهيأة لردة فعل غير مسيطرة عليها ، ويمكن استشراف ملامحها بسهولة .

هناك مجموعة تداعيات متداخلة وعميقة جدا ، فمثلا البطالة المرتفعة في صفوف الشباب الخليجي ، وتصل في كبرى وحدات الخليج السياسية إلى أكثر من (12%) ، وهناك حالات الطلاق والعنوسة ، ففي قطر وصلت نسبة الطلاق إلى (38،8%) بينما تصل النسبة في الكويت (37% ) وفي السلطنة تم إصدار (7156) وثيقة عقد زواج مقابل (1343) وثيقة طلاق ، هذا خلال الثلث الأول من العام الحالي 2018 ، ومصادر بحثية خليجية ترجع من بين أسباب الطلاق ، عدم مقدرة الرجل على الإنفاق ، وبالتالي تكون عدم المقدرة المالية كذلك من بين الأسباب التي تؤدي إلى العنوسة في الخليج ، وكذلك من بين الأسباب تعاطي الزوج المخدرات وإدمانه على الكحول .

وهذا يعني أن الأسرة الخليجية ، بدأت تتفكك ، وسيزداد القلق عندما تطبق الدول الست جمعيها ضريبة القيمة المضافة ، فهل الدول الخليجية تهتم بهذه التحديات التي تهدد أمنها واستقرارها الداخلي ؟ هي تحديات مشتركة ، بمعنى أنها واحدة في كل الدول ، لكن يبدو لنا أنها لا تشكل اهتماما خليجيا يوازي اهتمامها بالتحديات الخارجية .

ويمكن هنا أن نضيف كذلك من بين أهم التحديات ، استعداء بعض الوحدات الخليجية نخبها ، وكذلك عدم إيجاد الآلاف من أبنائها فرصا في التعليم الجامعي ، فالآلاف من الشباب داخل بعض هذه الدول هم إما باحثون عم عمل أو باحثون عن تعليم ، تنطبق الصفتان على كل شاب منهم ، وهنا تبدو المفارقة للوعي السياسي ، فكيف نتصور المشهد في ضوء اعتلاء الآلاف من الشباب الخليجي على قمم اليأس والإحباط ، فلا هم على مقاعد الدراسة يصنعون مستقبلهم ، ولا في مواقع وظيفية يحققون آمالهم ، ويستوي عندهم ليلهم ونهارهم ، مقابل وجود أسر تتفكك ، وتتكاثر في المجتمعات الخليجية المطلقات والعوانس .. إلخ .

فكيف تتوجه هذه الدول نحو الحفاظ على سيادتها من مهددات خارجية ، وتتغاضى عن انهيار بنياتها الداخلية ، وهي تعلم يقينا أن سيادتها دون تماسك ومتانة قوتها الداخلية ، سيبدو لها في النهاية ، أنها تبذر أموالها لصالح دول أخرى وليس خدمة لأمنها واستقرارها ، فهل هذه المسألة الجوهرية مدركة الآن ؟

هناك الملايين إن لم تكن المليارات ستصرفها الدول الخليجية على التحالف الأمني الإقليمي الجديد لمواجهة ” التهديد المشترك ” فهل هذا التحالف سيتدخل داخل كل دولة ضد شعوبها ؟ لأننا لا بد أن نتصور مشهدا حتميا سيخرج من رحم تلكم الانهيارات الاجتماعية ، قد تقوده ديناميات ( نخب ) فمن لا يملك أملا للمستقبل ، ولا طموحا متاحا لتحقيقه ، ومن يقبع في قاع الحاجة اليومية ، سيستوي عنده (زيد وعمر ) ولن يهمه فقدان الأمن العام ، لأنه فاقد أمنه الخاص ، وستقوده عقلية القهر إلى رؤية التناقض بين الإنفاق الكبير لكل دولة خليجية لمواجهة (سراب) يهددها من الخارج ، وبين تحديات حقيقية داخلية ، محظور الإنفاق عليها لمواجهة تداعياتها ، سابقا كان المبرر الأزمة النفطية ، والآن ليست هناك أية مبررات مالية أو اقتصادية .

ومن المصلحة الخليجية الفردية والجماعية على السواء التحذير من التقاء التداعيات الداخلية لتلك التحديات بالتداعيات السيكولوجية الناجمة عن انصهار الكيان المحتل ضمن منظومة التهديد المشترك لمواجهة فاعل إقليمي ” طهران ” يجمع خليجيا على مواجهته سلميا وليس عسكريا وأمنيا ، لأن الشعوب تؤمن بأنه لو اجتمعت الدول الست ، وأجمعت على الحوار مع إيران ، لتمكنت من تصفير الخلافات معها ، مثل ما فعلت جيبوتي وأثيوبيا وأريتريا ، ونعتقد أن الظروف السياسية قد أنضجت الآن العقليات السياسية في المنطقة – يفترض ذلك أو ينبغي أن يكون ذلك – لأن الخيار البديل لطهران سيكون إما العقوبات المشددة أو العمل العسكري أو هما معا ، وكلا الخيارين صعب لها ، والخليج استمرار الرعب واستنزاف ثرواتها ودخولها في احتكاكات مع شعوبها ، فهل الرؤية الأخيرة ، تبلغ الآن مبلغ الوعي السياسي الحتمي للسياسة الخليجية بعد مغامراتها الداخلية والإقليمية التي تقودها الآن إلى المجهول؟ .

نؤمن من خلال تجربتنا العمانية ، أن الأمن الخارجي للدول مرتبط أولا بالأمن الداخلي ، ومنه – أي الأمن الداخلي – يمكن للدول أن تُسهم بقوة في ترسيخ السلام واستتابة الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي ، ودونه ، لا يمكن أن يتأتى الأمنان في وقت واحد ، هكذا تقول تجربتنا العمانية ، وهكذا نستنطقها الآن لحاجة الأمن الجماعي والفردي للدول الست ، فهل رسالتنا فُهِمت ؟

Your Page Title