فضاءات

د.عبدالله باحجاج يكتب: “ألم أقل لكم أن ظفار فيها خير”، ومزرعة زينة الصحراء نموذجًا

د.عبدالله باحجاج  يكتب: “ألم أقل لكم أن ظفار فيها خير”، ومزرعة زينة الصحراء نموذجًا
د.عبدالله باحجاج يكتب: “ألم أقل لكم أن ظفار فيها خير”، ومزرعة زينة الصحراء نموذجًا د.عبدالله باحجاج يكتب: “ألم أقل لكم أن ظفار فيها خير”، ومزرعة زينة الصحراء نموذجًا

أثير- د.عبدالله باحجاج

قضينا ليلتين قمريتين في النجد الظفاري خلال عطلة الأسبوع الماضي ، وتحديدًا في مزرعة الشيخ فهد بن سعد الشريجي جداد ، وكلما نطلق مدى البصر نشاهد مزارع المواطنين المنتشرة في صحراء الربع الخالي ، والتي تفصلها على حدود بلادنا مع السعودية ” 120″ كم وربما أكثر قليلا ، وقد تحدثنا عن هذه المزارع في مقالات عديدة، وأعددنا فيلمًا مصغرًا عن إمكانات النجد الزراعية والتحديات التي تواجهها.

لكن زيارتنا الأخيرة لها موضوع للكتابة مختلف، لن نكرر ما قلناه سابقا، ولا ما ذكرته المبدعة إيمان الحريبي في تحقيقها الأخير عن النجد الزراعي ، وإنما سنتناول فيه متابعتنا الميدانية لما بشر به سعادة المهندس محمد أبو بكر الغساني نائب رئيس مجلس الشورى المزارعين من استجابة السلطات العليا في بلادنا لبعض مطالبهم العادلة.

ذهبنا هناك كي نرى هل رأت التوجيهات العليا النور أو إنها سترى قريبا ؟ كان يشكل ما يطرحه هذا التساؤل المزدوج ، هاجس الزيارة تحت إلحاح رغبتنا في الاستمتاع بالصحراء تحت ضوء القمر في ليلتيه ” 14- 15″ فتحققت هذه الأخيرة بصورة تفوق الخيال ، غير أن اكتشافنا بأن أي شيء مما حمله سعادة الغساني للمزارعين لم يتحقق على الأرض ، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى ذلك.

التعليمات كما نُقلت للمزارعين ، تسلم بالواقع الزراعي في النجد كما هو من حيث المساحة وفق معيار المساحات المزروعة ، ومنح ملكية حق الانتفاع لكل مزرعة وفق حدودها الزراعية القائمة ، وليس تقليصها وفق ما تقترحه اللجنة المحلية ، وهي مقترحات تحمل في مضامينها فكرة الهدم ، أي هدم مزارع قائمة منذ عقود ، وإحلالها بفكرة ” العزب “– يراجع المقالات والفيلم – وهذه خطوة غير موضوعية ، ولن يقبلها الواقع الميداني ، كما تعطي الانطباع بمشهد غريب ، بدأ يتغلغل في القناعات ، وهو محاولة غل يد هؤلاء الشباب ، وإطلاق يد الشركات الزراعية الكبرى ، مشهد قد لا يكون مستهدفًا في ذاته ، لكن التعاطي معه بعقلية ” العزب ” ينتجه شكلا ومضمونا.

ففي النجد هناك كذلك سبع مزارع حكومية ومشتركة باستثمار خليجي بمساحات كبيرة ، معظمها منتجة ومتخصصة في إنتاج الحشائش ولحوم الدواجن والعصائر والبيض المخصب والفواكه والخضروات ، والتمور واللبان الظفاري .. وإذا ما أضفنا إليها (1196) ألف مزرعة للمواطنين – وفق الحصر الرسمي- فإن ذلك المشهد يتعزز في القناعات بصورة أكبر ، لأن وراءها فعلا منافسة حقيقية ، فشبابنا وبحكم أسبقيتهم في اكتشاف الماء والزراعة في الصحراء قد تمكنوا من تحقيق الاكتفاء من الحشائش وللكثير من الفواكه والخضروات ، بل وحطموا الأسعار التي كان يحتكرها العمالة الوافدة ، علما بأن مزارعهم لا تتجاوز مساحتها (20) ألف فدان ، وهي في مجملها تعادل أقل من مزرعة من المزارع السبع .


والصور المرفقة مع هذا المقال ، للشمام والخيار والتمور والليمون والبطاط والبطيخ والذرة .. هي آخر إنتاجات هذه المزارع ، وهي ذات طعم فريد ولذيذ جدا .. ومن إنتاج مزارع المواطنين ، فمثلا ، مزرعة الشيخ فهد التي قضينا فيها ليلتي القمر ، آخر إنتاجها كان (250) طنًا من البطيخ (الجح ) وكذلك (110) أطنان من الأعلاف للسوق المحلي في ظفار و(120) طنا يتم بيعها في سوق الموالح ، وبسبب منافسة الشركات الكبيرة لمزارع المواطنين ، فقد ضرب سعر الأعلاف بصورة لم يغطِ حتى سعر التكلفة .. وقد أوردنا الأعلاف والبطيخ على سبيل المثال فقط ، فكيف بوضع المزارع الأخرى ؟



ومسألة عالية الجودة لمنتوجات النجد ، لها قصة تعرضت لها بصورة مفاجئة ، فأثناء الشروع في كتابة هذا المقال ، فإذا بشخصية مطلعة تقتحم عالم عصفنا الفكري ، وتفتح معنا تغريدتنا التي عبرنا في ليلة قمرية عن انطباعاتنا بالمكان الصحراوي في تجلياته السيكولوجية وانعكاساته الروحية في ظل ضيافة بن الشريجي ابن الصحراء البار ، والمفاجأة ما كشفته لنا هذه الشخصية من معلومة مهمة عنونا بها هذا المقال ، فتلكم العبارة كررها صاحب المقام العالي ثلاث مرات متتالية على خلفية نجاح زراعة التمر في مزرعة زينة الصحراء ، ولو تذوقتم منتوجات النجد ، لاكتشفتهم شمولية الجودة في كامل المكان الصحراوي ، لذلك الإشادة قد جاءت في صيغة العموم ” ظفار ” والجزء يعبّر هنا على الكل.



هذه الإشادة الرفيعة جدا بعلامة الجودة تزيد ثقل مسؤولية الغساني في متابعة هذا الملف سريعًا من منظور ما بشر به المزارعين نقلا عن السلطات العليا ، وما كشفه للرأي العام في لقائه الأخير مع ناخبيه ، وإصرارنا على الاستعجال ، يشكل في حد ذاته قضية عاجلة وذلك لمآلات الأوضاع الراهنة في مزارع المزارعين ، فهم بإمكاناتهم الذاتية المحدودة لم يعد بإمكانهم الاستمرارية في الإنتاج الزراعي كما كانوا سابقا ، فالديون متراكمة عليهم ، ولن يوفوا باستحقاقاتها الشهرية ، فكل ما ينتجونه الآن يُصرف على مرتبات العمال وإصلاح الأعطاب المتكررة التي تكون بسبب الأحوال المناخية للمنطقة الصحراوية.



وفي الميدان ، اطلعنا على وضع صاحب مزرعة استدان من صندوق رفد (100) ألف ريال منذ أربع سنوات ، وقد اشترى بها الحبوب والآليات والمعدات وإقامة البنية التحتية ، لكن معظمها تلف بسبب عدم الاستعمال ، لماذا ؟ لعدم السماح له بدخول التيار الكهربائي حتى الآن رغم أن أعمدة التيار جاثمة فوق أجزاء من مزرعته ، وهو الآن في بداية معركة قانونية مع صندوق رفد .



فماذا تريد الجهات الحكومية من إعجاز أكبر من الإعجاز الذي يحققه شبابنا في قلب الصحراء ؟ وكيف تتفرج على مآلاتهم الجديدة التي تدفع ببعضهم إلى الفشل ، فهل ما عجزت عنه الصحراء وظروفها القاسية ، ستنجح معهم المماطلات الإدارية ؟ لو في إدارة حكيمة لهذا الملف ، وتنظر لمستقبل أمننا الغذائي ، لملكت الأرض – وليس حق الانتفاع فقط وحتى هذا الحق يُماطل فيه – لكل شاب يثبت نجاحه وديمومته ، بل وسعت إلى تثبته بالأرض بوسائل تحقق مجموع المصالح ، كإقامة هيئة لتسويق المنتجات الزراعية ومنحهم الحبوب والنخيل كدعم لنشر الواحات الخضراء وكثرة الزراعة لدواعي الأمن الغذائي لمواجهة تحدياته المقبلة ، وللضرورات الأمنية الحدودية .



فالنجد في محافظة ظفار يمكن أن يضمن مصالح كل الأطراف دون أن تكون مصالح على حساب مصالح ، والمواطنون هنا الطرف الأضعف ” الكل في خدمة الشعب .. وإذا لم تخدموه ، فأنتم أيها المسؤولين لا تخدمون الوطن “هذا من وحي أقوال عاهل البلاد -حفظه الله – وهنا أيها المسؤولون تظهرون في هذه القضية علامات استفهام كبيرة، فمن يجد شبابًا – مثل شبابنا – لديهم الرغبة في زراعة الصحراء ، وقد أثبتوها بما لا يدع مجالا للشك ، وما أدراكم ما للصحراء وما لظروفها ، يرفض مساعدتهم ودعمهم ، وبلادنا في أمس الحاجة إلى تأمين سلة غذائنا ؟



هنا منطقة عقل غائبة ، وغيابها لها ما يفسرها – يراجع المقالات السابقة – لكن من يفسر لنا سلبية الكثير من المسؤولين شرفوا بحمل الأمانة ، ولم يحركوا ساكنا بحكم مواقعهم الوظيفية ؟ زيارتنا للنجد المتجددة مختلفة من حيث إنها تستهدف سلبية بعض المسؤولين في هذا الملف المحليين والمركزيين ، مما نقول معها بأن قضايانا الوطنية كلها تقف وراءها هذه السلبية ، وبالتالي نحتاج لمجموعة إصلاحات عاجلة في الفاعلين وفي المؤسسات ، فقد حان أوانها قبل فوات الأوان ، نتطلع إلى فاعلين حكوميين يؤمنون بأن خدمة الشعب شرف الوظيفة العمومية ، وأنها ركن أساسي من أركان الاستقرار في بلادنا ، فهل فهمت الرسالة يا وطني ؟


Your Page Title