فضاءات

د.سالم بن سلمان الشكيلي يكتب: سؤال بلا إجابة

د.سالم بن سلمان الشكيلي يكتب: سؤال بلا إجابة
د.سالم بن سلمان الشكيلي يكتب: سؤال بلا إجابة د.سالم بن سلمان الشكيلي يكتب: سؤال بلا إجابة

أثير- د. سالم بن سلمان الشكيلي

سؤال لطالما وجهْته لنفسي ، ووجهَته لي نفسي مرارًا وتكرارًا ، جعلني في حيرة أمري ، وارتباك في اتخاذ قراري !
هل لأن قدراتي الشخصية ، أو فراستي التي أزعم أنها تصاحبني في قراءاتي للأحداث، لم تؤهلْني للتوصل لإجابة للسؤال المحيّر ذاك ، ألأنه أكبر من قدراتي وفراستي المزعومة ؟ الأمر الذي دفعني إلى استشارة أكثر من صديق مُطّلع وخبير ، علّي أحظى بإجابة عندهم لما عزّ عليّ فهمه وإدراكه ، وأصابني بالحيرة والإرباك ، إنْ لم يكن تبلّدًا ذهنيًا ولكن باءت كل محاولاتي الاستشارية بالفشل ، حتى وصل بي الحال إلى ضرب الأخماس في الأسداس .


دعونا من السؤال الآن، فسنعود إليه آخر الكلام ، لأنّ ما يسبقه من كلام ماهو إلا تمهيد لآخره ، فأستميحكم عذرًا لطرح الفكرة أولا التي سيُبنى عليها سؤالنا ، الذي أعدّه من وجهة نظري الشخصية مهمًا جدًا ، والإجابة عنه أهم بكثير ، فالموضوع يتعلق بمصلحة وطن كلنا ينشد الخير والفلاح والنجاح والتطور والتميّز له .

اليوم لدينا ثورة هائلة في وسائل التواصل الاجتماعي ، التي يزداد عدد مستخدميها في كل جزء من الدقيقة ، ومع كثرتها وتعدّدها ، لعلّ أبرزها نظام التواصل المصغر « تويتر » ، ويطرح بعض مستخدميه من العُمانيين طبعًا ، أفكارًا ومقترحات بنّاءة حول بعض القضايا الوطنية ، أو الظواهر الاجتماعية ، وهذه الأفكار والمقترحات جديرة بالفحص والدراسة وتطبيق ما يمكن تطبيقه منها .

واليوم لدينا وسائل إعلام مختلفة، مسموعة ومقروءة ومرئية ، بعضها وسائل تقليدية وبعضها إلكترونية ، ومن خلالها يستعرض بعض الكتّاب الأفاضل قضايا سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية ، يُشخّصونها ويطرحون حلولًا لمعالجتها ، وهي أيضا جديرة وتستحق الاهتمام لأنها نابعة عن دراسة علمية ، وتحليل وحلول قد يُبنى عليها .

ولدينا جامعات وكليات عامة وخاصة ، تُقدم بعضها درجات الماجستير والدكتوراة ، وهي كما معلوم لا تُمنح إلا بعد إعداد الطالب الملتحق لأُطروحة علمية يدرس ويناقش من خلالها موضوعًا ما ، له صلة بتخصصه في الطب أو الهندسة أو التاريخ أو الاقتصاد أو القانون ، أو العلوم الأخرى ، وبطبيعة الحال قد يختار الطالب موضوعًا له صلة بواقع المجتمع العماني، وبعد دراسته يتوصل إلى نتائج ومن ثم توصيات ، لم تأتِ تلك التوصيات من فراغ ، وللطالب الجهد الأكثر فيها ، مع عدم إبخاس جهد المشرف ولجنة المناقشة ، والكلام عن معرفة وصلة بالواقع توجد مئات بل آلاف الرسائل العلمية وأغلبها ذات أبعاد وطنية .

وعندنا أيضًا تقام عشرات الندوات والمؤتمرات العلمية ، بعضها بتنظيم حكومي والآخر بتنظيم غير حكومي ، تعرض فيها أوراق عمل بحثية تتعلق بعنوان الندوة أو المؤتمر ، وهذه الأوراق البحثية تُعبّر عن خلاصة فكر مُقدّميها ، وبالقطع تتضمن نتائج وتوصيات ، ناهيك عن التوصيات التي تخرج بها الندوة أو المؤتمر ، بعد انتهاء أعماله ، والتي يتمّ رفعها إلى جهات الاختصاص .

واليوم كذلك لدينا باحثون متطوعون ، أو إن صحّ الوصف “مستقلون” ، لا يختلف دورهم عن سابقيهم ، في الدراسة والتمحيص والبحث ، وإيجاد الحلول المبنيّة على تلك الدراسة العلمية ، وبعضها يتضمن دراسات أو استبانات ميدانية ، ما يعني أنها واقعية وموضوعية وشفّافة ، تكون معبّرة عن شريحة كبيرة من المجتمع .

واليوم لدينا ، مراكز بحثيّة في علوم شتى ، بها من الخبراء والمختصين والمتخصصين ، من يفني سنوات من وقته وجهده من أجل دراسة بحثية واحدة ، حتى يصل إلى نتائج قد تغيّر مجرى الأمور في جانب معين من جوانب الحياة ، وقد تكون هذه المراكز أوفر حظًا من غيرها ، على الأقل يجد الباحثون من يسمعهم .

واليوم لدينا الكثير والكثير مما سلف ذكره وأكثر ، وهنا أصل إلى السؤال الذي حيرني ولم أجد عنه إجابة وهو : هل يوجد لدينا جهة أو جهات ذات اختصاص ، تستطيع أن تتابع هذه الأفكار والمقترحات والحلول ووصفات الدواء لبعض مشاكلنا وقضايانا المحلية ؟ وتقوم بفحص وتمحيص تلكم الآراء والمقترحات والتوصيات التي أخرجَتها كل تلك العناصر التي ذكرتها سابقا؟ أم أنّه لا رأي ولا فكرة ولا مقترح ولا وصفة ، تعلو على آراء وأفكار بعض المسؤولين ؟ وكل ما يُطرح ويُقال ليس إلا وسيلة يرونها ناجعةً ولو مؤقتًا لتفريغ الشحنات السلبية التي أرهقت كاهل الوطن والمواطن على حدٍ سواء ؟ أما القرار فسيُتخذ حسب رغبة هذا المسؤول ، باعتباره العالم والخبير الأعظم بمصالح البلاد والعباد ، ولا من يفقه غيره ؟ أو لأنه يرى أنه ليس من مصلحته التغيير لأن كمّ ووقت استفادته من الوضع القائم لم يشبع نهَمَه وجشَعه ؟ وبالتالي ، فلأنه المسؤول وبيده القرار ، إذن ، فلِمَ التغيير !!!!!!؟

ولنفرض أنّ أحدًا أجاب بوجود جهة أو جهات بهذا الخصوص – وأشك في ذلك – ، هل تقوم حقًا بمتابعة كل الطروحات والمقترحات والأفكار والحلول ، وتسلك بها طريقا للدراسة والتحليل والأخذ بها عند ثبوت نجاعتها علميا وعمليا ، دون تبنّي أحكام مسبقة وجاهزة برفض تلك الأفكار . صدقونا لدينا ثروة وطنية هائلة متمثلة في شبابنا وشاباتنا ، أفكارهم نيّرة ، وعقولهم متوهجة ، وطموحاتهم للأخذ بالوطن متزاحمة وراقية ، وخطواتهم للبناء متسابقة وثّابة ، استمعوا إليهم ، خذوا أفكارهم ، ادرسوا مقترحاتهم فستجدون فيها خيرًا عظيمًا ، هم شباب المستقبل وهم عدته وعتاده وعدده ، لا تغلق أيها المسؤول أذنيك ، لا تستحوذ ولا تحتكر القرار ، ولا تستبق الأحكام على ما يطرحه أبناء مجتمعك ، هم حريصون عليه مثلك ، بل ربما هم أكثر حرصًا منك ، لا يحركهم لذلك إلا الطموح والشغف للتميز الذي يستفيد منه الوطن ، ينشدون التطوير والبناء ، مع اختلاف المراكز ، أنت في موقع اتخاذ القرار ، أما هم فيتمنون مشاركتكم ولو بالفكرة ، فعمان غالية على الجميع وتستحق منا جميعًا أن نوفيها حقها ، ولكن هيهات هيهات نقدر على ذلك ، ما دامت هذه الأفكار المحتكرة لذات الوطن بقيت في ذواتهم فقط ، ويعيشون في قالب عتيق ومعيق للتقدم والتطور .

قبل بضع سنوات ، اقترحت إنشاء جهاز لقياس اتجاهات الرأي العام ، كما هو موجود في كثير من الدول المتطورة ، وذلك من أجل رصد وقياس وتحليل اتجاهات الرأي العام ، ليكون معيارًا أو أساسًا تُقام عليه خطط التنمية في البلاد ، وقاعدة مجتمعية لاتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بمعيشة المواطن الكريم ، واليوم أعيد طرح الفكرة من جديد وبصورة أكثر شمولية في اختصاص الجهاز ليدخل ماعنته المفردات السابقة ، جهاز يرصد ويحلل ويقيس ويستنتج ، ويتواصل مع أصحاب الأفكار والطروحات ، جهاز يُرفد فيه رجال اجتماع واقتصاد وسياسة وقانون ، وعلم نفس ، وغيرهم .

أضع هذا المقترح في عهدة كل مسؤول ممن له صلة بالأمر ، ولدى صاحبه استعداد تام لتقديم تصوّر متكامل حوله ، فهل يكون تلقّف الفكرة أول الغيث لما نصبو إليه جميعًا من مصلحة بل مصالح لهذا الوطن العزيز ، الذي ينعم بقيادته الحكيمة والمستنيرة لسلطان البلاد المعظم ، أم أنها ستلقى مصير غيرها!
القرار لكم فاعقلوها وتوكلوا على الله ، وإني لأظنكم من الفاعلين .


Your Page Title