زاوية تربوية

د.رجب العويسي يكتب: التعليم ما قبل الجامعي “الخاص”.. إلى أين يتجه؟

د.رجب العويسي يكتب: التعليم ما قبل الجامعي “الخاص”.. إلى أين يتجه؟
د.رجب العويسي يكتب: التعليم ما قبل الجامعي “الخاص”.. إلى أين يتجه؟ د.رجب العويسي يكتب: التعليم ما قبل الجامعي “الخاص”.. إلى أين يتجه؟

د. رجب بن علي العويسي- خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية
في مجلس الدولة


يشكّل التعليم الخاص اليوم أحد أعمدة التعليم وركائزه التي يفترض أن تقدم أنموذجا فريدا في التكامل والمواءمة بين الشركاء التعليميين ممن هم داخل القطاع الحكومي وما يمثله من مجالس وهيئات ووزارات ولجان وأفراد، مع شركائهم في القطاع الخاص والأهلي، بما يضمن وجود وعي متحقق لدى المجتمع حول طبيعة الدور المأمول منه في تحقيق هدف ” التعليم شراكة مجتمعية”، واستيعاب هذا القطاع لتوجهات الحكومة بشأن تقديم تعليم عالي الجودة، وتأسيس موقع له في ظل التوجهات نحو تعظيم القيمة الاقتصادية والإنتاجية والاستثمارية في التعليم الخاص، وتعزيز كفاءة راس المال البشري، وما تصنعه سياسات الأنظمة التعليمية الأكثر تطورا في العالم للتعليم الخاص من أهمية في ترقية فرص الاعتراف ومساحات المنافسة وتحقيق الجودة.

هذا الأمر يُطرح اليوم بقوة في واقعنا التعليمي الوطني، وهو يقرأ التحولات التي يعيشها التعليم العالمي ومدى جاهزيته للثورة الصناعية الرابعة، لذلك جاءت استراتيجية التعليم 2040 ورؤية عمان 2040 ،بشكل يؤسس لمرحلة مهمة في مستقبل المورد البشري خاصة والتكامل بين التعليم الحكومي والخاص ، والتناغم بين مؤسسات التعليم الخاص مدارسه ومراكزه ومعاهده وغيرها في ظل تعدد مرجعيتها وتنوع آليات المتابعة والاشراف والتقييم لها، وهو ما يطرح العديد من النقاشات التي ينبغي أن يضعها القائمين على التعليم الخاص في القطاعين الحكومي والأهلي بشكل يضمن توجيهه في إطار واضح ومسار محدد، يبعده عن العشوائية ويجنبه فوضى التداخل والازدواجية، بما يؤكد أهمية أن يتجه العمل الحكومي مع هذا القطاع ليس في كونه منفذا للسياسات فقط، بل ومشارك في رسمها وتأطيرها وإعادة إنتاجها، خاصة في ظل ما يتميز به التعليم الخاص من فرص أكبر لصناعة البدائل، ومرونة أوسع في رصد التجديد، ومسارات أكثر تنوعا في مناهجه ومساقاته التعليمية أو في تنوعه وتعدد الجهات المشرفة عليه ، للاستفادة من التوجهات والتجارب والخبرات والمسارات التي تتيح له المساهمة بشكل أفضل في تعزيز فرص الاستثمار وتحقيق الكفاءة في المنتج التعليمي وتنوع الفرص التعليمية.

وبالتالي ما يتطلبه تحقق ذلك من استحضار جملة من الموجهات التي باتت تمنح التعليم الخاص استحقاقات أكبر في مرحلة تطوير التعليم وإعادة هيكلة المنظومة التعليمية وفق ما حددته استراتيجية التعليم 2040، سواء من حيث بناء شراكة حقيقية تكاملية بين قطاعي التعليم الخاص الذي تشرف عليه وزارة التربية والتعليم بما يمثله من ( مدارس خاصة، ومدارس دولية، ومدارس الجاليات، ومدارس القرآن الكريم وغيرها) من جهة والتعليم الخاص الذي تشرف عليه وزارة التجارة والصناعة وغرفة تجارة وصناعة عمان في قطاع التعليم المدرسي وما قبل المدرسي الخاص من جهة أخرى، بالإضافة إلى زيادة القيمة التنافسية المضافة لمساهمة قطاع التعليم المدرسي الخاص( المدارس الخاصة) بشكل أفضل عبر تبني استراتيجيات متطورة في نوعية البرامج والخطط والمسارات وتدريس المهارات أو في ابتكار أدوات استثمارية قادرة على نقل المدارس الخاصة من كونها مدارس مستهلكة إلى مدارس منتجه، وما يتيحه وجود إرادة جادة وقناعة صادقة وشعور إيجابي متبادل يؤطره الواقع ويؤكده التشريع في مراجعة وتطوير السياسات والتشريعات والقوانين والقرارات التعليمية ذات العلاقة بالتعليم الخاص بما يضمن تمكينه من تحمل مسؤولياته والمساهمة بدور أكبر في الناتج التعليمي العام( الكفاءة الداخلية والخارجية).

لقد أفصح الاهتمام الوطني بتعزيز البعد الاستثماري والاقتصادي الذي يسهم به التعليم الخاص عن البحث في توسيع قاعدة المشاركة للقطاع الخاص والأهلي وعبر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، في إنتاج أنشطة اقتصادية ذات صلة بالتعليم، والذي بدأت تحت مسمى : ” تنمية المهارات الذهنية” ، بإشراف وزارة التجارة والصناعة ، وغرفة تجارة وصناعة عمان، والتي تحولت في فترة سابقة إلى جملة من الأنشطة الاقتصادية الأخرى بلغت أكثر من عشرة أنشطة اقتصادية تعليمية من بينها : دور الحضانة ، ورياض الأطفال، وخدمات التدريب، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، ومراكز التدريب المهني وغيرها، وتقوم فلسفة عملها على كونها أنشطة اقتصادية بحتة مرخصة من وزاره التجارة والصناعة، وتأخذ شروط الاعتراف بها كسجل تجاري من جهات الاختصاص كغيرها من الأنشطة الاقتصادية والتجارية التي تزاولها وفق( عقد/ ملكيه) ورخصة مهنية، فإن هذه الإضافة في التعليم الخاص بالرغم من أنها بررّت ظهورها بعض الاحتياجات والظروف، شكّلت اليوم في ظل ما صاحبها من ممارسات خاطئة أو ارتبط بها من قناعات وأفكار وتوجهات قد تقترب أحيانا وتبتعد أحيانا أخرى عن الغاية من وجودها وفلسفة عملها، وقد تتقاطع في أحايين أخرى مع أدوار أصيلة للمدارس الخاصة القائمة على عملها، وما قد يُفهم من دخول هذه الأنشطة في الخط من إشكاليات في تحديد الاليات والمساقات التي تعمل عليها، في ظل ما يصاحب هذه الأنشطة من ترويج ودعاية كما هو الحال في أي نشاط اقتصادي يسعى للربح وتحقيق المنافسة، بما يضيفه ذلك من تراكمات على قطاع التعليم الخاص في عمومه ، وتشعب وازدواجية في مهامه إذا ما علمنا عدم وضوح موقع هذه الأنشطة في السلم التعليمي، وصعوبة ادماجها أو تصنيفها ضمن نطاق المدارس الخاصة لاعتماد الأخيرة على أنظمة ولوائح عمل ومتابعة أكثر دقة ومعيارية وتخضع لتصنيف وطني في جودة الاعتماد ومعايير الأداء، واشتراطات أخرى تتعلق بالمبنى أو التجهيزات وشروط كفاءة الكادر الإداري والهيئة التدريسية والمناهج وغيرها من الاشتراطات، وهو ما قد لا يتحقق في ظل هذه النظرة المادية الصرفة إلى التعليم الخاص الموازي كونه أحد الأنشطة التجارية التي يتم التعامل معها عبر تجديد اللوحة سنوبا، بدون خضوع هذا التعليم لأي نوع من المتابعات الجدية المتخصصة التي تقرأه في إطاره التعليمي وأدواته ومنهجياته التعليمية أو حصوله لأي استحقاقات دعم قادمة تضمن كفاءة المسار الي يتجه إليه واولوية التوجه الذي يعمل على تحقيقه.

وعليه فإنه من الأهمية بمكان في هذا الشأن طرح رؤية التناغم للتكامل والتعايش مع التقنين ووضوح آليات العمل ووجود سقف واضح للتوقعات، والنظرة المعمقة والعادلة في التعاطي مع أبجديات التعليم الخاص سواء كان للمدارس الخاصة أو الأنشطة الاقتصادية الأخرى، بما يؤكد حاجة هذه الأنشطة الاقتصادية التعليمية اليوم إلى وضوح أكبر في آليات عملها، وتقنين أدق في تفاصيل أنشطتها بحيث يكون هدف تعظيم الممارسة التعليمية الرصينة والاستثمار في المورد البشري والاعلاء من المسؤولية التعليمية فيها، أولوية على غيرها من الاهتمامات، فمع اهتمام هذه الأنشطة بكونها أنشطة اقتصادية تمارس دورها وفق منظور اقتصادي، إلا أنها يجب أن تنطلق من غايات وأهداف واستراتيجيات أداء تعليمية ، بحيث تمتد أطر المتابعة والإدارة والاشراف والتقييم وسلطة الرقابة وتعزيز الممكنات التعليمية والأدائية والتشريعية والحوافز عليها كما هي واقعة في المدارس الخاصة، والوقوف على جانب الخلل وتصحيحه وإعادة هندسة الواقع لتصل إلى سقف التوقعات المطلوبة، والتزامها المعايير والاسس والمنطلقات التي توجه قطاع التعليم الخاص المدرسي وما قبله.

وأخيرا فإن التأكيد على استمرارية هذه الأنشطة مرهون بما أشرنا إليه من مسارات التقنين والرقابة والتقييم والمتابعة والاشراف التي تخضع لها من قبل جهات الاختصاص التعليمية، بما يضمن سيرها وفق الأطر المرسومة والمنهجيات المحددة والضوابط المعول بها، وفي المقابل نؤكد على أهمية تبني مجلس التعليم الموقر لمبادرات حوارية تقرأ دور هذا التعليم وتقيّم نواتجه، وما إذا كانت الممارسة الواقعة عبر الأنشطة الاقتصادية التعليمية تشكل خطرا حقيقيا على كفاءة المدارس الخاصة وثقة المجتمع بها، وأن الممارسين لهذا النوع من التعليم يمتلكون المهارات والتخصصات والشهادات العلمية والعملية المطلوبة في القائمين على الشاغلين لهذه الوظائف في المؤسسات التعليمية، بالإضافة إلى بناء سياسات وتشريعات تضمن كينونة هذا التعليم ووضوح المسار الذي يعمل عليه وموقعه في السلم التعليمي، وعدم وجود ازدواجية مع دور المدارس الخاصة، واستقراء رأي القائمين على هذه الأنشطة حول الصيغة المفهومة لديهم نحو هذه الأنشطة، وما اذا كانت الممارسة القائمة تعزز هذا الهدف وتؤسس لمرحلة أكبر لفهم معطيات عمله القادمة.

Your Page Title