أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
في يونيو من عام 1900م، أي قبل 125 عامًا قام السلطان فيصل بن تركي بن سعيد بزيارة إلى ميناء صور على متن المدمّرة البريطانيّة (سفنكس) يصحبه الميجور بيرتي كوكس القنصل البريطاني في مسقط.
وكان الهدف من الزيارة هو الاجتماع بأصحاب السفن التي تحمل العلم الفرنسي، حيث طلب منهم السلطان تسليم الأوراق والأعلام الفرنسية، كما طالبهم بتسجيل سفنهم، مبديًا استعداده لتزويدهم بالوثائق والأعلام العمانية.

السلطان فيصل بن تركي
“أثير” تقترب في هذا التقرير من كواليس تلك الزيارة وأسبابها، ونتائجها.
الأعلام الفرنسية
أدّى ميناء صور دورًا مهمًا في الملاحة البحرية، فقد كان هو الميناء الأكثر أهمية في المنطقة الشرقية من سلطنة عمان، وكانت سفن أهله تصل إلى موانئ عديدة في الخليج العربي، والمحيط الهندي، وسواحل أفريقيا. كما شكّل ترسانة مهمة لصناعة السفن الخشبية بمختلف أحجامها بفضل وجود صنّاع مهرة في هذا المجال.
ونظرًا للمضايقات التي تعرض لها العديد من أصحاب السفن الصورية خاصةً مع فرض بريطانيا للعيد من القيود المتعلقة بالتجارة الدولية، فقد وجدت فرنسا، وهي المنافس الأكبر لبريطانيا في المنطقة، في هذا الأمر فرصة لمد نفوذها، فعرضت على بعض أصحاب تلك السفن رفع العلم الفرنسي، وزودتهم بتصاريح ورقيّة مقابل الحماية في أعالي البحار، فلاقى ذلك رواجًا كبيرًا، ولم يمض عام 1896م حتى كان عدد السفن العمانية التي ترفع العلم الفرنسي قد وصل إلى (50) سفينة، ارتفع في العام التالي إلى (88) سفينة، علمًا بأن أول وثيقة فرنسية صدرت لسفن أهل صور كانت في عام 1845م.
عندما رأت بريطانيا تزايد أعداد السفن العمانية بشكلٍ عام، وسفن أهل صور بشكلٍ خاص، الحاملة للعلم الفرنسي، خافت على نفوذها في عمان والخليج، فحرّضت السلطان فيصل بن تركي على سحب الأعلام الفرنسية من تلك السفن ومعاقبة مالكيها، لكن السلطان رفض لأن بلاده ترتبط بمعاهدات مع فرنسا.
ثم عاودت بريطانيا الطلب من السلطان فيصل أن ينذر أصحاب السفن بعدم رفع العلم الفرنسي والاكتفاء برفع راية السلطان، فقرّر الالتقاء بأصحاب السفن في مدينة صور وإقناعهم بهذا الطلب.
زيارة السلطان فيصل لصور
في يونيو من عام 1900م قام السلطان فيصل بزيارة لصور تعدّ الأولى منذ توليه السلطنة، يرافقه القنصل البريطاني الرائد كوكس، وأخوه السيد محمد بن تركي، عن متن السفينة “سفنكس” Sphinx وكان استقبال الأهالي له وديًا أكثر مما كان يتوقع، وعند وصوله قدّم كل وجهاء المدينة التحية له، وزيادة في احترامه جاء عبد الله بن سالم شيخ قبيلة بني بو علي من الداخل وسط ألف أو أكثر من رجاله لتقديم التحية للسلطان.

صورة أرشيفية للسفينة سفنكس التي أقلّت السلطان إلى صور

القنصل البريطاني بيرتي كوكس

وقد شهدت الزيارة توقيع السلطان في 12 يونيو 1900م مع عدد من أصحاب السفن الصورية التي ترفع العلم الفرنسي على تعهد بإعادة تصاريح الملاحة الخاصة بهم إلى السلطات الفرنسية، وكان الشيخ عبد الله بن سالم آل حمودة أمير جعلان بني بو علي من ضمن الشهود الموقعين كونه أحد أكبر شيوخ المنطقة مكانةً ووجاهة.

وفي 15 يونيو 1900م أصدر السلطان فيصل إعلانًا إلى رعاياه العمانيين حول منع رفع الأعلام الأجنبية على السفن العمانية، جاء في الإعلان أن رعايا السلطان لم يعرفوا سابقًا خطورة أخذهم ورفعهم لأعلام الدول الأجنبية، وما وقع في الماضي فإنه لا يريده أن يستمر في المستقبل.

إعلان من السلطان بتاريخ 15 يونيو 1900م بخصوص رفع الأعلام الأجنبية على السفن
وتشير التقارير إلى أن السلطان اشترط أن يتم تسليم تلك التصاريح بشكلٍ مؤقت إليه شخصيًا، وقد سلّم ثلاثة فقط من أصحاب تلك السفن أعلامهم وأوراقهم إلى السلطان، إلا أن البقية قاموا بالتوقيع على التعهد المطلوب لخوفهم من الأنجليز حتى إذا ما وصلوا إلى مسقط تعهدوا خطيًا إلى نائب القنصل الفرنسي بتمسكهم بالحماية الفرنسية.

المراجع
- السنيدي، أحمد. الشيخ الشلي، الآن ناشرون وموزعون، عمّان، الأردن، 2025.
- العتيقي، ناصر بن سعيد. مواقف القوى الكبرى من النشاط الملاحي لمدينة صور
العمانية، رسالة دكتوراه، كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة السلطان قابوس،
مارس، 2018
- القاسمي، سلطان بن محمد. الوثائق العربية العمانية في مراكز الأرشيف الفرنسي،
ط2، منشورات القاسمي، الشارقة، 2010
- المرجبي، محمد بن علي. الروزنامة العمانية، وزارة الإعلام، سلطنة عمان، 2018.