فضاءات

د. سالم بن سلمان الشكيلي يكتب: ما يُفكِّر به “فلان بن فلان” عجيبة تاسعة

أثير- د.سالم بن سلمان الشكيلي

تعارف الناس على وجود عجائب سبع في الدنيا، منها حدائق بابل، وهرم الجيزة، ومنارة الإسكندرية، وكما هو معلوم لدى الجميع، بأنّ العجيبة هي ما يدعو إلى العجب، أو هي أمر يُخالف قوانين الطبيعة والمنطق، أو يبدو كذلك. وأذكر أنّ الفقيه الكبير الدكتور عبد الحميد متولي، أضاف إلى تلك العجائب السبع عجيبة ثامنة، هي عجيبة الحريات العامة.

وبعد تمعن وتفحّص لما كُتب وما قِيلَ في الفترة الأخيرة، وما وقفت عليه من خلال قراءاتي، أستسمح القارئ الكريم لإضافة عجيبة تاسعة لأنّ ما كُتب وما قِيل من تحليلات وتفسيرات وروايات تُمثّل عجيبة؛ لأنها تُخالِف قوانين الطبيعة، وتُخالِف المنطق، ولا يستسيغها العقل لأسباب كثيرة تعود بالمنسوب والمنسوبة إليه والمنسوبة لأجله، أما الناسب -مع احترامي له- لم يُوفق في تحليلاته وتفسيراته واستنتاجاته ، ليس لقلة فهم في العوم والسباحة، ولكن لعدم معرفته بمركز عُمان السياسي، وبطبيعة وقوة وتماسك نظامها السياسي والأمني، فالقياس على أنظمة أخرى قياس مع الفارق .

وقبل الخوض في هذه العجيبة لا بد من التأكيد على مسألتين مهمتين هما:

المسألة الأولى : سلطنة عمان ليست حدثًا جديدًا أو كائنًا قانونيًا مُستحدثًا في المنظومة الدوليّة، فالقاصي والداني يعلم ويدرك حضارة عُمان العريقة وتاريخها الضارب في أعماق الأرض منذ آلاف السنين قبل الميلاد، وهي لم تكن على مر التاريخ إلا قطب الرحى، لم تُهادن ولم تُفرّط في سيادتها، شهد لها العدو قبل الصديق، طاردت الفرس والبرتغاليين وقراصنة البحر في الخليج العربي وبحر عمان وبحر العرب، حتى كان وصف العمانيين بأسود البحر اعترافًا من المجتمع الدولي، ولم يَهَبْ حُكامهم غطرسة الطغاة، فهذا الإمام سيف بن سلطان اليعربي الملقب بقيد الأرض يخاطب القائد البرتغالي فيقول : ( … خيولنا بريّة وبحريّة وهممنا سامية عليّة ، إن قتلناكم فنعم البضاعة وإن قتلتمونا فبيننا والجنة ساعة … وقولكم قلوبكم كالجبال وعددكم كالرمال ، فالجزار لا يبالي بكثرة الغنم إن عشنا عشنا سعداء وإن متنا متنا شهداء … وما عندنا بعد ذلك إلا الخيل تُمطر بالويل ) .

ولم يكن الإمام سيف بن سلطان اليعربي هذا حالة استثنائية في التاريخ السياسي العماني، فأمثاله من الأئمة والحكام كثر، ولعل من باب الاستحسان في الاستشهاد في هذا المقام، ذلك السلطان الهمام الشجاع السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي الذي شيّد وبنى إمبراطورية مترامية الأطراف، شهد واعترف بها الغرب والشرق، وهي لا تخفى إلا على من أراد تجاوز التاريخ والحقائق، لغلٍ أو حقدٍ في نفسه أو لغاية يرمي إليها.

أما عُمان اليوم بقيادة سيدها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، فقد اكتسبت مركزًا عالميًا، وشهرةً واسعةً، واحترامًا وافرًا نظرًا لمواقفها النبيلة العظيمة في إشاعة السلم الدولي والإسهام الفاعل في حل العديد من القضايا الإقليمية والدولية، فهي تتمتع بقبول من المجتمع الدولي بسبب حيادها الإيجابي.

ما أردنا التأكيد عليه من خلال هذه المسألة، أن عُمان تقود ولا تُقاد، تَحكُم ولا تُحكَم، ومن أراد بها شرًا فلن يلقى إلا جحيمًا تجعله كرماد تذروه الرياح، فلا يُمنِّيَن أحدٌ نفسَه بما لا طاقة ولا قدرة عليه (تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين).

المسألة الثانية : الأسرة العمانية البوسعيدية المالكة ، أسرة ذات أصل وفصل، وحسب ونسب، وهي من أقدم وأعرق الأسر الحاكمة في الوقت الحاضر، فقد بزغ نجمُها وعلا سنامُها وسلطانها منذ عام ١٧٤٤م بزعامة الإمام المؤسس أحمد بن سعيد البوسعيدي، وتوالى على السلطة أئمة وسلاطين عظام أثبتوا إخلاصهم وولاءهم لعمان وشعبها، وهم اليوم بزعامة سلطان عمان المعظم أكثر قوةً وتماسكًا، وأكثر إدراكًا للمخاطر المضطربة في المنطقة والعالم، ولا أخال أحدًا سيُفرّط في هذا المنجز العظيم ولن يستكين أحدٌ منهم ولا من أفراد الشعب المؤمن والمؤيد لحكم الأسرة البوسعيدية وهم مع الشعب في لحمة واحدة ، لن ينال منها الطامعون أو الحاقدون، فلا يذهبنّ أحدٌ بنفسه مذاهب شتى، أو ينظر إلى الوضع على غير ما قلناه ، حتى لا تهوي به الريح من مكان سحيق.

أعود إلى العجيبة التاسعة ، فقد طالعتنا العديد من التحليلات والتفسيرات الإعلامية قبل وبعد ما نُشِر عن أحداث أمنية مزعجة، مفادها أنّ “فلان بن فلان” يعمل على تهيئة انتقال السلطة في عُمان، ويخطط ليضمن ولاء السلطان الجديد له وليكون في طوعه وأمره، ولم يكن الحديث واردًا من قبلنا لولا تداوله بشكل ملحوظ على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن محللين وصحفيين كثر، فأرجو أن يكون ردنا معلومًا لهم ولغيرهم ممن نسبوا له هذه العجيبة التي نراها بحق تخالف قوانين الطبيعة، وتخالف المنطق، ولا يستسيغها عقل، فهل يستوي أن يقود الفرعُ الأصلَ والمبتدأ، وهل يُقاد الأب لولده أو لابنه، دولة بحجم عمان وحضارتها وعراقتها ومكانتها الدولية هل يمكن أن تصل إلى هذا المنحدر السياسي، إنكم لتقولون قولًا عظيما، أفلا تبصرون.

إنّ هذا الأمر الذي تتحدثون عنه شأن عماني داخلي بحت، غير مسموح الحديث فيه لغير العمانيين، ولا دخل “لفلان بن فلان”، فهو إنّ فكّر حقًا بذلك فإني أعوذ بالله من همزات الشياطين، وأعوذ بهم أن يحضرون، وعليه -فلان بن فلان- ألا يذهب أكثر من حدوده المعلومة، فعُمان ليست كباقي البلدان، ولا نريد بذلك تهديدًا لأحد فليس ذلك مذهب العمانيين، ولكن أقصد وضع النقاط على حروفها، فالأمة العُمانية لا تسكت على ضيم، ولا تعرف الخناء إذا ما تعلّق الأمر بسيادة وطنهم واستقلاله وشأنه الداخلي.

وإنها لرسالة لكم فافهموا منها ما شئتم؛ عمان وشعبها يرفعون أكف الضراعة لله سبحانه وتعالى على وجود زعامة راشدة وحكمة نافذة يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، وهو على عرشه بإذن الله باقٍ، يدعون له بالصحة والعافية وطول العمر، وأسرته الكريمة تقف خلفه تؤيده وتؤازره وتعاهده كما يعاهده كل عُماني، إنهم على العهد والولاء باقون، وفي رقبتهم بيعة له إلى يوم الدين.

وإنها لرسالة ثانية لو تفقهون؛ إنّ الأسرة البوسعيدية ليست كالأسر الضعيفة المتهالكة، وإنما أسرة اكتسبت موروثًا حضاريًا من تجارب السنين، وكل فرد فيها لا تغيّره المِحَن ولا تُغريه السلطة، ولا يُشترَون بالأموال، ولم يُعرَفوا بجبن أو خذلان، ولاؤهم لعمان وشعبها؛ فهم منه وهو منهم، أياديهم على من أراد بعُمان وأهلها شرا واحدة ضاربة حارقة.

وإنها لرسالة ثالثة لعلكم تعقلون؛ إنّ عمان بها زعامات وطنية صادقة، وحكماء وقادة ومن ورائهم أجهزتهم العسكرية والأمنية نذروا أنفسهم جميعا للوطن وحماية أمنه وحفظ استقراره، وعدم السماح لأي متطفل أو متسوّل أو فضولي أن يعبث بأمنها أو أن يمس حبة رمل من ترابها، فما بالك بمن يتدخل في شأن من شؤونها الداخلية.

ولقد أثبَتَ مَن عُهِد إليهم بحماية أمن بلادنا الداخلي، أنهم على العهد والوعد، وعلى مستوى المسؤولية والأمانة التي يحملونها، فكان لمهارتهم ومهنيتهم العالية أن وجّهوا ضربة قاضية لفلان بن فلان وجواسيسه ، فانكشف عهره وظهرت سوآتُه ، عندما تم اكتشاف خليته الجاسوسية، التي كان يهدف من ورائها العبث بأمن بلد عظيم بكل عناصر العظمة ومقوماتها، والتي كانت له سندًا وعضدًا، فقُدِّم مرتزقتُه وعملاؤه إلى عدالة المحكمة الموقرة، التي أصدرت أحكامها بعد ثبوت التهمة بالدليل القاطع والبرهان الساطع، وها هم الآن يقبعون في السجن ، ولن ينفعهم من غرّر بهم ورماهم في التهلكة ، وجعل من أهالي هؤلاء المغرّر بهم وأطفالهم ، يندبون حظهم السيئ الذي أوقعهم فيه مَن أوقعهم .

إنّ هؤلاء الجنود المجهولين ، وفقًا للاستنتاج أداروا العملية بحرفيّة العمل الاستخباراتي، إذ سمحوا في البداية لأكثر عدد من النعاج الاقتراب من غابة الأسود، حتى إذا أمنت وظنّت أنها وجدت ما تبحث عنه، انقضّت عليها أسود الغابة التي كانت ترصد فريستها خطوة بخطوة، وهي تدخل عرينها ، فتمكنت منها جميعًا ، حقًا إنها ضربة معلم لو كانوا يعقلون. ونقولها بصدق : إنه يحقّ لهؤلاء الجنود المجهولين أن يرفعوا هاماتهم إلى عنان السماء، وقد أثبتوا جهدهم وتفانيهم وإخلاصهم، ونقول لهم : دمتم ودام الوطن بكم ، فأنتم فخره وعزة شعبه وفخر قيادته .

أقول حقًا لكل هؤلاء: إنكم لم تُقدِّروا عمان حق قدرها، ولم تُدركوا تلاحم ووحدة شعبها ومَنَعته، ولم تستحضروا في تحليلاتكم التاريخ والجغرافيا، ولم تنتبهوا إلى شموخ وعزة العُماني الذي لا يُشترى بكنوز الدنيا، دعوا عنكم التحليلات العجيبة في كل شيء، وقيسوا الأمور بمقاس يناسب الأطوال والأحجام حتى لا تختلط عليكم، ودمتم سالمين.

* صورة الموضوع من شبكة المعلومات العالمية “الإنترنت”

Your Page Title