نبض الكتابة تحت مجهر القراءة
دراسات نقدية
بسمة البوعبيدي
محمد الهادي الجزيري
أعرفها منذ كانت شابة متألقة، تجوب أزقة المدينة وشوارعها بثقة وتنقل منها ما تشاء إلى مواضيعها الهادفة إلى قصصها..، قبل أن ترجع إلى الجنوب حيث تسكن وكان ذلك ما يقارب العشرين سنة أو يزيد..، وانكبت على نصوصها وأفرزت عالما قصصيا روائيا تغلب فيها الأنثى بهواجسها ومشاكلها ..وتفرض لونها ووجهها ..تلك بسمة البوعبيدي التي أصدرت خلال العشرين سنة مجموعة من القصص والروايات التي شدّت القراء والنقاد ..وها قد جمعت في جزء أول خيرة الكتاب الذين تفاعلوا معها ..وأصدرت كتابا جامعا لهم ..لآرائهم واجتهاداتهم بعد أن اطلعوا على أحد الكتب ..علما أنها أصدرت سنة 2001 مجموعة قصصية بعنوان تغريد خارج السرب…ثمّ توالت الإصدارات إلى أن ختمتها برواية بعنوان موسم التأنيث في طبعة ثانية سنة 2018 …….

أجمل ما نفتتح به هذه القراءات نصّ للدكتور محمد صالح بن عمر، عنونه ” الواقعي المأساوي في قصص القصاصة التونسية بسمة البوعبيدي: مجموعة الانحناء أنموذجا، ومما ورد في مداخلته القيمة :
” هذه المجموعة القصصية تعكس تجربة في طور التشكل لكاتبة سردية صاعدة، مثابرة، لم تنفك تجوّد نصوصها من عمل قصصي أو روائي إلى آخر، مستلهمة موضوعاتها من الواقع الاجتماعي المتردّي السائد منذ قرون في جهتها الأصلية الجنوب الغربي التونسي من جرّاء إهمال السلط المركزية المتعاقبة وتقصيرها …”
إن كان ثمّة لوم أو عتاب لبسمة البوعبيدي عدم كتابتها نصّ تقديميّ لهذه المقالات الدارسة لمجموعة آثار فنية..، لإنارة القارئ ووضعه في إطار موضوعيّ..، خاصة وأننا أمام كاتبة سردية تتقن ما تفعله..، علما أنها متحصلة على جائزة التشجيع الدولية لنساء حوض البحر الأبيض المتوسط منذ سنة 2001 ..أي منذ البدايات الأولى ..وكنا في حاجة أن نعرف ردودها في نصّ يكون فاتحة لهذا الزخم النقدي….
نعرف ما قيمة النص الأول بالنسبة للكاتب…ونعرف كم تهمه القراءة النقدية إذا كانت تنصب عليه وتشرحه وتعريه وتثمنه …، وها إنّ الأستاذ الزاهي بالعيد يتصدى لتقديم تغريد بسمة السرب ..ومما قاله :
” إنّ الكاتب لا يشعر بأهمية ما يكتب إلا بعد أن يكتب عنه، لا أدعي كتابة لهذه المجموعة القصصية ” تغريد خارج السرب ” لبسمة البوعبيدي بل أطمح إلى تقديمها بعيدا عن أي شكل أكاديمي وتقنيني للتقديم، فقط لأن داخل هذه المجموعة ما يبرر رفض النظام:
إنّ الكتابة لذة تقول في تغريد خارج السرب
يشتهي المشي مقلوبا على رأسه
المشي على الرأس يذهب الغم
يزيل أمراض الهواء الفاسد
شهوة الممارسة الإبداعية
خيانة للواقع واعتراف به في آن
ضرب من التأمل في الأشياء، تفتيش في طبيعة علاقة الإنسان بذاته وبالعالم.
أعلم أنّ بسمة البوعبيدي كائن اجتماعي وأعلم أن لها عديد الصداقات من ضمنها صداقة هيام الفرشيشي هذه المرأة النشيطة جدا في المشهد الثقافي..لذا ختمت كتابها بما فاضت به هيام من أفكار وأراء أوردتهم في مقالة جامعة بعنوان : مثيرات البيئة ودوافع الكتابة في موسم التأنيث..ومما قالت عن بسمة البوعبيدي :
” ما قامت به البوعبيدي هو اختراع الحكاية من وحي البيئة ومناخاتها، فالبيئة لها مثيرات حفزت على كتابة الرواية، والبعد الإبداعي واضح في نسج تفاصيل الرواية من خلال ملامح الشخصيات الرجعية المتزمتة الشريرة القذرة في بيئة منغلقة، وبدت الشخصية الرئيسية في الرواية في حالة حنق يدلّ على قلق وتوتر حدّ المازوشية…”
ونحن ننتظر بسمة البوعبيدي في جديدها ..فهي القاصة والروائية التي أهدت إلى المتن الحكائي التونسي والعربي ..ما يجعلنا متشوقين لما سوف يأتي منها وخاصة إننا نعرف مدى مثابرتها وهمّتها وحبّها للأدب الهادف الباحث للإنسان عن عالم مغاير..نظيف ليس فيه الذئب الذي لوّث كلّ شيء ……