أثير- د.سالم بن سلمان الشكيلي
لم يكن واردًا بذهني أن أكتب هذا المقال الذي سميته ” تفاهات كبار الأقزام “، إنما الذي دفعني إلى هذا ذلك المقطع المرئي والمسموع ، والذي يطرح فيه المتحدث وقد اتّكأ على يديه كنعامة بلّلها الماء فنفشت ريشها ، سؤالا سخيفا كسخافات سائله ، عن أحد حكام أبوظبي الذي احتل مسقط ثم عرج على الفجيرة واحتلها كذلك ، فدانت له المنطقة كلها .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” … وإيّاكم والكذب ، فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور ، وإنّ الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرّجل يكذب ، ويتحرى الكذب ، حتى يُكتب عند الله كذابا ” و ” المؤمن لا يكذب ” ويبدو أنّ أناساَ من قومنا قد امتهنوا الكذب على أنفسهم فصدّقوا أنفسهم فيما يكذبون ، لكن المصيبة الأكبر أنهم يُريدون من غيرهم تصديقهم ، ويبدو أنهم يحاولون درْء نقيصةٍ فيهم ، أو محاولة لإزالة شعور بالنقص ملازم لهم ، معروف لدى العامّة ، وحاولتُ أن أجد لهذا القزم الكبير الذي يشبه كيس قطن ضخمًا أي مبرّر لتفاهاته ، فلم أَجِد غير أنه لا يزال يعاني من اعتلالات عصبية وعقلية بسبب حدث تعرّض له .
عافاه الله في عقله وجسده .
إنّ التاريخ أيها الناس لا يُصنع بالكذب والدجل ، وإنما بتضحيات ودماء الشهداء ، وبفكر وإبداعات الرجال ، وبحكمة ورؤية الكبار ، إنّ عقدة النقص أو كما يُسمونها عقدة أوديب ، التي تعانون منها بشكل مزمن ، لا علاج ولا دواء لها إلا أن تعودوا إلى رشدكم وعقولكم ، وتُؤمنوا بجذوركم العمانية ، وبأنكم كنتم جزءا من الإمبراطورية العمانيّة ، ولا ضيرَ في هذا عليكم ، فإنّ أكبر وأقوى دولة في العالم اليوم وهي أمريكا ، كانت يوما من الأيام مُستعمَرة من المملكة المتحدة، ومع ذلك فإن الشعب الأمريكي لا يُنكر ذلك ، ولم يُحاول تحريف أو تزييف أو سرقة التاريخ كما تفعلون اليوم أنتم ، ياقوم .
سنعلمك درسا في الصدق أيها الرجل ، لقد حدث وأن احتل البرتغاليون الدولة العمانية ، التي كانت البقعة التي تجلس عليها تابعة لها ، في فترة من الزمن ، ومع ذلك لم نطمس من تاريخنا هذه الأحداث ، لكنّ شجاعة وبسالة العمانيين استطاعت طرد البرتغاليين من عمان وتحجيم دورهم ونفوذهم في منطقة الخليج العربي كلها ، فهل أنقص منا هذا الاعتراف بالتاريخ ، شيئا من عظمة بلادنا ورجالنا ، إنكم والله عن الحقيقة تائهون ، وبسفاسف القول تهذون وتهرفون ، خفّفوا على أنفسكم وعلى أجيالكم ، الذين بلا شك سيكتشفون الحقيقة ، وحينها سيحتقرونكم .
وهنا نطرح السؤال المزعوم عن احتلال مسقط من قبل أحد حكام أبوظبي !!!! بالله عليكم من سيُصدق ما تقولونه ؟ ولكن لعله من المناسب لكم أن تسألوا أثر قامة من قامات الدولة العمانية قديما ، وهو أيضاً قامة ورمزٌ من رموز دولتكم الحديثة ، تجيبكم بلا استحياء أو خجل لأنه آمن بعمانيته في مرحلة من التاريخ ، ثم قاد دولة الإمارات العربية المتحدة في مرحلة لاحقة ، لقد عهدنا الرجل صادق القول ، عفيف اللسان ، يقول الحق ولو على نفسه ، رحم الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وطيّب الله ثراه .
من الأمور الثابتة وهي حقائق علميّة لا تقبل الطمس ، هي أن التاريخ والجغرافيا شيئان متلازمان لا ينفصلان عن بعضهما ، ولا يُمكن العبث فيهما ، وإن حاول البعض فسيكون ذلك إلى حين ، ثم لا تلبث أن تظهر الحقائق ، ربما يكون في الدولة الجارة من يتمنى مجاورة ومجاراة أمريكا أو دولة عظمى ظنا منه أنه سيكبر بها ، وقد غاب عنه أنه لن يكبر إلا بقربه من أهله وعضده وسنده .
ولأن الإنصاف في القول واجب ، فإنه بلا شك كان هناك تاريخ مشترك في النضال والنزال مع القواسم ، وهذا التاريخ المشترك مسجّل في المؤلفات والكتب العمانية وغير العمانية ، ولم ينقص ذلك منا مثقال خردلة ، ولكن في المقابل لم نسمع لآل نهيان دورا في التاريخ السياسي العماني ، غير أنهم مشيخة من مشيخات ساحل عمان التابع للدولة العمانية في وقت من الأوقات .
وسَيرا مع مقولة الجار للجار ، وهو مضمون حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإننا كعمانيين أثبتنا على مرّ الزمان حسن الجوار ، وتغاضينا في الكثير من المرّات والمواقف المزعجة الصادرة عن الجار ، وقلنا علّه يعود إلى صوابه ، لكنّ الجار تمادى – ولا يزال للأسف الشديد – فلم يحترم جيرة ولا نسبا ولا مصاهرة ولا عروبة ولا إسلاما ، وراح يعمل بخبث شديد فيُزوّر في التاريخ ، ويزيّف في الجغرافيا ، ويدفع بجواسيسه وعملائه ، ويعمل على تعطيل المصالح العمانية أينما وجد لذلك سبيلا ، ويجند مرتزقته وذبابه الإلكتروني للنيل من عمان ورموزها الوطنية ، فبالله عليكم خبروني عن أي جار تتحدثون .
إنّي أعتبُ كل العتب على مؤسساتنا المعنية التي رفضت قبل بضع سنوات عرْض بعض الوثائق التي أفرج عنها الإرشيف البريطاني ، مراعاة لإحساسكم – كنّا نعتقده – ومراعاة للجيرة ؛ لأن هذه الوثائق ستكشف زيف كلامكم وطبيعة العلاقة والتبعيّة التي تربطكم بعمان الكبرى ، ربّما فسرتم ذلك ضعفا ، ولم تقرأوا السياسة العمانية جيداً ، والتي تقوم على حسن الجوار والتعايش السلمي ، ونبذ الفرقة والفتن ، وعدم التدخّل في شؤون الغير .
وفي نهاية المطاف أقول : إنّ كل ألاعيبكم مكشوفة ومعلومة لنا من ألِفها إلى يائها ، فمع سِلْمنا ومسالمتنا لكن بلادنا وسيادتها واستقلالها وتاريخها ومصالحها ليست قابلة للمساومة ، وغير قابلة للتفريط بأي حال من الأحوال ، وهي خطّ أحمر غير مسموح لأيٍّ كان الاقتراب منه .
وأقول : اتقوا شر الحليم إذا غضب ، وإنّ للصبر حدودًا .