مسقط-أثير
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
طوال تاريخ الحضارة العُمانية الضارب في القدم برع العُمانيون في العديد من المجالات، وسطروا بأحرفٍ من نور ملاحم بطوليةٍ مختلفة، كما أسهموا في رقيّ العالم وتقدمه من خلال أدوارهم في نشر الإسلام والثقافة العربية الإسلامية بين العديد من سكان المدن والموانئ البحرية التي كانت أساطيلهم تصل إليها، بل وشكل بعضهم جالياتٍ عمانيةٍ كبيرةٍ بها.

ولعل طابع المغامرة ومواجهة الصعاب هي من أبرز العوامل البشرية التي أسهمت في صنع الحضارة العمانية جنبًا إلى جنب مع الموقع الجغرافي، وقربه من الحضارات المختلفة، وربما لم تكن للحضارة العمانية أن تصل إلى ما وصلت إليه من تقدم وازدهار في حقبٍ تاريخيةٍ مختلفة لولا روح المغامرة التي جُبِلَ عليها أهلها، وتحديهم للصعاب من أجل الوصول لغاياتهم.
“أثير” تعرض لقصةٍ تتبدّى فيها شجاعة الربّان العماني، وقدرته على مواجهة الصعاب وركوبها متى ما استدعى الأمر، وهي تتعلق بسباقٍ بين سفينتين شراعيتين: أحدهما لتاجرٍ كويتيّ شهير، والأخرى لتاجرٍ عمانيّ من أبناء مدينة صور التي اشتهر أهلها بين موانئ الخليج المختلفة ببراعتهم في مجال الملاحة البحرية، وأسهمت سفنهم جنبًا إلى جنب مع بقية سفن أهل عمان في تقديم العديد من الخدمات الإنسانية لسكان الخليج العربي في فتراتٍ حرجة من التاريخ خاصة أوقات الأزمات والحروب العالمية، حيث كان الأسطول التجاري العمانيّ يسهم في سد حاجة العديد من موانئ الخليج من المؤن والمواد الغذائية نتيجة تحملهم للصعاب، وتمسكهم بروح المغامرة ومواجهة الأخطار من أجل توفير تلك المواد والمؤن، ومهما حاولت بعض نصوص الدراما أو وسائل الإعلام بشقيها التقليدي والبديل أن تقلل من جهود وإنجازات أصحاب تلك الجباه العالية فلن يستطيعوا، ذلك أن إنجازات أولئك الرجال لا يمكن تغطيتها بغربال أو إخفاؤها عن العيان!

كانت السفينة (مسلّة) وهي من نوع الغنجة ملك للنوخذا العماني محمد بن حمد بن علي الغيلاني في رحلة إلى ميناء عدن، حيث التقى صاحبها هناك بالنوخذا الكويتي المشهور عبد الوهاب القطامي وهو سليل أسرة كويتية اشتهرت في مجال التجارة والملاحة البحرية وعلم الفلك وأنجبت العديد من الشخصيات البحرية المختلفة، فأحب النوخذا القطامي أن يمازح النوخذا محمد فقال له: سفينتك لا يمكن أن تسبق سفينتي، وكان القطامي لديه سفينة كبيرة من نوع البوم، فقال له النوخذا الغيلاني: السباق بيننا إلى ميناء المكلا، ويومها كان الريح أزيب والموج عاليًا، وبدأ السباق فأخذ النوخذا عبد الوهاب اتجاهه نحو بر الصومال ليقوم بدورة بعد ذلك ويقابل ميناء المكلا ويكون الريح والموج في اتجاهه، بينما اتجه النوخذا محمد مباشرة من عدن حتى المكلا رغم أن الريح والموج يقابلانه بالصدر مباشرة، وصعوبة هذا الأمر بالنسبة لمسار السفينة وعملية التحكم بها، لكنه بخبرته وحنكته وتجارب سنوات عديدة في مجال الإبحار والملاحة استطاع تجاوزها والتغلب عليها.
وما إن بدأ ميناء المكلا في الظهور حتى ظن النوخذا عبد الوهاب القطامي أنه قد كسب السباق، لكنه ما كاد يدخل الميناء حتى تفاجأ بوجود سفينة النوخذا / محمد بن حمد الغيلاني تدخل معه فضحك وقال: لله دركم أهل صور ما غلب البحر غيركم!
المراجع:
1-الغيلاني، حمود بن حمد والعريمي، محمد بن حمد. التاريخ البحري المروي لولاية صور، ط1، وزارة التراث والثقافة، سلطنة عمان، 2012.
*الصور من شبكة المعلومات العالمية