أثير – سيف المعولي
تخيّل أيها القارئ الكريم: أنت تملك أموالًا كثيرة، لكنها بيد الجان، وكي تستطيع الحصول عليها لابد لك من “تنزيل”!.
مهلا، مهلا؛ هل صدقت ذلك؟ قبل الإجابة تأكد بأن هناك بيننا مَن يُصدِّق، بل ويدفع مبالغ طائلة لا تتخيلها، فأحدهم قيل له “مزرعتك بها كنز” وآخر “بيتك فيه ذهب”، وثالث “تملك أموالا طائلة بيد الجان”؛ فالقضايا كثيرة، إلا أن النتيجة واحدة: احتيال وضياع الأموال، ثم حسرة وندم بعد أن تطير الطيور المُحتالة بأرزاقها. والسطور القادمة ستكشف لك نموذجًا منها.
تبدأ الحكاية بـ “شيخ روحاني” من جنسية أفريقية عربية، نشر عبر إحدى الوسائل الإلكترونية إعلانًا جاء فيه ” فلان الفلاني.. شيخ روحاني مختص في جلب الحبيب ورد المطلقة وتسهيل زواج العانس وحل المشاكل ورد الغائب وتنزيل الأموال وسحب المال واستخراج الكنوز وعلاج السحر، …” ووضع رقمه.
أحد المواطنين قرأ الإعلان، فـ “انتزق” خصوصًا في مسألة “تنزيل الأموال وسحبها”، وتواصل مع الرقم، وأعطاه معلومات عنه، فأخبره “أنت تملك أموالًا كثيرة”، لكنها بيد الجان وتحتاج إلى عمل لـ “تنزيلها”، ففرح، واعتقد أن الثراء سيأتيه لا محالة بعد حين.
في خضم فرحته بالكذبة انهالت عليه الطلبات، نريد “الطقش المغربي” بـ 10 آلاف دولار، فحوّل المبلغ، ثم نريد “ديكًا” قيمته 1000 دولار، وبعدها “بعير روحاني” بـ 6000 آلاف دولار، وهكذا دواليك، طلبا وراء الآخر، وهو يدفع مُعتقِدًا أن كل ما سيدفعه سيخصمه من “الكنز الموعود”؛ فما هي الـ 10 آلاف ريال مثلا أمام الـ 100 ألف ريال!
بعد اكتمال “الخرف الإلكتروني”، تبدأ أحداث الحبكة في الصعود، فالشيخ الروحاني بـ “جلاله وعظمته” سيأتي إلى السلطنة عدة أيام كي يُنزّل الأموال هنا، فبدأ المواطن حجز التذاكر، وشقة في مسقط، وتوفير المأكل والمشرب له، حتى يأتي اليوم الموعود في مكان إقامته.
في ذلك اليوم تقابلا داخل الشقة، فتح الشيخ الروحاني حقيبة، فاندهش المواطن؛ إنها مليئة بالدولارات، ودارت في رأسه الأمنيات، وقبل النهوض من أحلام اليقظة تفاجأ: ادفع اليوم 5000 دولار نقدًا، وغدًا تعال وخذ الحقيبة بكل ما فيها، فاستجاب على الفور، فعينه قد رأت ما لا يراه الآخرون.
في يوم الحقيقة، ذهب مسرعًا، والأفكار التخطيطية تتقافز أمامه من هنا وهناك: سأسافر، سأبني بيتًا، سأشتري مزرعة، سأنشئ شركة…حتى وصل إلى الشقة، ولم يجد فيها سوى الحقيبة. فتحها بلهفة، فإذا بها أوراق وملابس قديمة ولسان حالها يقول له: لقد وقعت في الفخ، والشيخ أخذ الـ 5000 دولار وحجز له أقرب رحلة إلى بلاده، ليظل الآن يبحث عن أمواله “الحقيقية” بين أروقة المحاكم بعد أن أوهم نفسه بـ “كنز مكذوب”.
لم تكن السطور الماضية من نسج الخيال، ولا من مبالغات القصص، ولا من حبكات الأفلام، فهي نموذج لقضايا مماثلة وقع مواطنون ضحية فيها، يوم أن صدّقوا الوهم وظنوا أن الثراء يأتي بسرعة بدون “كدح وتعب”، وفي كشوفات الشرطة والادعاء العام والمحاكم ومكاتب المحامين ما يُخبرنا بأن : “ما خُفِي أعظم”.