أثير – نبيل المزروعي
لعل وسم #كلنامحمدالشماخي الذي انتشر في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” خلال الأيام القليلة الماضية، أشعل تساؤلات لدى الكثيرين من الشباب العُمانيين الذين يمتهنون وظيفة “محاضر” في الكليات التقنية عن طريق شركات التوظيف الخاصة، وأرادوا أن يقصّوا –وبإسهاب- الكثير من معاناتهم وألّمهم الوظيفي، فلربما تعتلي صرخاتهم عنان السماء، لتجد آذانًا صاغية وأيادي حانية تأخذ بأمرهم وتُذلل شيئًا من صعوبات حياتهم.
النداء يعود من جديد بتواصل ثُلة من المحاضرين العمانيين مع “أثير” للكشف عن تفاصيل أكثر دقة، كما أوضح خالد بن حميد الغريبي المحاضر بتخصص الماجستير في الكلية التقنية بعبري، عندما قال “لقد عملنا بإخلاص وتفانٍ من أجل دفع مسيرة التعليم في الكليات من جانب، ومن أجل تطوير أنفسنا مهنيًا من جانب آخر، إلا أنه وبكل أسف ينظر إلينا المسؤولون في وزارة القوى العاملة، على أنه ليس للمحاضر العماني الملتحق عن طريق شركات التوظيف أي حق في التطوير المهني عن طريق الوزارة، ورغم ذلك واصلنا تطوير أنفسنا، وذلك بحضور المؤتمرات والدورات وغيرها على نفقتنا الخاصة، عكس أخوتنا وزملائنا الوافدين ممن هم في مظلة الحكومة، والذين يتمتعون بمزايا كثيرة لا نجدها نحن.
وعن جهودهم في الالتحاق بوزارة القوى العاملة، كشف الغريبي لـ “أثير” بأنهم حاولوا مرارًا وتكرارًا أن يتم تعيينهم عن طريق الوزارة بدلًا من البقاء تحت رحمة شركات التوظيف وجشعها، موضحًا بأن المحاولات بدأت من تاريخ 9/10/2011، بعد أن أرسلت الوزارة استمارة للراغبين في إعادة الخدمة، حيث تمت كتابة الطلب ومخاطبة الوزارة عن طريق قسم الموارد البشرية بالكليات التقنية بتاريخ 10/10/2011، لتقوم الوزارة بتاريخ 17/12/2012 بإرسال كشف يتضمن أسماء المحاضرين العمانيين المعينين عن طريق الشركات والدرجات المالية التي سيتم تعيينهم عليها، إلا أن الموضوع ظل عائمًا دون أن يرى النور أو يستجد به جديد.
من جانبه قال عامر بن سعيد العبري محاضر لغة إنجليزية في الكلية التقنية بالمصنعة الذي تم تعيينه عن طريق الشركات الخاصة لـ “أثير”: “معاناتنا في الوظيفة التي تتحكم بها الشركات الخاصة كبيرة ولا يعلمها إلا الله، إلا أننا من أجل لقمة العيش وخدمة وطننا الغالي مستمرين فيها دون كلل أو ملل، رغم أن محاولاتنا مستمرة في تحسين أوضاعنا والالتحاق بالوزارة للاطمئنان على مستقبلنا الوظيفي، مضيفًا العبري ” سبق وتقدمنا للوزارة بناءً على الإعلان الصادر في الصحف المحلية بتاريخ 23/12/2012، وقدمنا طلباتنا لدائرة شؤون الموظفين بالوزارة، وتمت مناقشة رئيس قسم الشؤون الإدارية، الذي أفادنا بأن الوزارة ستقوم بإعادة تعيين جميع المحاضرين العمانيين الراغبين في ذلك، دون الحاجة للتقدم للإعلان المطروح في الصحف ودون أن نخضع للمقابلات مرة أخرى.
وأكد عامر العبري بأنه تم عرض الموضوع من جديد على سعادة وكيلة التعليم التقني ومدير عام الشؤون الإدارية والمالية بالوزارة، وذلك خلال زيارتهم الاعتيادية للكليات، وأبدوا الموافقة، بشرط موافاتهم برسالة توصية من عمداء الكليات، موضحًا ” الأمر الذي استبشرنا بعده خيرًا، خصوصًا بعد استلام جميع المحاضرين عن طريق الشركات الخاصة بتاريخ 5/6/2013 رسالة بالبريد الداخلي، تفيد بأنه سيتم إعادة تعيين الجميع دون الحاجة للمقابلات، وذلك بناءً على التوجيهات الخاصة من سعادة الوكيلة، التي طالما سوفت في الموضوع تحت عبارة “مسألة وقت”.
وأشار العبري إلى أنه في عام 2013 تم إعادة تعيين بعض المحاضرين العمانيين، بدون مقابلات أو اختبارات مع إرجاء تعيين آخرين رغم مؤهلاتهم العلمية الأعلى من زملائهم الذين تم تعيينهم، وتم ذلك دون إبداء أية أسباب أو تحديد معايير واضحة حول الموضوع، وبعد مراجعات عديدة لمديرية التعليم التقني بالوزراة ومكتب مدير عام الشؤون الإدارية والمالية، تم البدء من جديد في إجراءات إعادة تعيين البقية ممن لم يتم تعيينهم سابقًا، وذلك في شهر فبراير 2014، وإتمام جميع إجراءات التعيين، وتم الحصول على الموافقات الأمنية في مارس من ذات العام، ولم يتبق إلا إصدار قرار التعيين من قبل وزارة القوى العاملة ، التي جاء ردها مفاجئًا: “تم إلغاء الجدول الأكاديمي الصادر في العام 2007″، إلا أنه وبعد مراجعة وزارة الخدمة المدنية اتضح عدم صحة قرار إلغاء الجدول المذكور.
وأوضح العبري في محور حديثه لـ “أثير”: مطالباتنا المستمرة عن موعد التعيين، أثارت شيئًا من القلق لدى المسؤولين في وزارتي القوى العاملة والخدمة المدنية، ليتوصلوا لحل مناسب لإنهاء موضوعنا من خلال إصدارهم إعلانًا جديدًا يجب أن نتقدم من خلاله لإعادة التعيين، وفعلًا صدر الإعلان بتاريخ 4/6/2014 ويحمل رقم (447)، مستطردًا العبري بأنه وللعلم تم “تفويت” -كما يقول- عدد ثلاثة إعلانات توظيف سابقة في المجال نفسه، وذلك اعتمادًا على وعود (يوجد مخطوط ورقي بعدم الحاجة للمقابلات والتعيين قائم).
وختم العبري حديثه لـ “أثير”: بقوله “-لم نيأس- وبناءً على الإعلان الجديد تقدمنا للمقابلات المقررة من جديد، ومنذ ذلك التاريخ وبعد مرور أكثر من 3 سنوات على إجراء المقابلات لم يتحرك في الموضوع أي ساكن! لماذا؟ لا ندري، رغم سؤالنا المتكرر ولقائنا بمعالي الشيخ وزير القوى العاملة بمعية سعادة سلطان العبري عضو مجلس الشورى ممثل ولاية عبري، لكن معاليه أحبط من عزيمتنا بعبارة “أنا لا يربطني بكم إلا العقد الذي بين الوزارة وشركات التوظيف، وغير ملزم بكم”!، كما هو الأمر مع أحد المسؤولين في الوزارة عندما قال بصريح العبارة “محد ضربكم على إيدكم”.
أما أنور بن ناصر الإسحاقي، محاضر في الكلية التقنية بنزوى وباحث دكتوراه، فتحدث مع “أثير” عن أهم الجوانب السلبية التي يعانون منها عن طريق شركات التوظيف الخاصة قائلًا: “هناك الكثير من الأمور التي تحد من عطائنا وتؤرقنا يومًا بعد يوم، خاصةً فيما يحدث من تمييز جلي من قبل الوزارة على مستوى العمل، وذلك من خلال التأهيل والتدريب والإجازات والترقيات وكذلك المكافآت، وكأن الوزارة غير مسؤولة عن هذه الفئة من المحاضرين، ومما يثير التساؤل والاستغراب، بأن وزارة القوى العاملة وعلى لسان مسؤوليها، دائمًا تدعو إلى تعمين الوظائف.
وذكر الإسحاقي أهم الفروقات بين موظفي الشركات وموظفي الوزارة العاملين في المجال نفسه، وذلك في عدة نقاط:
– استحالة الحصول على الكثير من التسهيلات التي يتمتع بها الموظفون التابعون للخدمة المدنية والمقدمة من قبل المؤسسات الأخرى في السلطنة، كالحصول على قروض أو تمويلات شخصية من البنوك.
– عدم التمتع بالحقوق والامتيازات التي يتمتع بها المحاضرون العمانيون التابعون للخدمة المدنية، مع العلم بأننا نقوم بنفس المهام والأعمال، وعلى سبيل المثال الفرق الكبير والواضح بين رواتب الفئتين (على الرغم من أن وزارة القوى العاملة تدفع راتبا لشركات التوظيف يقدر بـ 1995 ريالا عمانيا عن كل محاضر، ويستلم المحاضر نفسه تقريبًا 1250 ريالا، أي أقل بكثير مما يتم دفعه لمحاضري الخدمة المدنية 1825 ريالًا عُمانيًا).
– عدم المساواة في الإجازات المستحقة بين الموظفين التابعين للخدمة المدنية وغيرهم من العاملين بعقود مع شركات التوظيف.
– تعيين العديد من المحاضرين الأجانب سنويًا بعقود حكومية ودرجات مالية تابعة للخدمة المدنية، والتي من الأولى أن تكون للمحاضرين العمانيين القائمين على رأس عملهم، علمًا بأن السبب الرئيسي لعدم نقلنا إلى الخدمة المدنية حسب إفادة وزارة القوى العاملة هو عدم توفر الدرجات المالية المخصصة للمحاضرين، فلم لا يتم تثبيت المحاضرين العمانيين بالدرجات المالية الحكومية، ويتم التعاقد مع الأجانب عن طريق الشركات؟ فالمواطن أولى وأحق.
– لا يحق لنا كموظفين عمانيين متعاقدين مع الشركات المشاركة في الدورات والبرامج التدريبية التي يحصل عليها زملاؤنا العمانيين ممن هم على أحكام قانون الخدمة المدنية، وأصبحنا محرومين من الابتعاث للدراسة سواءً لبرنامج الماجستير أو الدكتوراه، كما أن الشركات التي نحن تحت إمرتها لا تسمح لنا بأي تفرغ لتلك البرامج أو الدورات التدريبية المتخصصة التي نسعى ونطمح لها دائما.
– تعمل الوزارة على إرسال لجان للبحث عن محاضرين من دول مختلفة، وعند وصول أولئك المحاضرين إلى الكليات يتم إلغاء عقود الكثير منهم لعدم كفاءتهم الوظيفية، ويتم ذلك بعد صرف المبالغ الطائلة لجلبهم، بينما الكادر العماني الجدير بالثقة والذي يعمل في الوظيفة نفسها لسنين طويلة وبدون أي ملاحظات سلبية على أدائه، يبقى غير جدير بالوظيفة طبقا لشروط ومقابلات الوزارة.
– إن الراحة النفسية والاطمئنان على المستقبل والرضى الوظيفي أصبح اليوم من أهم ركائز الإبداع الوظيفي الذي نطمح إليه دائمًا، فهل يمتلك اليوم محاضرو وفنيو الكليات التقنية ممن يُجدد عقدهم سنويًا مقومات الإبداع؟
واختتم أنور الإسحاقي حديثه لـ “أثير” بأنه من الواضح اليوم بأن جميع المحاضرين والموظفين، الذين يستظلون تحت ظل “العقود السنوية” –يعتقدون– بأنه يمارس عليهم موضوع الاتجار بالبشر، وذلك من حيث معرفتهم ودرايتهم بأن الشركات تستقطع من رواتبهم مبلغًا ليس هينًا هم وأسرهم أولى به.
الجدير بالذكر أن مجموعة المحاضرين في تواصلهم مع “أثير” أثنوا وأشادوا بالعديد من المؤسسات الحكومية على تعاونهم الكبير والتام في قضية إعادة تعيينهم، مثل وزارة الخدمة المدنية ووزارة المالية وجهاز الرقابة الإدارية والمالية ومجلسي الدولة والشورى، بالإضافة إلى النقابة العمالية، ما عدا وزارة القوى العاملة التي قالوا بأنها ماطلت كثيرًا في قضيتهم، ولم تحاول حتى إيجاد بعض من الحلول المناسبة سواءً معهم أو حتى مع الشركات الخاصة مالكة حق التوظيف.
وكانت “أثير” قد تناولت أكثر من موضوع يخص القضية، أهمها حوار خاص مع المحاضر محمد الشماخي في الرابط أدناه: