المعتصم البوسعيدي
قبل خمسةِ أعوامٍ ونيف كان الحُلمُ يُداعب المشاعرَ، وكانت الفكرةُ تتدحرجُ ما بين العقول، والصوتُ تقودهُ قيثارةُ الأُمنيات، والمالُ مُجردَ أوراقٍ تتكاثرُ على النِداء، حتى إذا ما سطعت شمسُ الحقيقة؛ كانت الخيوطُ المُضيئة تتسلل مُعلنةً عن فجرٍ جديد.
هُناكَ في القريةِ التي تحرُسها القلعةُ الصامدة، وتسمو بها شامخات النخيل، وينبض إنسانُها بالمحبةِ والأملِ وبالسلامِ والعمل، هُناكَ في قريةِ الأخضر المُتجددة بشبابِها المُخلص وبفريقِها المُثابر، ولِدَ من رحمِ المبادرةِ “مرصدُ سمد الشأن الفلكي” حاملا اسم الأصالةِ والحضارة، وشواهد الزمان والمكان على نيابةٍ كانت ــ ولا تزال ــ عنوان الصدارة؛ فيها يمتزجُ العبقُ التليد بالحاضرِ السعيد؛ وتتشابك الرؤى في وصفِ جمالاتِ الغيد؛ حيث جنات “الروضة” تُداعبها نسمات “الأخضر”، وأرض “البُحير” ترتوي من فيضِ قُرى تطلُ من شرفةِ “حصن الخبيب” الأزهر، فتزهو “المعمورة” بصفاءِ “المُيَّسر”، وتنثرُ “لزق” نفحاتٍ تُعطرُ “وادي عندام” المُمطر، ومن “العليا” إلى “بعد” حياةٌ تنثالُ بعذوبةِ الأنهُر.
لقد جاءَ تدشينُ “مرصد سمد الشأن الفلكي” قبل خمسةِ أعوامٍ ليؤسسَ لمرحلةٍ جديدةٍ في العملِ المجتمعي المُقترن بالمعرفة، والمتطلع لصناعةِ جيلٍ يواكبُ المستقبلَ قبل الحاضر؛ ليُعيد ـ في غايتهِ الكُبرى ــ تاريخَ الريادةِ لأمةٍ ارتبطَ علمُ الفلكِ بحياتِها اليومية وشعائرِها الدينية كالصلاةِ والصيام والأعيادِ الإسلامية، علاوةً على إسهامهِ في تفسيرِ وفهمِ معاني القرآن الكريم، إضافةً لأهميةِ سبرِ الفضاء وتأثيرهِ في مختلف المجالات ومختلف الاستخدامات كالملاحةِ والزراعةِ والأفلاجِ كخصوصيةٍ عُمانيةٍ مُتفردة.
إن التطورَ الذي شهدهُ “مرصد سمد الشأن الفلكي” من خلالِ تنوعِ أدواتهِ وأعمالهِ جعلَ المسؤوليةَ والطموحات أكبر؛ فمن مُجردِ رصدٍ فلكي إلى فعالياتٍ ومشاركاتٍ علميةٍ وعمليةٍ قيمة، وإسهاماتٍ جليلةٍ في خدمةِ المُجتمع تحققت بفضلِ قيادة ماهرة أمسكَ زمامَ دفتها شابٌ طموحٌ هو الأخ العزيز ماجد بن محمد الفرعي الذي يعودُ إليه الفضلُ الوافرُ من الجدِ والاجتهادِ حتى أصبح المرصدُ على ما هو عليهِ اليوم، ثمَّ إن التدرجَ الذي يعملُ عليه المرصد هو تدرجٌ جيدٌ وبخطواتٍ غير مُتقافزة ــ إن صح التعبير ــ على الواقع، والمرصد في إدارتهِ المُستقلةِ بقي ملتصقا بشكلٍ دائم بهيكلِ فريق الأخضر في تكامليةٍ واعيةٍ كان أحد أهم إفرازاتها فعاليةُ “الأيام الفلكية بمحافظة شمال الشرقية” في أبريل من العام 2017م، التي أعطت الصيتَ وأدارت بوصلةِ الضوء على المرصدِ الفلكي وما يقوم به.
اليوم.. ونحن نعيشُ الذكرى الخامسةَ “لمرصدِ سمد الشأن الفلكي” فقد وقّعَ المرصدُ يوم الاثنين الموافق 24 يونيو 2019م اتفاقيةً مع اللجنةِ الوطنية للشباب لدعمِ المرصد ماليا ومعنويا خلال المرحلة القادمة بعد اقتناعٍ تام من اللجنةِ بأثر المرصد الإيجابي على المجتمع، وسط توقعاتٍ وتطلعاتٍ كبيرة قد تنتهي ــ ولمَ لا؟! ــ بوجودِ بُنيةٍ تحتيةٍ تُخرج جيلا يُسهم في العطاءِ مع زخمِ الاهتمام العالي لعلومِ الفلك بالسلطنة على كافةِ المستويات سواء الحكومية منها أو الخاصة، ولعلَّ في رصدِ سمد الشأن للفضاء ميلادا لعُلماء عُمانيين يخلفون سلفا سبحوا في فلكِ العلم والمعرفة كخلف بن سنان الغافري والشيخ خلفان بن جمعة السليماني والشيخ خميس بن سعيد الشقصي والشيخ سعيد بن أحمد الكندي وغيرهم الكثير.