فضاءات

د. سالم بن سلمان الشكيلي يكتب: لا تخافوا على مسيرة الشّورى العُمانية

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

أثير-د. سالم بن سلمان الشكيلي

تمضي مسيرة الشّورى في سلطنة عمان قُدمًا وفق منهج مدروس، وخارطة طريق، رسم معالمها وحدد مسارها باني عمان وقائد نهضتها المباركة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم أيّده الله، وهذه الممارسة الشورويّة تترسخ عمقًا في وجدان وضمير الإنسان العماني؛ لأنه آمن بالحكمة البالغة والرؤية الثاقبة لسلطان البلاد المفدى، كما آمن بأنّ التطور لا يأتي دفعة واحدة، وإنما وفق مراحل وحلقات زمنيّة متتابعة، لا تسبق إحداها الأخرى لا مكانيًا ولا زمنيًا، وإلّا سينفرط العقد وتتبعثر حبّاته.

ولقد قامت الشّورى العمانيّة على موروث دينيّ وحضاريّ لهذه الأمة العمانية، مع انفتاح دائم ومستمر على تجارب الآخرين، وعلى أساليب العصر وأدواته، فمن الطبيعي التطور الفكري للمواطن، وارتفاع سقف طموحاته وتطلّعاته، بالإضافة إلى تغيّر وازدياد الحاجات الإنسانيّة وحضورها بقوّة عند مهندس النهضة، فما كان يناسب عقد السبعينيات لا يناسب عقد الثمانينيّات مع العقد الماضي، وما كان يوافق القرن الماضي لا يوافق العقد الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين، فكل شيء يتطوّر في هذا الوجود، لكنه تطوّر تحكمه عوامل مختلفة.

نقترب رويدًا رويدًا من يوم التصويت لانتخابات أعضاء مجلس الشورى لفترته التاسعة، وكلما زاد اقترابنا ارتفع منسوب الحراك المجتمعي بشكل عام، واشتدت المنافسة بين المرشّحين في حملاتهم الانتخابية بشكل خاص، أما سيّد هذا الموقف كله وهو الناخب يراقب ويتابع هذا الحراك، وهذا الزخم الإعلامي كي يتمكن من اتخاذ قراره المناسب في توجيه صوته لمن يستحقه في حرية تامة وقناعة كاملة دون تأثير من أي كان، إلا تأثيرًا واحدًا وهو مصلحة عمان التي تعلو وتجبّ كل المصالح الأخرى، فعمان هي قبيلتنا الكبرى وهي أسرتنا وأهلنا وأصدقاؤنا. وإنني أجزم يقينًا بأنّ الناخب العماني بات يدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، وأنّ اختياراته الصائبة هي التي ستصنع الفارق، فمجلس الشورى هو صناعة الناخبين وعليهم أن يتقنوا صناعتهم.

كل المؤشّرات والمعطيات توحي بأنّنا سنشهد هذه المرّة اختيارات لكفاءات وخبرات عالية، وإنّني -بصفتي متابعًا- أراهن على هذا الأمر رهانًا غير خاسر بإذن الله، ولذلك أقول طالما كان هناك إيمان بحرّية الناخب -كل ناخب- في تحديد اختياراته فاتركوه يعبّر عن رأيه في تأييد فلان أو مؤازرة علاّن فليس من وصايةٍ على أحد طالما تولّدت القناعات، وهذا من باب حرّية الرأي وحرّية الصوت الانتخابيّ، فكلما ابتعد التعصب القبليّ أو المذهبيّ أو الفئويّ فلا خوف على العمليّة الانتخابيّة، ومسألة التأييد موجودة في أعرق الديموقراطيات في العالم ، وإن أردتم الصدق فإنّ كلّ دعوة لمؤازرة فلان أو دعوة بعدم مؤازرته ولو من بعيد تأخذ الحكم نفسه.

وفيما يتعلق بالأعضاء الذين سينتخبون عليهم أن يدركوا حقائق عدّة من بينها:
الأولى: أنّ وصولهم تحت قبّة مجلس الشورى لم يكن ليتم لولا أصوات الناخبين الذين منحوهم ثقتهم وعليهم تذكر ذلك دائمًا، وألا يترفعوا عن من كان السبب في وصولهم إلى عضويّة المجلس، والعضو الذكيّ يجب أن يبقى على تواصل دائم ومستمر مع المجتمع، وإلا سيكون كمن أخذ تأشيرة دخول لمرة واحدة فقط.


الثانية: عليهم أن يدركوا دقّة المرحلة والمسؤولية الملقاة على عاتقهم، ومن هنا عليهم القيام بواجباتهم القانونيّة ومن أولوياتها حضور جلسات المجلس ولجانه والمشاركة الفاعلة في الأعمال المعروضة عليهم.

الثالثة: الإيمان الكامل أن عمان أولًا وثانيًا وثالثًا، ليبتعدوا عن المصالح الشخصية والضيقة، فعمان وطن للجميع لا تمايز ولا تمييز فيه لأحد.

الرابعة: الموضوعية في الطرح وفق حوار هادئ وموزون بعيدًا عن التشنّجات والانفعالات والاتّهامات المسبقة، تقارع الحجة بالحجة وليس بالصراخ والصوت العالي فذلك لا يسمن ولا يغني من جوع، بل سيحدث فعل وردة فعل معاكسة، وهذا ما لا نريده في مسيرتنا الشوروية.

وعلى الجانب الآخر وهي الحكومة وهي القيّمة على الشأن العام أن تدرك مرامي ومقاصد جلالة السلطان المعظم في فلسفته في تدرج الشورى، وليكن هناك تعاون وتفاهم وتنسيق أكثر مع مجلس عمان بغرفتيه الدولة والشورى، فالهدف واحد والمصلحة الوطنيّة جامعة للكل، قد تختلف النظرة حولها لكنّ النوايا كلها تصبّ لمصلحة ورفعة عمان فأعضاء الحكومة عمانيون وطنيون حتى النخاع، وأعضاء مجلس عمان هم أيضا عمانيون وطنيون حتى النخاع، وليتأكد الجميع أنه لا هيمنة لأحد على أحد، هكذا هي إرادة سلطان البلاد المفدى، وليس هناك من غالب أو مغلوب، الغالب دائمًا وأبدًا هي عمان.

لتبدأ الفترة التاسعة من عمر مجلس الشورى بإعلان حسن النوايا من الجميع، فالمواطن العماني ينتظر عملًا جادًا مخلصًا يلامس احتياجاته ومتطلباته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية، ليكن العمل بروح الفريق الواحد المؤمن بمبدأ الشراكة في كل ما يهمّ الوطن، لنأخذ كل النجاحات السابقة ونبني عليها بناءً بإرادة العماني الذي لا يعرف اليأس طريقًا إلى نفسه، وتتكسر كل الصعوبات والعقبات أمامه، فقد نذر نفسه لعمان وللوفاء والولاء لسيدها جلالة السلطان المعظم.

إنّ زيادة عدد المقيّدين في السجل الانتخابيّ من مختلف ولايات السلطنة يبعث برسائل متعددة، لعلّ أولها لأولئك المثبطين مفادها أنّ دعواتكم مردودة إليكم فقد آمنا بواجبنا الوطني فإن شئتم التخلف عن المشاركة الانتخابية فذلك شأنكم ولكم ما أردتم ، لكن السواد الأعظم من الناخبين سيذهب إلى صناديق التصويت ليمارس حقه الانتخابي ويؤدي واجبه الوطني، أما الرسالة الثانية هي الإصرار من العمانيين على المحافظة على هذا المكتسب والمنجز الذي تحقق في العهد الزاهر الميمون، والرسالة الثالثة تأتي في إطار إلقاء المسؤوليّة على أعضاء مجلس الشورى وعلى الحكومة ليقوما معًا بما يجب القيام به .

وعودًا إلى بدء، فالجميع قد عرف مسؤولياته والشورى ماضية في طريقها وجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله- يرعى هذه المسيرة ويدعم أطرها ويعزز مسارها بما يتوافق ومتطلبات كل مرحلة، وليس ببعيد أن يتفضل بإعطاء دفعة جديدة لمجلس عمان.

وآخر القول في هذا المجال: لا تخافوا على مسيرة الشورى في سلطنة عمان.

Your Page Title