أثير – ريما الشيخ
لمحافظة مسندم نافذتان: نافذة تطل على البحر ونافذة تطل على الحلم ، وكأنها سباق الحقيقة والخيال.
مسندم الواقعة في أقصى الشمال في الشاطئ العُماني، يكون البحر فيها مجاورًا للجبل بل متداخلًا معه، ومن جراء دخول مياه البحر في قاعدة الجبل الصخرية تشكلت كهوف متنوعة الأشكال والامتدادات ، تغري الغواصين بالغوص والتوغل في عمقها تلبية لنزعة المغامرة وكشف المجهول، وحبًا برؤية ما ينطوي عليه من أسماك نادرة تعيش في المياه الداكنة أو تتقافز براقة في سطح المياه الصافية، ورؤية شعب المرجان الملونة.
تحرك سلحفاة هنا، أو قفز دولفين راقص هناك، أو يشدك لوحة رسمتها طيور النوارس البيضاء في السماء أو ذُعر النسر الذهبي البعيد فوق الجبال ، فيتشكل من كل هذا مشهد بحري جذاب، فيثبت للناظر ما شاهدت عيناه حقيقة جغرافية من حقائق محافظة مسندم، ويدون بأن هذه المحافظة، بجبالها الواقعة على ارتفاع 1800م فوق سطح البحر، وبولاياتها الأربع: خصب ودبا وبخاء ومدحاء، هي من هبات الله للشاطئ الشمالي من السلطنة، وأنها بحر يمد لسانه إلى أقدام الجبال أو الجبال القديمة. وفي عرض البحر يمكن مشاهدة مطالع الرؤوس الأولى لسلسلة جبال الحجر، و تأسرك أشعة غروب الشمس الحمراء التي تخلق توهج ضوئي خلاب ساحر.
واليوم نتحدث عن أهم ولايات محافطة مسندم التي هي أشبه بمرسى في دلتا البحر حيث تطل جروفها الشاهقة على المدينة من الجانبين ، وتنتصب الجبال من خلفها داعمة موارد المياه العذبة ، فيما تلوح أشجار النخيل في هذه الولاية موزعةً لونها الأخضر المتناغم مع ألوان الجبال وامتزاجها مع لون البحر والسماء ، إنها خصب المركز الإقليمي لمحافظة مسندم ، التي تبعد عن العاصمة مسقط بحوالي 481 كم.
إذا كان الإنسان غالبًا ما يحمل ملامح المكان فإن أسماء المدن والأماكن قد تدل على بعض ملامح مُسمياتها، حيث ينقلك اسم ولاية خصب مباشرةً إلى الخصب والنماء.
أما تجمعاتها السكانية فبلغت حوالي 208 منها: خصب وقدا والحرف وكمزار وليماء، وبلغ عدد سكانها 18151 نسمة حسب التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت لعام 2010 م.
اكتسبت ولاية خصب أهميتها التاريخية بسبب موقعها المباشر على أحد أهم المضائق الحيوية في العالم وهو مضيق هرمز الذي يفصل بين الخليج العربي وبحر عُمان، وقد أثبتت النقوش الأثرية التي اكتشفت في منطقة قدا بولاية خصب أن القوافل التجارية السومرية في الألف الثالثة والرابعة قبل الميلاد كانت تمر عبر مضيق هرمز متجهة إلى بلاد الرافدين ، وهي تحمل النحاس الذي يُجلب من مناطق تصدير النحاس من داخل عُمان، كما يوجد في فدا بقايا بيوت قديمة ، و في منطقة الروضة عُثر على برك من الطين المحروق كانت تُستعمل لتجميع ماء المطر.
وأثبتت الدراسات الأثرية وجود شواهد على استيطان الساسانيين المنطقة من القرن الرابع حتى القرن السادس الميلادي، إلا أن الأوضاع تغيرت بعد ذلك مع انتشار العرب من الأزد في المنطقة وسيطرتهم على المناطق الساحلية، وقد ارتبطت هذه التجمعات العربية في منطقة الساحل بتجمعات عربية أخرى في تؤام (البريمي) عبر الطرق البرية والأودية.
وتضم خصب معالم أثرية من القلاع والحصون والأبراج ، فهناك “حصن خصب” الذي يرجع تاريخه إلى بداية عهد آل بوسعيد ، وقد تم ترميمه في مطلع العام 1990م من قبل وزارة التراث القومي والثقافة آنذاك . أما حصن “الكمازرة” فليس معروفًا تاريخ تشييده على وجه الدقة ، وهو يقع في حلة “الكمازرة” .
إضافة إلى ذلك ، يوجد ثلاثة أبراج هي : برج “السيبة” ، وبرج “كبس القصر” الذي لم يبق منه غير الأطلال ، وبرج سعيد بن أحمد بن سليمان آل مالك في حلة “بني سند” وهو من بقايا حصن كبير تعرض للاندثار بمرور الزمن ولم يبق منه إلا هذا البرج.
ومن المساجد القديمة ، جامع “السيبة” والمسمى بالجامع الغربي ، وقد أعيد بناؤه في عام 1980م ، وكذلك مسجدا “السوق والكمازرة” اللذان أعيد بناؤهما أيضاً خلال العهد الزاهر لجلالة السلطان قابوس المعظم .
وفيما يتعلق بالمعالم السياحية فهي تتمثل بالمتنزهات الطبيعية في الروضة والسي والخالدية ، إضافة إلى وادي خن ومسيفة حيوت وخور نجد . وهناك العديد من الجزر منها :جزيرة الغنم ،مسندم ، أم الطير ، جزيرة سلامة وبناتها ، أم الفيارين ، الخيل ،مخبوق ، أبو مخالف وجزيرة ساوي .
ومن أهم الفنون الشعبية والتقليدية : المولد النبوي ،الندبة ، الرواح ، السارح ، الصادر ، الساري ، الزار ، الجلويح ، الدان ، الليوا ، السحبه ، الشلة ، الزاجرة ، العازي ، المعلاية و الرزحة .
ومن تلاطم المياه على صخورها وانعكاس أشعة الشمس عليها، وتناغم طيورها وموقعها المميز ، حلقنا بك أيها القارئ الكريم بجولة لبعض من مشاهدها الخلابة ، إنها خصب الجمال والخيال.
المصادر :
1. كتاب “الموسوعة العمانية” ، المجلد الرابع ، خ-د-ذ-ر
2. كتاب “مسندم عبر التاريخ”، الطبعة الثانية ، حصاد الندوة التي أقامها المنتدى الأدبي بمحافظة مسندم 16-17 أكتوبر 2000م.
3. كتاب “مسيرة الخير” ،إصدار وزارة الإعلام ، سلطنة عمان 2010م.
4. كتاب “مرحبا في محافظة مسندم” ، عمان – للجمال عنوان – وزارة السياحة.