د. رجب بن علي العويسي – خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة
لما كان التعليم قضية مجتمعية تتناغم حلقاتها مع كل أحداث المجتمع ومستجداته وتطوراته؛ وتماشيا مع الجهود النوعية المبذولة من قبل الجهات المختصة بشأن الجاهزية الوطنية لانتخابات أعضاء مجلس الشورى للفترة التاسعة، شكل الحديث عن التعليم والشورى والعملية الانتخابية أحد المفاصل التي يفترض أن تقرأ بصورة أكثر عمقا ومهنية، للوقوف على موقع التعليم من العملية الشوروية في كل مراحلها ومواقفها بشكل عام، وعملية التسويق الانتخابي للمترشحين بشكل خاص، وبالتالي جملة المؤشرات والمعطيات التي باتت تعكس مدى قدرة التعليم على رسم ملامح هذه العملية عبر حضوره في محتوى الأجندة الانتخابية للمترشحين أو حضوره في كل العمليات الترويجية والتسويقية في فقه وسلوكيات الناخبين والمترشحين لعضوية المجلس، والممكنات البرلمانية والمهنية والأخلاقية والسلوكية والتفاعلية واستخدام التقنية ومنصات التواصل الاجتماعي ومهارات الاتصال والتواصل التي يصنعها التعليم في سبيل ضبط السلوك الانتخابي الناتج والالتزام بقواعد العمل البرلماني التي تبدأ مع العضو المترشح بمجرد التفكير في ادراج اسمه في قائمة السجل الانتخابي، واستشعاره لطبيعة المهمة وحجم الدور الذي عليه أن يؤديه والجهد الذي يبذله في التعامل مع متطلبات العملية الانتخابية والتسامح الفكري والمعرفي مع تعدد وجهات النظر والتعامل مع الرأي والرأي الآخر، والتعايش مع النقد والاختلافات في التوجهات والأفكار، وطريقة التعبير أو مساحة الدخول في المجتمع والحميمية التي يولدها العضو المرشح عبر اللقاء الانتخابي للتعريف ببرنامجه ورؤيته الانتخابية وقدرته على إعادة انتاج مسار الوعي المجتمعي بطريقة تتناغم مع فلسفة الشورى العمانية وصلاحيات مجلس الشورى والادوار الرقابية والتشريعية التي يؤديها.
وانسجاما مع هذا الطرح ينطلق تناولنا للموضوع من فرضيتين، الأولى: تتناول موقع التعليم كورقة ضغط يستخدمها المترشح لعضوية مجلس الشورى للحصول على أكبر عدد من الأصوات، لكون التعليم يضم بين دفتيه أكبر شريحة في المجتمع من الجنسين ، وهو ما ظهر بشكل أكبر في الفترات السابقة من أن نسبة كبيرة من الذين استحقوا ثقة المواطن فيها ليصلوا إلى عضوية المجلس هم من التربويين ، إما معلمين بالمدارس أو إدارات مدارس أو مشرفين ، أو أكاديميين في مؤسسات التعليم العالي والجامعي والمؤسسات الخاصة ، أو ممن لهم اهتمام ومشاركات في حقل التعليم وقضاياه، أو لخصوصية التعليم ذاته وتصدره قائمة الاهتمام والرصد المجتمعي المستمر فهو يقع في دائرة المتابعة فهو السهل الممتنع الذي يمثل بمثابة نقطة الانطلاقة إلى العوالم الأخرى الاقتصادية والاستثمارية والإعلامية والاجتماعية وغيرها؛ وبالتالي مستوى التعاطف الذي يتحقق للعضو المترشح من قبل مجتمع التعليم بكل أطيافه في ظل بعض المؤشرات التي باتت تطرح التعليم كورقة ضغط مجتمعي يستخدمها في التعاطي مع قضاياه المختلفة، واتساع الفجوة الحاصلة بين التوقعات المأمولة من التعليم وبين ما يرصده واقع التعليم من ممارسات وتوجهات، وبالتالي شكلت مدخلا مهما للبرنامج الانتخابي لدى العديد من المترشحين، ويكاد أن لا يخلو برنامج أحد المترشحين من حضور للتعليم في أحد أجندة العمل، والرؤية التنافسية التي يمكن أن يستخدمها العضو المترشح للحصول على استحقاقات المرحلة الانتخابية ، كما أن جود بعض التحديات والاشكاليات المرتبطة بالتعليم والتي باتت تدق ناقوس الخطر وتتناغم مع نبض الشارع العماني عزز من أهمية دور التعليم كعامل مؤثر في التسويق الانتخابي من حيث: تزايد أعداد الباحثين عن عمل من مخرجات الدبلوم العام ومخرجات جامعة السلطان قابوس ومؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة من داخل السلطنة أو خارجها، وتزايد أعداد الوافدين للقيام بالتدريس في المدارس الحكومية يقابله زيادة مضطردة في أعداد المخرجات من التخصصات التربوية والتعليمية القابعة في البيوت والتي لم تحظى بأي فرصة في الالتحاق بالمدارس رغم مرور سنوات عديدة على تخرجها، وبالإضافة إلى اشكاليات الاستيعاب الناتجة عن تعقد الإجراءات وزيادة المتطلبات وعدم تكافؤ متطلبات الاختبار مع طبيعة المهنة بسبب تركيز اختبارات المتقدمين لشغل الوظائف التدريسية والوظائف المساندة لها بالمدارس على جزء من التقييم دون غيره، أو الإشكاليات الأخرى الناتجة عن عدم وضوح آليات تعيين المعلمات العمانيات في المناطق البعيدة بالإضافة إلى إشكاليات أخرى برزت على السطح كالسلامة والأمن في الحافلات المدرسية وحوادث نسيان الأطفال في باصات المدرسة التي راح ضحيتها مجموعة من الأطفال ، وقضايا أخرى تتعلق بالمناهج وسوق العمل والرأسمال البشري الاجتماعي وغيرها، وبالتالي شكل ذلك مصدر اهتمام وترقب ومدخل لتوقعات قادمة في قدرة العضو المترشح للعمل وعبر منصات المجلس على إيجاد حلول جذرية لهذه التحديات، مما عزز من تفاعل مجتمع التعليم مع هذه الأفكار المطروحة واوجد حالة من التناغم في التوجهات ، والدخول إلى المجتمع من بوابة اهتماماته ونطاق أولوياته والهاجس الشخصي الذي يفكر فيه.
اما الفرضية الثانية فتتناول مستوى الحضور التعليمي في رسم ملامح وقواعد العمل والتعامل مع الحملات التسويقية والترويجية والدعائية للمترشحين لعضوية المجلس للفترة القادمة ، والوقوف على نمط الممارسة التسويقية والأدوات التي تستخدمها، وحجم التجاذبات الحاصلة بين المترشحين على مستوى الولاية الواحدة، والحشد في اللقاء الانتخابي الذي يسعى كل مترشح إليه عبر استئثاره بالمجتمع دون غيره، وما ارتبط بهذه المساحة من المرونة من ممارسات غير مسؤولة عززت من مساحات الاختلاف والتباينات في الأفكار والطرح، وعدم قبول الواقع وإدخال موضوع الشأن الاجتماعي والقبلي بطريقة خفية في الموضوع كمدخل ضغط جديد يمكن ان يتيح فرص أكبر لبعض المترشحين الذي لا يتوقعون الحصول على أصوات المواطن والشارع الاجتماعي، ومع ذلك تبقى هذه المواقف والأحداث مجرد حالة طارئة وسلوك وقتي وممارسات فردية بسيطة لا تمثل المجتمع العماني الواعي، والمواطن المدرك لأبعاد العملية البرلمانية والقيمة المضافة التي تحققها على مستوى النضج الفكري السياسي والاجتماعي ، وانعكاساتها على السياسات الوطنية الاقتصادية والاستثمارية والاجتماعية والتشريعية وغيرها، في وقت نعتقد أن المواطن فيه اصبح مؤهلا لخوض التجربة وتحقيق اصالة الممارسة الشورية بوعي وحكمة، و يمتلك مساحة اكبر من حسن الاختيار من بين البدائل في من يمثله في عضوية المجلس بعيدا عن أي تأثيرات اجتماعية أو غيرها، أو محاولة التشبث ببعض الأفكار والقناعات والانتماءات والعواطف الاجتماعية أو الدينية أو الشخصية، فإن الأسلوب غير المسؤول الذي صاحب بعض الأحيان في طريقة الترويج وآلية التسويق، وما يحصل فيها من شد وجذب، ومحدودية مساحات الحوار المباشر والمناظرات بين المترشحين لتقديم النموذج المناسب في الاجندة الانتخابية ، كل ذلك وغيره يطرح تساؤلاته حول التأثير الذي حققه التعليم في ثقافة الافراد والنتائج التي اوجدها في سلوك الفرد المواطن في طريقة تعاطيه مع المنجز الشوري عامة، ومستوى فهمه لأدوات العمل المتجددة التي يظهر اليوم ما فيها من تحولات وتوجهات إيجابية قد تصنع فارقا في الاختيار وتؤسس مرحلة متقدمة مبنية على الوعي في الانتقاء، وترسم في الوقت نفسه بدائل متنوعة للمترشحين الذين تحتاجهم المرحلة القادمة ، وبالتالي ما المؤشر الذي حملته هذه المساحة في رصد واقع الاستعدادات الانتخابية، وما رصدته منصات التواصل الاجتماعي والواتس أب من تباينات وتجاذبات، وحالة من عدم الثقة او الاستقرار أو بعض الاندفاع في فهم أو استغلال هذه المساحة، وطريقة الترويج لها الحاجة إلى حضور قوي لدور التعليم في بناء مهارة الشورى وترسيخ قيم الحوار والتعددية وتكامل الآراء وقيمة الاختلاف وبناء الرأي الآخر وقوة المناظرة، وتقوية الدليل والحجة، وتحليل الواقع والاستفادة من الاحصائيات وغيرها؛ فإن دور التعليم الوقوف على مساحة واسعة وأرضية صلبة إعادة انتاج مفاهيم الشورى والبرلمان في ثقافة المواطن، تأطير اصيل للممارسة الشورية عبر ما تتيحه من فرص وتصنعه من مساحة داعمة للحوار الشوروي. وفهم أعمق لدور البرلمان في بناء المجتمعات وترقية انموذج العمل الوطني الناضج في التعاطي مع مستجدات المشروعات بكل استقلالية ونزاهة وتجرد من الذاتية والانانية ، أو أن يضع من نفسه وصيا على عمان أو أنه حامل مفتاح التغيير ، إلى غيرها من الأفكار التي يتداولها البعض، لذلك فمع القناعة ان أبناء الوطن لديهم من النضج الفكري والمعرفي في فلسفة الانتقاء والاختيار، الطريق الذي يمهد لدور أكبر لمؤسسات التربية والتنشئة في تأصيل ثقافة البرلمان كممارسة شوروية أصيلة تتم وفق عبر صناديق الاقتراع وتستخدم التقنية سعيا لتحقيق معايير النزاهة والمصداقية والسرعة والدقة .
ويبقى نجاح الرهان في تبني سياسات تعليمية تستهدف مراجعة جذرية للمفاهيم والأدوات والأساليب وطرائق التعبير التي يستخدمها التعليم في قراءة مفاهيم العمل البرلماني والشوروي، والقواعد والأنظمة والإجراءات التي يجب أن يفقهها الناخب والمنتخب لعضوية المجلس، بالشكل الذي يرسم ملامح التحول في الممارسة الناتجة، ويعكس جوانب التقدم في السلوك في مختلف مراحل العملية الانتخابية ، وبشكل خاص مرحلة التسويق والترويج أو مرحلة الحسم والانتخاب عبر صناديق الاقتراع؛ ويبقى على التعليم في ظل هذه الممارسات أن يعيد مساره لضمان دور اقوى وحضور اكثر فاعلية تظهر معطياته في سلوك المواطن وقناعاته ونظرته إلى العمل البرلماني وفهمه لدور الشورى، وترسيخ عادات الحوار البناء، ووضع هدف التطوير والبناء موضع الاهتمام بما يؤسسه من رقي فكري وأنموذج عملي في التعاطي الواعي مع دور البرلمان ، وعبر فهم معمق وقراءة استشرافية لاختصاصات مجلس الشورى والصلاحيات الممنوحة له، والضوابط والجزاءات والعقوبات التي أقرها النظام الأساسي للدولة وقانون انتخابات أعضاء مجلس الشورى والقضايا المتعلقة بالحصانة والعضوية وغيرها ، وما يحمله من رؤية واستراتيجية أداء أو يؤمن به من مسارات يلتزم فيها بقواعد السلوك البرلماني ويعمل بالأنظمة الداخلية واللوائح التنظيمية التي تنظم عمل البرلمان ، وبالتالي الحاجة إلى دور أكبر للتعليم في معالجة هذه القضايا بطريقة اكثر مهنية وفاعلية تؤسس لمرحلة متقدمة من الوعي الشوروي، وما يرسمه هذه الامر من أهمية ادماج هذه القضايا الشوروية والبرلمانية في مناهج التعليم وتعزيز الثقافة البرلمانية في مجتمع المتعلمين وتعزيز دور مجالس الإدارة الطلابية بالمدارس والمجالس الاستشارية لطلبة الجامعة ومؤسسات التعليم العالي كأنموذج مصغر للبرلمان الرسمي والمفاهيم المرتبطة به مثل: الانتخاب والترشح والراي الاخر وغيرها، لتصبح هذه المفاهيم مشبعة في فكر الأجيال القادمة وقناعاتها، وتبرز في ثقافة المترشح لعضوية المجلس او الناخب، بشكل يتناغم مع معطيات الحالة العمانية لاختيار عضو مجلس الشورى الذي تريده عمان.