فضاءات

د.بدر المسكري يكتب عن أثر قانون الجنسية العُمانية في مواجهة ظاهرة انعدام الجنسية

د.بدر المسكري يكتب عن أثر قانون الجنسية العُمانية في مواجهة ظاهرة انعدام الجنسية
د.بدر المسكري يكتب عن أثر قانون الجنسية العُمانية في مواجهة ظاهرة انعدام الجنسية د.بدر المسكري يكتب عن أثر قانون الجنسية العُمانية في مواجهة ظاهرة انعدام الجنسية

الدكتور بدر بن جمعة بن راشد المسكري – كلية الحقوق – جامعة السلطان قابوس

تُعدّ مشكلة انعدام الجنسية من المشاكل التي تؤرق المجتمع الدولي، حيث تشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من 15 مليون شخص بدون جنسية حول العالم. لا مراء أن هذه الأرقام المخيفة تستدعي الوقوف على هذه الظاهرة والتركيز عليها والمحاولة الجادة من الدول قاطبة للحد منها أو القضاء عليها إن أمكن.

ويعرف الفقهاء الشخص عديم الجنسية بأنه الشخص الذي لا يتمتع بجنسية دولة ما سواء أكان ذلك في لحظة الميلاد أم في وقت لاحق على هذا الميلاد، وتجدر الإشارة إلى أن هناك فرقًا بين عديم الجنسية والأجنبي، حيث إن الأجنبي فرد يوجد في دولة لا يكون من مواطنيها وهو يحمل جنسية دولة معينة ويتمتع بحمايتها، في حين عديم الجنسية لا يتمتع بجنسية أية دولة ولا بحمايتها.

وهناك اختلاف آخر وهو أن الأجنبي عادة ما يخضع لعقوبة الإبعاد أو الطرد في حين عديم الجنسية لا يخضع لهذه العقوبة إلا في حالات حصرية حددها القانون.

يحاول هذا المقال مناقشة موضوع انعدام الجنسية من حيث حالاته ومساوئه والجهود الدولية المبذولة لمكافحته، ومحاولة المشرع العماني الحد منه، ويختم المقال ببعض التوصيات التي من شأنها الإسهام في التقليل أو الحد من حالات انعدام الجنسية.

أولًا: حالات انعدام الجنسية

تعود ظاهرة انعدام الجنسية لأسباب كثيرة ومتنوعة قد يتحقق بعضها في لحظة الميلاد، وقد يتحقق البعض الآخر في تاريخ لاحق. ويعد السبب الرئيس أو المحوري في ظاهرة انعدام الجنسية إلى اختلاف الأسس أو المعايير التي من خلالها تمنح الدول الجنسية.

فعلى سبيل المثال من حالات انعدام الجنسية المعاصر للميلاد أن يولد طفل خارج دولته لأبوين تمنح جنسيتهم بحق الإقليم في إقليم دولة تمنح الجنسية بحق الدم، ففي هذه الحالة لن يكتسب المولود جنسية والديه ولا جنسية الإقليم الذي ولد فيه، فيصبح عديم الجنسية منذ لحظة ميلاده. ومن الحالات أيضا أن يولد طفل لأبويين منعدمي أو مجهولي الجنسية في دولة لا تأخذ بحق الإقليم. وكذلك أن يولد طفل لأب مجهول أو عديم الجنسية في دولة لا تمنح الجنسية إلا بحق الدم من جهة الأب. وهناك حالات نادرة قد يصبح فيها الشخص عديم الجنسية وذلك لدوافع عنصرية أو دينية أو سياسية، فعلى سبيل المثال رفضت استونيا وليتوانيا منح الجنسية للسكان الروس بذريعة أنهم معتدون ومحتلون لإقليمهم سابقا.

وقد يتحقق انعدام الجنسية اللاحق لميلاد الشخص بإحدى طريقتين: إما باختيار وإرادة الفرد وهو ما يطلق عليه الفقهاء التغيير أو التخلي، أو رغما عن إرادة الفرد وبإرادة الدولة فقط وهو التجريد سواء بالسحب أو الإسقاط. ومن حالات انعدام الجنسية اللاحق للميلاد أن يتنازل شخص عن جنسيته للحصول على جنسية أخرى ويتم رفض طلبه في الحصول على الجنسية الجديدة فيصبح عديم الجنسية. ومن ضمن حالات تجريد الشخص جنسيته سواء بالسحب أو بالإسقاط على سبيل المثال انتماؤه إلى تنظيم أو حزب سياسي يتعارض مع نظام الدولة، وقد تحدث حالات انعدام الجنسية بالزواج المختلط وذلك في حالة ما إذا تزوجت امرأة من أجنبي تختلف جنسيته عن جنسيتها، فتسقط جنسيتها من الدولة الأم وتكتسب جنسية دولة زوجها، لكن قد تفشل في الحصول على جنسية دولة زوجها فتصبح عديمة الجنسية. وهناك حالة أخرى وهي أن يحصل الأب على جنسية دولة أخرى ويفقد أبناؤه القصّر جنسية أبيهم السابقة ولا يستطيعون الحصول على جنسية أبيهم الجديدة.

ثانيًا: انعدام الجنسية في سلطنة عمان

يوجد في قانون الجنسية العمانية بعض النصوص القانونية التي من شأنها أن تفضي إلى ظاهرة انعدام الجنسية، ومنها على سبيل المثال نص المادة 11 الفقرة 4 (يعتبر عمانيا بصفة أصلية من ولد في عمان أو خارجها من أم عمانية ولم يثبت نسبه شرعا لأب) حيث نلاحظ أن المشرع العماني قد اشترط للحصول على الجنسية العمانية الأصلية من جهة الأم هو عدم ثبوت النسب لأبيه شرعًا، فلو ثبت نسبه إلى أبيه وكان أبوه عديم الجنسية فإن الولد سيكون عديم الجنسية. وقد يتحقق الانعدام أيضا عند تطبيق نص المادة 11 الفقرة 5 (يعتبر عمانيا بصفة أصلية من لد في عمان من أبوين مجهولين) ويتضح من الفقرة آنفة الذكر أن قانون الجنسية العماني يمنح الجنسية الأصلية بناءً على حق الإقليم لمن يولد في عمان من أبوين مجهولين، أما من يولد من أبوين عديمي الجنسية فإنه لن يكتسب الجنسية العمانية ويصبح عديم الجنسية. وقد يتحقق انعدام الجنسية اللاحق للميلاد في بعض الحالات وخصوصا عند تطبيق المادتين 20 و21 من قانون الجنسية في حالات السحب والإسقاط، وهي حالات واسعة قد تؤدي إلى زيادة حالة الانعدام ونذكر على سبيل المثال نص المادة 20 الفقرة 1 (تسقط الجنسية العمانية عن العماني بصفة أصلية إذا ثبت أنه ينتمي إلى جماعة أو حزب أو تنظيم يعتنق مبادئ أو عقائد تضر بمصلحة عمان)، نجد المشرع العماني هنا يسقط الجنسية العمانية عن العماني بصفة أصلية لمجرد انتمائه لحزب أو تنظيم دون الأخذ بعين الاعتبار أنه بعد تجريده يصبح عديم الجنسية.

ثالثا: الجهود الدولية للحد من ظاهرة انعدام الجنسية

حاول الكثير من الدول الحد من ظاهرة انعدام الجنسية وقد تكللت هذه الجهود بالنجاح وذلك باعتماد الأمم المتحدة اتفاقية 1954 بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية، واتفاقية 1961 الخاصة بخفض حالات الانعدام. ومن خلال القراءة الفاحصة للاتفاقية الأولى تتضح معالم الحقوق والامتيازات التي أقرتها الاتفاقية، ويمكن تقسيم الحقوق والامتيازات إلى حقوق يتساوى فيها عديمو الجنسية مع المواطن، ونذكر على سبيل المثال الحق في ممارسة الشعائر الدينية والحق في التقاضي والحصول على المساعدة القضائية والحق في التعليم الابتدائي. أما النوع الثاني فهو في الحقوق والامتيازات التي يتساوى فيها عديمو الجنسية مع الأجنبي، مثل الحق في تملك الأموال المنقولة والحق في الإيجار وحق مزاولة المهن الحرة وحق العمل بأجر والحق في اختيار محل الإقامة وحرية التنقل. وهناك حقوق وامتيازات يكون فيها عديم الجنسية في مركز قانوني أفضل من الأجنبي، ومن أبرز هذه الحقوق إصدار بطاقات الهوية ووثائق السفر وعدم تطبيق مبدأ الطرد إلا في حالات نادرة جدا كالحالة التي تتعلق بالأمن الوطني.

ولعل من أبرز المزايا الممنوحة لعديمي الجنسية تسهيل عملية التجنس وذلك من خلال تقليل مدة الإقامة مقارنة بالأجنبي كأن تكون مدة الإقامة المطلوبة لعديم الجنسية نصف المدة المطلوبة للأجنبي. وخروجا على ضابط الجنسية في تحديد القانون الواجب التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية المعمول به في أغلب الدول، فقد جاءت اتفاقية 1954 بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية بضابط آخر يراعى فيه انعدام الجنسية، حيث تضمنت المادة 12/1 من الاتفاقية على أنه (تخضع الأحوال الشخصية لعديم الجنسية لقانون بلد موطنه أو لقانون بلد إقامته إذا لم يكن له موطن) فهنا نجد أن الاتفاقية تبنت ضابط الموطن أو محل الإقامة عوضا عن الجنسية.

ومن الجهود الدولية المبذولة من أجل الحد من ظاهرة انعدام الجنسية ما قامت بها هيئة الأمم المتحدة من حملات كثيرة لعل أبرزها حملة بعنوان (أنا أنتمي) التي ترمي إلى القضاء على ظاهرة الانعدام بحلول عام 2024.

رابعًا: الجهود التي بذلها المشرع العماني للحد من ظاهرة انعدام الجنسية

بمطالعة نصوص قانون الجنسية العماني رقم 38/ 2014 يتضح جليا حرص المشرع العماني على محاربة ظاهرة انعدام الجنسية أو الحد منها. ويتجلى ذلك الحرص في كثير من المواد القانونية ونذكر على سبيل المثال نص المادة 11 الفقرة 2 (يعتبر عمانيا بصفة أصلية، من ولد في عمان أو خارجها من أم عمانية وكان أبوه عمانيا، وأصبح بلا جنسية). فهنا نجد أن المشرع العماني قد حرص على منح الجنسية العمانية للمولود لأب عماني فقد جنسيته على الرغم أن المشرع العماني يمنح الجنسية بصفة أصلية لمن ولد من أب عماني، ويبدو أن الدافع الرئيسي الذي دفع المشرع لهذا المنح هو محاولة المشرع العماني محاربة ظاهرة انعدام الجنسية خصوصا أن أمه عمانية لحظة ميلاده وأبوه كان عمانيا قبل الميلاد، مما يعني ارتباط هذا المولود جديا بسلطنة عمان. ومن مظاهر محاربة ظاهرة انعدام الجنسية منح الجنسية من جهة الأم بصفة احتياطية وذلك وفق ما جاء في نص المادة 11 الفقرة 4 (يعتبر عمانيا بصفة أصلية، من ولد في عمان أو خارجها من أم عمانية، ولم يثبت نسبه شرعا لأب)، فهنا يتضح حرص المشرع العماني على منح الجنسية للمولود الذي لم يثبت نسبه شرعًا لأب وذلك من خلال منحه الجنسية من طريق أمه العمانية. وتتجلى رغبة المشرع في محاربة انعدام الجنسية المعاصر للميلاد في المادة 11 الفقرة 5 التي جاء فيها (يعتبر عمانيا بصفة أصلية، من ولد في عمان من أبوين مجهولين) فهنا نجد حرص المشرع العماني على منح الجنسية بحق الإقليم للمولود الذي يولد في عمان وكان أبواه مجهولين وذلك تجنبا لظاهرة الانعدام لهذا المولود. نجد أن المشرع هنا يشترط لثبوت الجنسية العمانية بناء على حق الإقليم توافر شرطين هما ولادة المولود في سلطنة عمان بمعنى تحقق واقعة الميلاد في السلطنة، والشرط الثاني أن يكون المولود مجهول الأبوين. بهذا يكون المشرع قد منح الجنسية بحق الإقليم لمجهول الأبوين فقط ولم يعالج الحالة التي يكون فيه الطفل لأبوين عديمي الجنسية أو مجهولي الجنسية، وهو أمر يستحق الاهتمام والمعالجة حتى يتم التخفيف من ظاهرة الانعدام والحد منها.
وهناك جهود واضحة من المشرع العماني للحد من ظاهرة الانعدام اللاحق للميلاد وتتجلى تلك المظاهر في المادة 6 من قانون الجنسية التي نصت (…. ولا يترتب على التنازل عن الجنسية العمانية فقد الأولاد القصر الجنسية العمانية تبعا لأبيهم إلا بناء على طلبه، وكان قانون جنسيته يمنحهم إياها)، فكما هو معلوم أنه يترتب على اكتساب الأب الجنسية أن يكتسب أبناؤه القصّر جنسية أبيهم وهنا يمكن أن يفقد الأبناء جنسية أبيهم السابقة دون الحصول على جنسية أبيهم الجديدة، لكن المشرع العماني قد عالج ذلك الوضع وذلك بأن علق فقد الجنسية العمانية على اكتساب الجنسية الجديدة حتى لا يكون الأولاد القصر منعدمي الجنسية. ويتضح كذلك حرص المشرع للحد من انعدام الجنسية اللاحق للميلاد في إعطاء العماني بصفة أصلية الذي تنازل عن جنسيته العمانية الحق في طلب استردادها إذا ما رغب في العودة للجنسية العمانية خصوصا في حالة فقد الجنسية التي اكتسبها لاحقا، وكذلك أولاده القصر شريطة أن يجيز قانون الدولة التي يحملون جنسيتها التنازل عنها وذلك عملا بنص المادتين 12 و13 من قانون الجنسية العماني. وكذلك يظهر حرص المشرع العماني للحد من ظاهرة انعدام الجنسية اللاحق للميلاد بفتحه لباب التجنس الذي يتيح للفرد اكتساب الجنسية العمانية بتوافر الشروط التي قررها القانون في المادتين 15 و16. ونجد أن المشرع العماني قد حرص على الحد من الانعدام وذلك بأن نص على جواز رد الجنسية للعماني بصفة أصلية لمن أسقطت عنه إذا زالت أسباب الإسقاط وذلك عملا بنص المادة 20 من قانون الجنسية العماني.
الخاتمة


بعد مناقشة موضوع انعدام الجنسية يتضح أن ظاهرة انعدام الجنسية تعد انتهاكا صارخا لأهم حق من حقوق الإنسان وهو الحق في الجنسية الذي أكد أهميته العديد من الاتفاقيات الدولية وضمنته الدول في تشريعاتها.

يتضح من خلال ما سبق بيانه أن المشرع العماني سعى سعيا حثيثا إلى الحد من ظاهرة انعدام الجنسية بل ومحاولة القضاء عليها، لكن يتضح كذلك قصور المشرع في بعض الحالات التي تستوجب تدخلا تشريعيا حتى نقلل من هذه الظاهرة.

فعلى سبيل المثال نهيب بالمشرع العماني إلى تعديل المادة 20 و21 حيث إنها تفتح مجال التوسع في تفسير حالات إسقاط الجنسية العمانية، خصوصا مع عدم وجود رقابة قضائية تمنع التعسف في استخدام حالات التجريد. وكذلك ندعو المشرع إلى النظر في إمكانية الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية لعام 1954، واتفاقية الأمم المتحدة بشأن خفض حالات انعدام الجنسية لعام 1961 لما لهما من أثر فاعل في تخفيض حالات الانعدام والحد منها، مع وضع بعض التحفظات التي من شأنها مراعاة خصوصية المجتمع العماني. وأخيرًا نهيب بالمشرع العماني إلى تعديل نص المادة 11 الفقرة 5 (يعتبر عمانيا بصفة أصلية: ومن ولد في عمان من أبوين مجهولين) ليشمل كذلك المولود لأبوين عديمي الجنسية، حيث إن ميلاده في الإقليم العماني يعد كافيا في هذه الحالة لمنحه الجنسية العمانية الأصلية.

Your Page Title