أثير – ريما الشيخ
تُعدّ الطباعة الحيوية من ثورات الطباعة ثلاثية الأبعاد، ومن التحولات الجذرية في حياة البشر، فالطباعة اليوم لا تقتصر على المباني والمعدات وقطع الغيار والتجهيزات الطبية والأطراف الصناعية والعظام فقط، بل تمتد إلى إنتاج الأنسجة والجلد وأعضاء مثل القلب.
وفي هذا الجانب استطاعت الطالبة العُمانية غيداء بنت محمد بن سعيد الخروصية، طالبة دكتوراه في هندسة الطب الحيوي DCU بإيرلندا، استخدام تقنية الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد في مشروعها لطباعة أنسجة العظام، والذي يُعدّ من أوئل المشاريع في الهندسة الحيوية التي استخدمت فيها تقنية الذكاء الاصطناعي لإنتاج أنسجة العظام لعلاج الكسور الناتجة عن هشاشة العظام، والتسريع من التئام كسور العضو المصاب في جسم الإنسان.
عن ذلك قالت الطالبة غيداء لـ “أثير”: استخدمتُ في البحث تقنية الذكاء الاصطناعي لتطوير المواد المستخدمة ولاكتشاف المقياس المناسب لتكوين الحبر الحيوي المستخدم لطباعة أنسجة العظام وفق خوارزميات معينة، كما استخدمت تقنية تعلم الآلة لإجراء المقارنة والتحليل بين نتائج الدراسات السابقة في مجال الهندسة الحيوية والنتائج التي أتوصل إليها عند كل تجربة.
وأضافت: في البداية، لا بد من تصميم الشكل المراد طباعته وذلك باستخدام (solidWorks) بعد ذلك نقوم بتكوين الحبر وفقًا لمقاييس معينة من المواد المكونة للحبر، فالهدف من المشروع هو إيجاد نسيج حيوي لعلاج الكسور الناتجة من هشاشة العظام باستخدام الطباعة الحيوية وتقنية الذكاء الاصطناعي، وأتمنى أن تسهم نتائج البحث بفتح المجال كأساس لبحوث مستقبلية والإسهام بتطور العلم في هذا المجال.
أما عن التحديات التي واجهتها الطالبة فأوضحتها بقولها: نعم واجهتُ العديد من التحديات منها، نُدرة الدراسات السابقة التي جمعت بين استخدام الذكاء الاصطناعي والطباعة الحيوية واستخدام التقنيات الحديثة الأخرى في مجال الهندسة الحيوية، فبحثي يستلزم الحصول على بيانات تم استخدامها سابقًا وتحليلها ومقارنتها مع نتائج التجارب التي أقوم بها فهذا يُعدّ من أكبر التحديات التي واجهتها، والتحدي الآخر هو صعوبة توفر المواد المستخدمة لإجراء التجارب وذلك بسبب ارتفاع تكلفتها، والبحث يتطلب إجراء العديد من التجارب للحصول على النتائج المنشودة.

وأكملت حديثها قائلةً: في مرحلة الباكلوريوس لم يكن استخدام التقنيات الحديثة مثل الطباعة الحيوية والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة من متطلبات الدراسة، لذلك لم تكن لدي معرفة باستخدامها، فتعلمتُ كيفية استخدام هذه التقنيات بنفسي؛ كي أتمكّن من ممارسة خطوات البحث، ولله الحمد أصبح لدي المعرفة الكافية في كيفية استخدامها.
أخبرتنا الطالبة غيداء عن الطباعة الحيوية وعن المواد والأحبار الحيوية المستخدمة بها، فذكرت بأن الطباعة الحيوية هي أحد أنواع الطباعة ثلاثية الأبعاد، تُستخدم فيها خلايا ومواد حيوية أخرى على هيئة أحبار (inks) لتصنيع هياكل حيوية، ويمكن استخدام المواد المطبوعة في إصلاح الأعضاء والخلايا والأنسجة التالفة في جسم الإنسان، فالهدف الأساسي للطباعة الحيوية هو طباعة عضو بشري يؤدي وظيفته بنحو ثلاثي الأبعاد من مزيج من الخلايا والمواد الحيوية. أما المواد المكونة لأحبار الطباعة الحيوية فهي عبارة عن مواد خلايا ممزوجة بخلايا حيوية كالخلايا الجذعية والخلايا العضلية والخلايا البطانية وبعض المواد الكيمياء الخالية من الآثار الجانبية لصحة الإنسان.

وأضافت: يجب أن تتوافق المواد البيولوجية حيويًا مع المواد الموجودة في الحبر والطابعة نفسها، وتنقسم الأحبار الحيوية إلى نوعين؛ المواد الهلامية المعتمدة على الماء أو الهلام المائي (hydrogels)؛ تعمل بمثابة هياكل ثلاثية أبعاد، إذ يمكن للخلايا أن تنمو بداخلها، والنوع الآخر هو عبارة عن مجاميع الخلايا، والتي يمكن أن تندمج تلقائيًا معًا لتنتج الأنسجة بعد الطباعة.

أما عن أنواع الطابعات الحيوية فذكرت الطالبة: نعم هناك العديد من أنواع الطابعات الحيوية منها النافثة للحبر، الطباعة الحيوية بمساعدة الليزر، الطباعة الحيوية المعتمدة على الدفع، والطباعة الحيوية باستخدام الترذيذ الإلكتروني والغزل الكهربائي، وما يميز الطابعات الحيوية أنها ذاتية التعقيم وتحافظ على درجة حرارة مناسبة للمواد المستخدمة في الطباعة كالخلايا حيث تحتاج لدرجة حرارة معينة تجنبًا لإتلافها.
وأكدت الطالبة بأن الباحثين قد استخدموا الطباعة الحيوية لإدخال خلايا تساعد في إصلاح القلب بعد نوبة قلبية، وأيضًا في وضع خلايا في الجلد المصاب والغضاريف، كما استُخدمت الطباعة الحيوية لصنع صمامات القلب للمرضى الذين يعانون من أمراض قلبية، وكذلك في بناء أنسجة العظام والعضلات والمساعدة في إصلاح الأعصاب، وهناك أملٌ في إنتاج أعضاء كاملة على المدى البعيد تحتاج طبعا لمزيد من الدراسات والبحوث المتقدمة.
وأضافت: بالرغم من أن الطباعة الحيوية بإمكانها المساعدة في إنقاذ العديد من الأرواح؛ إلا أن هناك العديد من التحديات التي قد تواجهها وفقًا لما أشارت إليه الدراسات السابقة، فربما تكون الهياكل المطبوعة ضعيفة وغير قادرة على الحفاظ على شكلها بعد نقلها إلى الجسم، فتركيب الأعضاء والأنسجة يُعدّ معقدًا للغاية، وتحتوي على العديد من الخلايا المختلفة المرتبة بدقة عالية، فما تزال التقنيات الحالية مقتصرة على أنواع معينة من المواد، وعلى درجة محدودة من اللزوجة والدقة، وكذلك كل تقنية يمكنها أن تسبب تلفًا للخلايا بطريقة ما.
على طلبة العلم ألا يألو جهدًا على أنفسهم في سبيل تحقيق ما يصبون إليه”، بهذه الكلمات ختمت الطالبة غيداء الخروصية حديثها مع “أثير” مؤكدةً بأن مصادر العلم متوفرة بين أيدي طالبي العلم، وعليهم التوجه للتعلم الذاتي وخاصة في التقنيات الحديثة والمهارات البحثية والعملية، ويستثمرون فرصة وجودهم على مقاعد الدراسة أينما كانوا الاستثمار الأمثل بما يعود عليهم وعلى بلادنا الحبيبة بالنفع والرفعة والسؤدد، ونسهم جميعا في تطوير العلوم، فبالعلم تُبنى الأمم، فلنكمل المسيرة العلمية فنحن الحاضر والمستقبل ولنكن عُمانيين حيث نكون.
كما شكرت الخروصية جامعة DCU لإعطائها الفرصة للحصول على منحة استكمال دراستها العليا وكذلك للجهة الداعمة (مركز التدريب في الذكاء الاصطناعي (SFI)) بإيرلندا حيث يُعد هذا البرنامج من برامج الأبحاث التي يمولها الاتحاد الأوروبي في القطاع الصحي باستخدام التقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي.
يُذكر أن الخروصية حصلت على بعثة خارجية لدراسة البكالوريوس في هندسة الطب الحيوي، والتي منها كانت انطلاقتها لدراسة الدكتوراه.