مسقط-أثير
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
في إطار اقترابها من بعض الشخصيات العُمانية التي برزت في المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والفكرية المختلفة، والتي لم تنل حظّها الكافي من البحث والتوثيق على الرغم من تأثيرها المهم في مجريات الأحداث في المجتمعات التي ظهرت بها، تعرفكم ” أثير” في هذا التقرير على إحدى تلك الشخصيات التي برزت في المجال التجاري في منتصف القرن العشرين وما قبله، والتي عاصرت البدايات الأولى لبواكير المشاريع الاقتصادية الكبرى وقتها، وبالأخص في مجالات الإنشاءات، واستخراج النفط، بالإضافة إلى دوره كدلّال حكومي بارز امتدت خدماته للشركات والأفراد.
إنه الدلال والمقاول عبد العزيز بن كلمور بن عبد الله الرئيسي الذي ستقترب “أثير” في هذا التقرير من أبرز ملامح سيرته، وستقف على بعض المحطات الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة به.
ولادته ونشأته
هو عبد العزيز بن كلمور بن عبد الله الرئيسي، ولد ببيت الأسرة في حارة التكية إحدى حارات مسقط التي تقع في الطرف الجنوبي من مسقط القديمة وكان يفصلها عن سداب تلّة صغيرة قليلة الارتفاع ضيقة، وذلك ما بين عامي 1890 – 1893 تقريبًا، وكان وحيد والديه حيث توفيت أخته الوحيدة وهو صغير، ورد ذكره في دليل أعلام عمان بأنه “كبير الدلالين في مسقط وأحد أعيانها، كانت الحكومة توكل إليه بيع الممتلكات، ولد وتوفي في مسقط عن عمر تجاوز (70) عامًا”، والمعلومة التي أوردها الدليل حول وفاته بمسقط خاطئة، حيث إنه توفي في رحلة إلى الديار المقدسة عام 1963 كما سيأتي بيانه لاحقًا.

نشأ الحاج عبد العزيز بن كلمور في ظلٍ أسرةٍ عملت بالدلالة على مستوى السلطنة، وكان والده كلمور بن عبد الله دلالًا للحكومة، ودلالًا عامًا، لذا فقد اكتسب الحاج عبد العزيز هذه المهنة من أبيه، وكانت الدلالة من المهن المنتشرة في الأسواق العمانية خصوصًا قبل عصر النهضة المباركة، وتطلق على الشخص الذي يقوم بمهمة الوساطة بين تجّار البضائع ومستهلكيها مقابل الحصول على نسبة معينة من سعر بيع البضاعة.
ولأن مسقط مدينةٌ تعتمد على البحر، وتستمد منه وجودها وكيانها، فقد كان مستقبل أبنائها محددًا سلفًا ما بين العمل في بعض الوظائف البسيطة المرتبطة بالحكومة، أو ولوج بوّابة سوقها التجاري ككتبةٍ لدى بعض التجار، أو كعمّال، أو التوجه رأسًا إلى الميناء، حيث “الفرضة”، وحيث السفن العديدة التي تدخل الميناء، والتي تبحث عمّن يموّنها بالغذاء والوقود بحسب نوعها، وحجمها.

بداية النشاط
برز الحاج عبد العزيز بن كلمور الرئيسي كأحد أبرز الذين عملوا في مجال الدلالة وأعمال المقاولة حتى وفاته في بداية الستينات من القرن العشرين، فقد بدأ بعريشٍ على ضفّة خور مسقط حيث كان يتم تجميع المنتجات والسلع التموينية التي ترد إلى الميناء من المدن والقرى المختلفة كالأمبا (المانجو)، والليمون، والعسبق (نبات يُستخدم في إعداد خبز الرخال)، وحطب الطبخ، وكان عبد العزيز يعد المسؤول عن منطقة الخور بحكم استئجاره للمكان، ويقوم بالدلالة على تلك المنتجات، كما امتلك عددًا من المخازن والبخاخير لتخزين تلك السلع وغيرها.
ويذكر الدكتور صالح البلوشي في كتابه ( الرواسي الشامخات والنفط الفرات) أن عبد العزيز كلمور ” كان يتمتع بسمعة طيبة وأصدقاء كثيرين وتجارة رغم بساطتها إلا أنها كانت هامةً جدًا في حياة الجميع دون استثناء تمثلت في امتلاكه لعريش على ضفة خور مسقط يجتمع تحته باعة ومشترو الخشب ونبات العسبق وهو نبات برّي قصير في العادة لكن قد يصل طوله مترين في بعض الأحيان، حيث كانت تقام المزادات باستمرار، ومقابل الاستفادة من عريشه كان عبد العزيز يحصل على عمولة يتم الاتفاق عليها”.

ويضيف البلوشي:” كان الخشب، في الأغلب، يحمل على ظهور المراكب من قريات ليعرض للبيع تحت عريش عبد العزيز، أما العسبق فكان الرعاة يجلبونه من الوديان والبوادي المحيطة بمسقط وما جاورها من قرى ثم يجفف تحت أشعة الشمس، بعدها يحمل على ظهور الدواب لبيعه في الأسواق التي كان من بينها عريش عبد العزيز”.

توسّع أعماله
توسّع عبد العزيز بن كلمور الرئيسي في نشاطه التجاري في مجال الدلالة ولم يعد يقتصر فقط على منطقة الخور، بل مارس أنشطة واسعة ذات علاقة بالمجال، حيث كان مسؤولًا عن طناء المزارع الحكومية كالأوقاف وبيت المال، وكذلك مزارع كبار الأثرياء من أمثال خان بهادر نصيب بن داؤد الرئيسي أحد أكبر تجّار عمان في النصف الأول من القرن العشرين.
كما كان يقوم بتموين بعض الجهات مثل الجيش، وشركات التنقيب عن النفط بالحطب والفواكه، كما مارس الدلالة على ممتلكات تلك الجهات من سيارات وغيرها في المزادات العلنية، بالإضافة إلى أعمال الدلالة العقارية على البيوت والمنازل العامة.
كما مارس عبد العزيز بن كلمور أعمال المقاولة وتوفير العمال للأنشطة الحكومية المختلفة، كما هو الحال عند العمل في منشآت القاعدة البريطانية بمصيرة، وعند إنشاء حديقة القنصلية البريطانية بمسقط، بالإضافة إلى تزويد شركة تنمية نفط عمان والشركات التابعة لها بالعمال.
وكان للحاج عبد العزيز بن كلمور مكتبان: أحدهما في خور مسقط يمارس من خلاله أنشطته الصباحية، وآخر في سوق مسقط الداخلي يوجد به في الفترة المسائية.

ومن خلال تصفح بعض الأراشيف البريطانية التي تناولت تاريخ الخليج خلال القرن العشرين، نجد أن هناك ذكرًا لنشاط عبد العزيز بن كلمور الرئيسي في عدد من الوثائق، وبهذه الوثائق إشارات إلى بعض النشاطات والأعمال التي قام بها الحاج عبد العزيز بن كلمور الرئيسي، ففي ملف بعنوان ” ١٧/ ٢ البستنة” منشور في مكتبة قطر الرقمية ويغطي الفترة الزمنية من ١٨ أبريل ١٩٣٣-٧ يناير ١٩٤١، تحت رقم استدعاء IOR/R/15/6/456، ويحتوي على مراسلات ووثائق تتعلق بإنشاء وإدارة حديقة ملحقة بالوكالة السياسية في مسقط، تم ذكره في وثيقة تعود إلى صيف 1941؛ بها إشارة إلى الاستعانة به مع موسى عبد الرحمن حسن في شراء الخشب.
كما كان عبد العزيز بن كلمور مسؤولًا عن توفير العمالة لعدد من المشاريع الحكومية، ومشاريع إنشاء قواعد سلاح الجو الملكي البريطاني في بعض المواقع مثل مصيرة، أو توفير الراغبين في العمل كجنود، أو توفير عمال لبناء بناء مرافق خاصة لشركة امتيازات النفط المحدودة بعد أن منحها السلطان سعيد بن تيمور امتيازا نفطيا في عام 1952، حيث حددت الشركة منطقة فهود كمنطقة رئيسية للاستكشاف، وكانت الشركة المنفذة هي شركة كيمجي رامداس التي كان عبد العزيز بن كلمور يحصل من خلالها على عقود توفير العمال، وبحسب دراسة الدكتور إسماعيل الزدجالي فقد “اجتمع الرائد ليزلي تشونسي Major Leslie Chaunchy)) الوكيل السياسي البريطاني في مسقط مع عبد العزيز كلمور مسؤول المناقصات في شركة كيمجي رامداس للبدء في الأعمال التحضيرية للمشروع، وبناء مرافق خاصة بشركة النفط في فهود في أواخر ديسمبر 1953 وعين كاراسانداس لكشمي مديرا للمشروع، حيث أسند إلى شركة كيمجي رامداس بناء كابينات مكيفة الهواء وشحنها من البحرين لمسؤولي الشركة وضباطها، وتوفير المستلزمات اللازمة للمسؤولين والضباط والجنود والعمال، الذين كانوا يعيشون في مساكن تم بناؤها من سعف النخيل، وانتهت شركة كيمجي رامداس في شهر إبريل عام 1954 م من إنشاء أبراج المراقبة ومنشآت الحراسة للمشروع”.
وحول ما ذكر أعلاه فإن عبد العزيز كلمور لم يكن موظفًا لدى شركة كيمجي رامداس، بل كان مقاولًا مستقلًا يحصل على مناقصات توفير العمالة للمشاريع التي تقوم بها شركة كيمجي رامداس كونها إحدى الشركات المهمة التي كان يتم إسناد عدد من المشاريع الحكومية لها في تلك الفترة، أو لغيرها من الشركات.

وفي وثيقة تعود للثاني والعشرين من ديسمبر من عام 1953 منشورة بالأرشيف الرقمي للخليج العربي تحت رقم (FO 1016/252 /17) بشأن تمويل شركة استثمار النفط (عمان) المحدودة لقوات الحقف لحماية عمليات التنقيب عن النفط، تحوي رسالة موجهة من الرائد إف. سي. إل. تشونسي الوكيل البريطاني في مسقط إلى باراوس Burrows المقيم السياسي في البحرين، فحواها: “تحقيقا لهذه الغاية ، كل منا هنا يحاول الآن بكل الوسائل جمع الرجال ونيابة عن إينيس Innes أثناء وجوده مع ماكسويل في صحار، لقد بدأت مع مسؤول التعاقدات لشركة كيمجي رامداس المقاول عبد العزيز كلمور ليرى ما يمكن فعله هنا. لا يزال لدينا أمل ضعيف في تحقيق ما يبدو الآن مستحيلًا ، وأعتقد أننا يجب أن نستمر في المحاولة لفترة طويلة“. ويقصد بمسؤول التعاقدات المقاول الذي يوفر العمالة للشركة“.
وهناك وثيقة أخرى تعود للتاريخ السابق نفسه منشورة بالأرشيف الرقمي للخليج العربي تحت رقم (FO 1016/252 /9) تحوي رسالة موجهة من الرائد إف. سي. إل. تشونسي إلى الضابط سي. سي. ماكسويل C C Maxwell : ” لقد تلقيت برقية عبر القنصلية إلى أن السيد شهاب ليس لديه اعتراض على عبد العزيز كلمور للحصول على المجنّدين. حصلت على الشركة كيمجي رامداس وكيل الجيش البريطاني. العمل هو ، للمساعدة في هذا الأمر وكذلك طبيبينا دوهرتي وسين لفحصهم. من أصل 70 متقدمًا اختار الأطباء 22 ، وكما أن كل يوم له أهمية حيوية، طلبت من جامناداس كيمجي الترتيب لإرسال الرجال إلى صحار في أقرب فرصة. وقد أعرب الجميع عن استعدادهم لذلك لخدمة السلطان كجنود لمدة ثلاث سنوات. جميعهم احتاجوا إلى دفعة مقدمة شهرية لتسوية أمور أسرهم وسلف غذائية بلغ مجموعها 3 روبية“
وفي وثيقة ثالثة منشورة بالأرشيف الرقمي للخليج العربي تحت رقم (FO 371/114678 /116) بتاريخ 17 يونيو 1955 بشأن تنظيم قوات مسقط وعمان الميدانية (قوات الحقف) وتزويد الأسلحة والمعدات، تحوي رسالة موجهة من وزارة الشؤون الخارجية (نظارة الخارجية) إلى الرائد تشونسي الوكيل البريطاني بمسقط، فإن الرسالة تؤكد أنه قد “تم تنبيه عبد العزيز كيلمور وطلب منه بدء تجنيد مكثف على غرار نظام آخر سنة (لكن مع التأكيد من أنه لم يجند رجالًا غير مؤهلين).لقد أرسل وكيلًا في جولة تجنيد حتى السويق برسوم سيارات مدفوعة“.
اهتمامه بالزراعة
كان لدى عبد العزيز بن كلمور الرئيسي حب واهتمام بالزراعة، لذا فقد قام بشراء وتملّك أراضٍ زراعية عديدة في مناطق عدّة من عمان من بينها: العامرات، والحاجر، والسعادي، ووادي الميح، ويتي التي امتلك فيها بيتًا كاستراحة، وحيل الغاف، والسنسلة، والرجع، وغيرها، كما امتلك حصصًا في بعض الأفلاج مثل فلج وادي الميح، وفلج العامرات، وفلج الرجع.
ومن بين أمواله في وادي الميح الذي كان يمتلك فيه بيتًا صيفيًا: مزرعة الداير التي زرع بها أصنافًا من الفواكه، ومزرعة صنعاء، وحيل الشاوي، ومقصورة ” حليمة”، ومقصورة ” مريس” اللتان وردتا في إحدى الوثائق.
وكان يهتم بمتابعة أمواله على الرغم من صعوبة التنقل والمواصلات في تلك الفترة، بل ويسهم في اختيار أنواع النخيل والأشجار، ويجد راحته وسطها.
نشاطه الاجتماعي
كان عبد العزيز بن كلمور الرئيسي من أعيان التكية ومسقط المعروفين، وبالتالي كان يتم الاستفادة من مكانته الاجتماعية في المدينة، وفي وسط جماعته وأقاربه بشكل خاص في التعامل مع القضايا المجتمعية المختلفة، والقرارات التي ترغب في إيصالها للمجتمع.
كما ربطته علاقات اجتماعية واسعة مع كثير من المسؤولين، وشيوخ القبائل، وكان بيته في التكية لا يخلو من ضيوفه الدائمين، وبالأخص المترددين على مسقط لقضاء أعمالهم المختلفة، وبنى منزلًا للضيافة ” مسافر خانه” في التكية يقع على تلة عالية عند مدخل الحارة مقابل السوق استأجرته الحكومة كبيتٍ للضيافة واستراحةٍ لضيوفها.



كما كان مهتمًا بأهله وأقاربه، وعندما توفي كان قد أوصى للعديد منهم بمبالغ مالية مختلفة، وربطته علاقات أسرية بعددٍ من عوائل مسقط مثل أسرة الحاج موسى عبد الرحمن حسن الذي كان ابنه علي متزوجًا من ابنة الحاج عبد العزيز.
وفاته
توفي الحاج عبد العزيز بن كلمور الرئيسي صبيحة يوم العيد أثناء أدائه مناسك الحج في عام 1963، وكان معه في تلك الرحلة مجموعة من الأقارب والمعارف من بينهم الحاج موسى عبد الرحمن حسن الشخصية المسقطية المعروفة، ودفن في منى وقبره هناك.
أسرته
أنجب الحاج عبد العزيز بن كلمور اثنين من الأبناء هما سعود ومحمد، وابنة واحدة هي عطية تزوجها الشيخ علي بن موسى بن عبد الرحمن الرئيسي، ويعد أبناؤه من الشخصيات المجتمعية البارزة، فابنه الأكبر سعود خريج الكلية الوطنية بكراتشي، وقد عمل مديرًا لدائرة البعثات في وزارة التعليم العالي خلال الفترة من (1979- 2012)، كما عمل ملحقًا ثقافيًا بسفارة السلطنة في لندن بين عامي (1983-1987)، كما يُعدّ من أعيان مسقط البارزين، وتم اختياره في عضوية المجلس البلدي لبلدية مسقط في دورته الثالثة بين عامي (1993-1997).
وابنه الدكتور محمد بن عبدالعزيز كلمور حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة كولورادو بالولايات المتحدة الأمريكية، وكان ضمن اللجنة التأسيسية لبنك صحار منذ انطلاقه في العام 2007، وقبل انضمامه لبنك صحار، شغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة عمان للاستثمارات والتمويل OIFC لمدة خمس سنوات، وقبلها خدم في البنك المركزي العماني لمدة 22 عاما حيث شغل عدة مناصب قيادية كان آخرها منصب نائب الرئيس التنفيذي للبنك المركزي العماني حتى عام 2000، كما تم اختياره في عضوية عدد من المجالس من بينها: مجلس إدارة سوق مسقط للأوراق المالية، ومجلس التعليم العالي، وغيرها.

المراجع
- الأرشيف الرقمي للخليج العربي، وثائق أرقام (FO 1016/252 /17)، (FO 1016/252 /9)، (FO 371/114678 /116)، https://www.agda.ae
- البلوشي، صالح. الرواسي الشامخات والنفط الفرات (الخوالي)، روز ورد بوكس، نيو دلهي، الهند، 2014.
- الزدجالي. إسماعيل بن أحمد. النشاط التجاري للبانيان في عمان 1744- 1970، رسالة دكتوراه غير منشورة، قسم التاريخ، كلية الآداب والعلوم الإجتماعية، جامعة السلطان قابوس، 2019.
- مجموعة مؤلفين. دليل أعلام عمان، موسوعة أسماء العرب، جامعة السلطان قابوس، 1991.
- مكتبة قطر الرقمية. ملف بعنوان ” ١٧/ ٢ البستنة”، رقم استدعاء IOR/R/15/6/456
- مقابلة شفوية مع الفاضل سعود بن عبد العزيز بن كلمور الرئيسي في منزله بالعامرات، 17 نوفمبر 2020.
- الصور والوثائق من أرشيف عبد الرحمن بن علي بن موسى الرئيسي، مكتبة قطر الرقمية، الأرشيف الرقمي للخليج العربي، الموسوعة العمانية، موقع (قانون) الإلكتروني.