أثير- موسى الفرعي
أُسدلت ستائر الأزمة الخليجية بشكل يمكن أن نقول كليا لولا أننا نجهل ما يحمله المستقبل في حقائبه، ولله الفضل من قبل ومن بعد، ولا شيء يمكن أن يبهج النفس أكثر من الألفة والمحبة بين أبناء الخليج الواحد، ولكن علينا أيضا أن نلتفت إلى الدروس التي خلفتها هذه الأزمة لا لشيء بل لنتعلم منها ما يجنبنا مثلها في قابل الأيام، وأسوأ ما يمكن أن نلتفت إليه هو المسخ الذي أنتجه تزاوج السياسة بالإعلام والفن والدين، فقد أسقطت هذه الأزمة أقنعة الكثير من الإعلاميين الذين كانوا قدوة في ظاهرهم وأصبحنا نجهل انتماءاتهم وأي قيم تلك التي يؤمنون بها، الفن الذي علم ” الكثيرين ” سيمفونية سقوط الفنان في هاوية السياسة ليخرج لنا بما لا اسم له محاولا شق القلوب وإثارة الفتن، الدين الذي سخره البعض لينتصر أبناء عم على أبناء عم، ولم يبق من ذلك كله سوى تاريخ مخجل، وإرباك القلوب التي أسأل الله أن تستقيم وأن تتزن بعد أن قدّر الله الهدى والرشاد لحكام هذه البلاد، ولا يمكن أن نصدق أن المستوى السياسي كان يجهل هذا الحراك ولا علم له به وإلا فالمصيبة أعظم، كما لا يخفى على أحد الحكمة العمانية والكويتية التي أكدت أن البلدين رهن رؤيتهم وإيمانهم لا تبعا ولا خوفا ولا طمعا، بل لكل بلد شخصيته الفذة وقراره السيادي الخاص الذي يقدر على أن ينزل الحق في موضعه، فقد حفظ البلدان المسافة التي لا انحياز فيها لأحد، وفي ذلك تأكيد منها أيضا على احترام سيادة البلاد الأخرى وقراراتها كيفما كانت نتائجها، لأن الأمة الحقيقية التي تعرف مكانتها وقيمتها لا يمكن أن تقف كحجر الشطرنج على رقعة يتقاتل الجميع فيها على دور الملك الذي سيسقط في آخر الأمر سواء كان يقف على المساحة البيضاء أو السوداء، فقد فتحت آفاق التعاون العمانية والكويتية لقطر ولكن دون أن يكون ذلك على حساب علاقتها السياسية والإنسانية مع المملكة العربية السعودية وباقي البلدان، ولم يكن للأمة العمانية والكويتية على صعيد الرأي العام أي حراك يقف في صف أحد ضد أحد وهذا يدل على تهذيب النفس لدى الإنسان العماني والكويتي، مؤمنين بإنسانيتهم وقيادة البلدين، كما كان الموقف القطري درسا مهمًا في الإدارة منذ بداية الأزمة وحتى نهايتها فقد كان ” الصمود ” القطري منفذا حقيقيا لعبور الحلول بدءًا بتوفير الأمن الغذائي والسياسي ووصولا إلى ما آلت إليه المصالحة الخليجية ولله الحمد، مؤكدين أن الوقوف على الدراسات والبيانات الدقيقة خير سبيل لوضع جميع الاحتمالات، والعمل على الخطط البديلة على مختلف المستويات هو أمثل الحلول،
خاتمة الأمر: على القيادات الفنسياسية أن تصلح ما أفسدته البارحة والذي لم يكن له أي مسوغ، وألا تضع الأشياء في غير مواضعها، فعدو اليوم قد يكون أقرب الأصدقاء وحليف اليوم قد يكون في المستقبل أشد الأعداء، وحفظ روابط الدم والجيرة خير الطرق لئلا تقطع الأيدي نفسها بنفسها، ولا خير في حكمة تلون ساحات أمتها بالدم وسواد القلوب، كما أن اليمن وما شهده من أحداث هو خير معلم، فجارُكَ أحقُّ بِبِرِّكَ منْ صَديقِ اليومِ المؤقتِ، والخلافات وإن طالت أعناقها فذلك لا يعني إشراك أطراف من خارج المنطقة فأهل البيت أدرى بتفاصيله وهم أقرب للصلح منهم إلى الخلاف والمحبة منهم إلى الكراهية. أدام الله الأمن والمحبة على هذا البيت الواحد وشده بأقوى عروة، وأبعد عنهم كل أسباب الفرقة والشقاق.