ياسر بن عبيد السلامي- مدير عام سابق في مكتب حفظ البيئة

الحالة المدارية شاهين التي قطعت مسافة طويلة من خليج البنجال في المحيط الهندي لتتجاوز البر الهندي وتمخر عباب بحر العرب حتى تصل بحر عمان لتضخ ما حملته من كميات مياه وصلت إلى معدل 370 ملم على أرض عمان، خاصة محافظة شمال الباطنة، محدثة فيضانات وسيولا جارفة. وقد صدح الشعب العماني بصوت واحد لبيك يا عمان مرددين عهد النشيد الوطني { يا عمان نحن من عهد النبي أوفياء من كرام العرب } .
إن وطنا اسمه عمان ينبض وريد شعبه بالانتماء على مر التاريخ، فهو لا يستكين، يحيا بكرامة، كسوره تجبر بقوة، يخيط جراحه بيده لتدب الحياة بفضل سواعد أهله.
لقد استصرخت محافظة شمال الباطنة تنادي سندها وعضدها، تستغيث أهلها أبناء الوطن بعد أن قضى الله بقدره ونثرت الحالة المدارية شاهين بما حملته من سيول وأمطار ورياح عاتية على المحافظة. وما إن اجتاحت تلك السيول المناطق السكنية، حتى تنادت جموع الولايات بالمحافظات ملبية النداء في فزعة جبلنا عليها منذ الأزل. إذا ما تداعى واجب الفداء، تزلزلت الأرض تحت أقدامنا فترخص الأرواح من أجل الوطن. هكذا تعلمنا من نهج الأجداد وهكذا غرست أمهات عمان الشامخات فينا مع كل قطرة حليب تجرعناها ومع كل ضمة بين ضلوعها الحانية. إنها أبجديات ترسخت فينا.
أتى الشاهين ونزل الغيث وقد قدر الله لنا ابتلاء لاختبار إرادتنا. ولما كان الغرس في دمائنا حتى تقوم الساعة فقد سجل أبناء عمان رجالا ونساء، شيبا وشبابا ملحمة وطنية تلبية لنداء الواجب المقدس.
كنا على موعد مع بزوغ فجر الجمعة 8 /10 /2021، حيث يمم العمانيون وجهة المسير في مشهد وطني يدمع العين وينبجس الفؤاد له، فكان الحجيج متوجهين نحو محافظة شمال الباطنة في موكب بقوافل تتزاحم للوصول إلى ولايتي السويق والخابورة ملبين نداء الواجب.
إن شعب عمان في هذا المشهد المتكاتف كما عهدناه من السلف يميط اللثام، ويداوي جراح من تأسى، وينفض الغبار عن وجوه تألمت بيد حانية. إنها مواقف الرجولة والشجاعة والتآزر التي يتفاجأ بها من لا يعرف معادن الفطرة العمانية. وهذا يعيد الذاكرة التاريخية حين انتخى رجالات عمان الشرفاء للذود عن الوطن في كل داع وهكذا كتب التاريخ شرفا مسجلا على الجبين. ولعلنا نستذكر في هذه السانحة عندما استنهضت في القرن الثالث الهجري فاطمة الجهضمية السقطرية بالإمام الصلت بن مالك الخروصي اليحمدي، فأنشدت تستنجد بأهلها العمانيين (أقول للعين والأجفان تسعفني …).
حين ينادي طرف من الأمة إذا حلت به نائبة، هبوا جميعا لنجدته وإغاثته. هذه هي السليقة التي ترعرعت عليها نفوسنا، ونشأت عليها سجيتنا. هكذا النهج الذي غرسته زعامة الأمة من سلاطين عمان منذ نعومة أظفارنا. وفي هذا اليوم يتكرر كما حدث بالأمس حين حل {جونو} ضيفا ثقيلا فدعانا المغفور له السلطان قابوس -رحمه الله- للتكاتف والاعتماد على النفس، فهبت الأمة ملبية نداء الواجب. واليوم يصل الركب إلى الباطنة من أقصى ظفار المجد والصمود إلى رؤوس الجبال في مسندم الشامخة.
لقد جسد أبناء الوطن روح الوحدة بتعاضدهم وتلاحمهم في مشهد رُسخ على أرض الغبيراء الأبية ميممين الإقامة والتوجيه نحو الباطنة الشماء. إنه مشهد غاية في النبل أن ترى الأم أبناءها وهم يمسحون الغبار ويزيلون تراكم الطين ويربتون على الأطفال يخففون عليهم وطأة الحال. والأم العمانية الأبية تهلل وتدعو الله أن يحفظهم ويعينهم.
لقد سطر أبناء الوطن بأحرف من ذهب وحدتنا الوطنية في أسمى معاني الحب والولاء والانتماء كأسرة واحدة وبيت موحد ومذهب واحد تحت ظل القيادة الحكيمة لمولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه-.
أبناء الوطن الكرام ذوي السواعد الغراء، سلمت أياديكم وطابت هممكم الكبيرة لتنعم أمهاتكم الماجدات وآباؤكم وأجدادكم الكرام بخير ما أنجبوا من فلذات، يشيدون بنيان الوطن واستقراره ليهنأ الجميع وتقر الأعين. فتحية كريمة جليلة للأيادي والكفوف الطاهرة وعلى الجبين للرجال البواسل الشرفاء، حماة الوطن الذين يهتفون { يا حي يا قيوم احفظ لنا عمان أبية تدوم وبالعلى تزان } في قوات السلطان المسلحة وإلى {حماة الحق حراس المبادئ} منتسبي شرطة عمان السلطانية ولكل الشرفاء من أبناء وطني. داعين المولى أن يحفظ عمان وأهلها تحت ظل القيادة الحكيمة للسلطان هيثم بن طارق. ودمتم ودام الوطن في أمن وأمان.