أثير – ريما الشيخ
حصد الدكتور سيف بن ناصر المعمري على المرتبة الـ 29 في معامل التأثير العربي “أرسيف” من إجمالي عشرة آلاف مؤلف تم الاستشهاد بدارساتهم في العلوم التربوية خلال الفترة من2012- 2019، أي من ضمن فئة 1% الأعلى تأثيرًا عربيا في هذا المجال.
“أثير” حاورت الدكتور سيف الذي يعمل حاليا كأستاذ مشارك في تخصص مناهج وطرائق تدريس الدراسات الاجتماعية بقسم المناهج والتدريس بكلية التربية جامعة السلطان قابوس، وهو حاصل على دكتوراه الفلسفة في التربية من جامعة جلاسجو الأسكتلندية عام 2009، وخبير إقليمي في مجال التربية على المواطنة، وكان مؤخرا أستاذا زائرا بجامعة جلاسجو خلال العام الأكاديمي 2019/2020.
يقول الدكتور سيف متحدثًا عن حصوله لهذه المرتبة: الحصول على المرتبة التاسعة والعشرين على مستوى الوطن العربي من بين عشرة آلاف مؤلف يعد إنجازا كبيرا ليس لي، إنما للكلية والجامعة والتربويين في السلطنة، ويعطي مؤشرا واضحا لحجم التأثير للدراسات والكتب التربوية التي نشرتها خلال الفترة التي تمت تغطيتها بالمراجعة من قبل معامل التأثير العربي “أرسيف”، وهي 2012-2019، وعادة معامل “أرسيف” لا يقوم على التقدم من قبل المؤلفين، إنما يقوم على مسح أعمالهم البحثية وفق نطاق عربي كبير وتقييمها في ضوء معايير متعددة للوصول إلى درجة تأثيرها، ولله الحمد ما قدمته هو العديد من الدراسات المتعمقة المنشورة في دوريات ومجلات علمية معتمدة من قبل جامعة السلطان قابوس وأيضًا من قبل معامل “أرسيف”، وهي دراسات تركزت على المواطنة والتربية عليها، ومضامين المناهج والمعلمين وتصوراتهم عنها، علاوة على مجموعة من الكتب التأسيسية لهذه التربية التي شكلت مراجع أساسية في بعض الجامعات العربية، وكذلك كانت روافد للباحثين الشباب الذين سلكوا هذا الطريق البحثي.
وأضاف موضحًا عن المنافسة في التقرير السادس لمعامل التأثير العربي “أرسيف”: أتصور أن المنافسة قوية، خصوصا حين يتم النظر إلى المرتبة التي حصلت عليها مقارنة بعدد المؤلفين وهو عشرة آلاف مؤلف في العلوم التربوية من جميع الأقطار العربية، وبالتالي فرقم 29 يشكل ما نسبته 0.029 % ، أي من ضمن فئة 1% الأكثر تأثيرا في مجال العلوم التربوية، ولقد أشار تقرير “أرسيف” الذي صاحب هذا الإعلان إلى بيانات جدا مهمة عن المنافسة، حيث أكد أن التقرير السادس هو نتاج فحص ودراسة بيانات أكثر عن 5100 عنوان مجلة عربية، والصادرة عن أكثر من 1400 جامعة وهيئة علمية أو بحثية، بالإضافة لدراسة الإنتاج العلمي واستشهادات لـ 196000 مؤلف عربيً نشرت أعمالهم عبر 504000 دراسة نشرت في المجلات العربية المعتمدة
أما عن معايير اختيار المؤلف، فذكر الدكتور قائلا: معامل أرسيف Arcif، والمسمى بالكامل له “معامل التأثير والاستشهادات المرجعية العربي”، هو معامل يعمل على تعزيز حضور المعرفة العربية وتطوير البحث من خلال دراسة تأثير الدراسات التي ينشرها الباحثون في مختلف العلوم، وهو من عدة أيام أطلق التقرير السنوي السادس، وتنبع قوة هذا المعامل من كونه يخضع لمجلس إشراف وتنسيق يتكون من ممثلين لعدة جهات عربية ودولية وهي: مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية ببيروت، ولجنة الأمم المتحدة لغرب آسيا (الإسكوا)، ومكتبة الإسكندرية، وقاعدة بيانات “معرفة” وجمعية المكتبات المتخصصة العالمية/ فرع الخليج، بالإضافة إلى لجنة علمية تضم خبراء وأكاديميين ذوي سمعة علمية رائدة من عدة دول عربية وأجنبية، وبالتالي فإن التنصيف الذي ينتج عنى يحظى بدرجة عالية من المصداقية والقبول لدى الأوساط الأكاديمية في الوطن العربي، أما المعايير التي يتم ترتيب تأثير المؤلفين وفقها فهي متعددة وذات عمق كبير يتم تطبيقها من خلال مسح ضخم ونوعي للإنتاج العلمي العربي للباحثين في العالم العربي، وهذه المعايير هي: أولا: إجمالي عدد الاستشهادات التي حصل عليها المؤلف، ثانيًا عدد وتوزع الدول للباحثين المستشهدين بمقالات المؤلف، وثالثًا: عدد الاستشهادات الذاتية للمؤلف، وأخيرًا، عدد المقالات المنشورة للمؤلف في مجلات معتمدة من قبل “أرسيف”، حيث أظهرت نتائج تقرير أرسيف السادس نجاح (877) مجلة علمية وبحثية صادرة من الدول العربية في تحقيق معايير الاعتماد لمعامل التأثير أرسيف والمتوافقة مع المعايير العالمية، وبالتالي يتضح أن وصول المؤلف إلى مرتبة متقدمة في التأثير عملية ليست سهلة، لأنها نتاج تطبيق معايير صارمة ومتداخلة، تبرز من خلالها جودة ما ينشر المؤلف حتى تقبله الدوريات المعتمدة للنشر، ويلجأ إليه الباحثون من مختلف الوطن العربي لتعزيز دراساتهم.
يُذكر أن الدكتور سيف يعدّ أول عماني وخليجي يحصد على هذه المرتبة المتقدمة في العلوم التربوية في الدورة، وهذا ما أكده بقوله : لقد سبق أن حصلت في التقرير السابق الذي صدر من ثلاث سنوات على درجة متقدمة في التأثير كانت ضمن 5% الأولى، لكني في التقرير الحالي تقدمت كثيرا لأكون ضمن 29 المراتب الأولى المؤثرة من بين عشرة آلاف مؤلف وباحث عربي ينتمون إلى جامعات عديدة، وأتصور أنني بالفعل ليس العماني الوحيد إنما أيضا الأول على المستوى الخليجي، وهذا يعني تتويجا لدوري البحثي خلال العشر سنوات الأخيرة في تأسيس مدرسة بحثية في مجال التربية على المواطنة عملت خلال على تأطير مفاهيمها، وإبراز قضاياها ومتطلباتها، على المستوى الإقليمي، مما دفع مؤسسات وطنية وإقليمية مثل منظمة اليونسكو والبنك الدولي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي ومركز كارنيجي للشرق الأوسط، والمركز العربي للسياسات لدعوتي كخبير في كثير من المشاريع والمؤتمرات المرتبطة بهذا الجانب، ومؤخرا أصدرت أول مشروع توثيقي للتربية على المواطنة في الوطن العربي، وهو مشروع عملت فيه على قيادة باحثين من جميع الدول العربية ماعدا ثلاث دول هي جيبوتي والصومال وجزر القمر إلى توثيق هذه التربية ومساراتها، والمشروع يتكون من كتابين صدر الكتاب الأول منه في أبريل الماضي وسوف يصدر الكتاب الثاني في ديسمبر، هذا ناهيك على العدد الكبير من الباحثين العمانيين والعرب الذين قدمت لهم استشارات بحثية لتطوير دراساتهم التي يجرونها في مجال التربية على المواطنة، وباختصار هذه المرتبة تتويج لقيمة التخصصية والمسار البحثي الواضح والتخصصي الذي ركزت عليها، وأنا أشعر بسعادة اليوم أن الجهد الذي قمت فيه خلال حياتي الأكاديمية السابقة أثمر وعاد بهذه السمعة العملية العالية لكليتي وجامعتي وبلدي وللتربويين العمانيين.
يحمل المعمري سقفا عاليا من الطموحات وما يدفعه في العمل الأكاديمي والتربوي هو شغفه بصفة خاصة وليس الحصول على الجوائز، فيقول خلال حديثه لـ “أثير” بأن هدفه هو العمل على الإسهام في إيجاد تحولات تربوية على المستوى الوطني والعربي وهي سمة المفكر العضوي على حد تعبير المفكر الإيطالي غراميشي، وأهم هذه الطموحات لديه المواصلة في بناء مدرسة بحثية تربوية عمانية مؤثرة عربيا وعالميا، تقود إلى بناء ممارسات تربوية عربية متقدمة تبني جيل عمانيا وعربيا مؤثرا في تغيير وتشكيل وواقعه، ومن المشاريع التربوية التي يعمل عليها حاليا كتاب مؤثر وعميق حول التعليم الأسكوتلندي من الداخل وهو عبارة عن تتبع ليوميات دراسية لأبنائه في المدارس الأسكوتلندية، ويأمل أن يظهر هذا الكتاب قبل نهاية العام ويكون رافدا من روافد تحريك التغيير التربوي لأنه يحمل بداخله أحجارا تربوية ثقيلة قادرة على تحريك المياه الراكدة وتوسيع دوائر التفكير حول الغد وأين يجب أن يكون نظامنا التربوي.
“دائما أؤمن أنه لا سقف للمعرفة، ولا حدود لها، ومن اعتقد أنه عرف فقد جهل، والإنسان هو متعلم مدى الحياة، ولذا أشعر دائما أن هناك الكثير الذي لابد أن أتعلمه، وأقرأه، وأبحث فيه”، بهذه الكلمات ختم الدكتور سيف المعمري حديثه مع “أثير” مؤكدًا بأن الفكر التربوي لا يزال يتشكل وهناك مؤثرات متعددة اقتصادية واجتماعية وسياسية وأيديلوجية تؤثر فيه وكل ذلك يترك آثارا عميقة على مستوى جودة التربية والتعليم، ومهمة الباحثين هي تفكيك هذا الواقع، وإبراز فجواته، وإظهار المساحات التي ينبغي التحرك فيها، وبالتالي الخطوة القادمة هي تأطير النظرية التربوية التي تتناسب وواقعنا واحتياجاتنا، فأي نظام تربوي بدون نظرية تربوية واضحة هو نظام يتحرك في الفراغ.
كما وجه نصحية للشباب العماني فحواها، ” المعرفة لا تهب نفسها لمن لا يجد في سبيل الحصول عليها، والعلم هو خير جواز سفر للإنسان به يعرف ذاته ويرقى بها، وبه يعبر فوق العديد من الإشكالات التي تواجهه، ولذا لابد من الجدية والصبر على البحث، والتجديد فيه والخروج عن الأنماط والقوالب الجامدة، وعدم الركون إلى السهل من القضايا، فالسهل لا يصنع باحثا قادرا على الوقوف فوق أرضية الإشكالات بصلابة”.