مسقط-أثير
أصدرت سفارة دولة فلسطين لدى سلطنة عمان بيانا في ذكرى إعلان الاستقلال واليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، حصلت “أثير” على نسخة منه، وجاء نصه كالآتي:
في شهر نوفمبر، أحداث كبيرة ،عصفت بالشعب الفلسطيني، وهددت وجوده ، وتكالبت قوى استعمارية كثيرة ومتعددة من أجل تنفيذ مخططاتها ، ساعين من خلال استهداف فلسطين – الأرض والشعب لاستمرار هيمنتهم وتجسيد أطماعهم الاستعمارية في منطقتنا العربية ، التي تمثل جغرافيا استراتيجية ،تمتلك من الامكانيات والحضارة والتجانس والثقافة ما يجعلها قوة إقليمية حقيقية ، يحسب حسابها في العالم وفي المجتمع الدولي.
لم يكن وعد بلفور ، الصادر عن وزير خارجية بريطانيا في الثاني من نوفمبر عام 1917م ، بداية هذا التوجه المشار اليه ، وإنما سبقه مؤتمر كامبل بنرمان ، المعروف عام 1907م ، الذي قاده رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت ، وضم سبع دول أوروبية ، خططت للحفاظ على مصالحها ، والتقت مع ما تخطط له الصهيونية العالمية، لإقامة دولة غريبة في المنطقة.
أفضى وعد بلفور إلى بداية تنفيذ المخطط ، وسرعان ما تصاعدت الأحداث ، ولعب الانتداب البريطاني على فلسطين ، الدور الأهم لتجسيد حلم قيام الدولة اليهودية، إلى أن جاء القرار 181 والمعروف بقرار التقسيم في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947م ، ليكون بمثابة شهادة ميلاد لدولة إسرائيل ، بعد دخول قوى عالمية أخرى مؤثرة على خط تبني هذه الدولة ، ودعمها بكل الامكانيات .
في العام 1948م كانت دولة إسرائيل تقوم على الجزء الأكبر من أراضي دولة فلسطين التاريخية ، وتجاوز الإسرائيليون حدود خرائط قرار التقسيم ، لتشمل 78 % من أراضي فلسطين ، ليتبعها في العام 1967م احتلال بقية الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس وغزة وأراضي عربية أخرى .
لم تمنع النكبة ولا النكسة الشعب الفلسطيني من التمرد على الواقع ومواجهة الاحتلال ، وواجه الشعب الفلسطيني نتائجها بكل أنواع المقاومة والتصدي ، حتى عادت القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني إلى واجهة السياسة والدبلوماسية الدولية ، وأعادت التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني من خلال ثورته وانتفاضاته المتواصلة ، انبعاث الكيانية الفلسطينية ، وتجسد الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي بالدولة الفلسطينية المراقب في الأمم المتحدة ، والحصول على الشرعية الدولية ، وتحقيق المزيد من الانجازات على الصعيد الدولي وفي الدبلوماسية الدولية.
وأبدت القيادة الفلسطينية منذ نشأة عملية السلام ومؤتمر مدريد ، وتوقيع اتفاق السلام – اتفاق أوسلو – أبدت مرونة ومسؤولية خاصة نحو تحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة يضمن تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، بما فيها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ، متجاوبة مع رؤية المجتمع الدولي المتمثلة بحل الدولتين.
إلا أن إسرائيل ، دولة الاحتلال ، ضربت بعرض الحائط كل مكونات عملية السلام ، وتنصلت من كافة الاتفاقيات التي رعتها الدول الكبرى ، واستمرت في سياسة متطرفة تهدف إلى استمرار بسط سيطرتها على الأراضي المحتلة ومصادرتها باستيطان احلالي ، رُفض وأدين من كافة المحافل الدولية بما في ذلك مجلس الأمن تحت القرار 2334 للعام 2016م.
إن استمرار القادة الاسرائيليين بإدارة الظهر لكل التوجهات الدولية التي تسعى لإنهاء الصراع ، يشكل العقبة الأساسية في وجه استمرار عملية سلام ذات جدوى ، ومؤثرة لتحقيق الأهداف المرجوة منها .
إن استمرار التعنت الإسرائيلي، واستمرار الممارسات الاسرائيلية لن يزيد الأمور والأوضاع إلا تعقيداً ،ولا ينذر إلا بزيادة التوتر ، وخاصة محاولات تغيير مجرى الصراع إلى صراع ديني ، يحمل في طياته مخاطر كبيرة على المنطقة بأسرها ، وليس أدل على ذلك من الاجراءات الإسرائيلية الرسمية وما يقوم به المستوطنون من انتهاكات مستمرة للمسجد الأقصى المبارك والمقدسات الإسلامية والأماكن العربية في القدس والمدن الأخرى.
أمام هذه الصورة وهذا الوضع ، لازالت القيادة الفلسطينية تتمسك بخيار السلام ، وتطرح المبادرات التي تصب في هذا الاتجاه ، لإيمانها العميق بالحوار والمفاوضات طريقاً واضحاً لإنهاء الاحتلال ، شريطة عدم الانتقاص من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .
إن شعبنا الفلسطيني لازال واثقاً من قدرته على الصمود والثبات على أرض وطنه ، والتمسك بخياراته الوطنية والسياسية.
فحين يتحول نوفمبر شهر انجازات ومكاسب سياسية ، فهذا يعني أن نضال شعبنا أثمر ، فها نحن نحتفل بيوم الخامس عشر من نوفمبر بإعلان الاستقلال ، وبدايات الاعتراف الدولي المتزايد بفلسطين. وحين تتحول ذكرى قرار التقسيم 29 نوفمبر إلى يوم عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة فذلك دليل واضح على صحة الطريق والقدرة على الصمود والانجاز . وما حصول الاعتراف الدولي بدولة فلسطين في التاسع والعشرين من نوفمبر في العام 2012م ، إلا الدليل الأكبر على أن فلسطين حقيقة ثابتة تفرض وجودها على الخارطة السياسية الدولية ، وتستمر في فرض صورتها في السياسة والدبلوماسية الدولية ، كدولة تسعى لتتجسد حقيقة واقعة على الأرض ، تؤدي رسالتها ، وتسهم بإنجازات شعبها المميز الذي لم تثنه النوائب ، والمؤامرات عن الاستمرار والتأثير في الحضارة والتقدم الدوليين.
إننا نثق بمواقف الدول والشعوب العربية والاسلامية ، وكذلك الدول الصديقة والمحبة للحرية والسلام والذي يسهم في تحقيق ما نصبوا اليه ، من تحقيق السلام الذي ننشد ، لينتهي الاحتلال ، ويحقق شعبنا استقلاله الفعلي ، ويبني دولته المستقلة ، بعاصمتها القدس الشريف.