كيف يؤصل التعليم قواعد السلامة العامة ويحد من المخاطر في سلوك الأجيال؟

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

د. رجب بن علي العويسي- خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

تمثّل العودة إلى المدارس والبروتوكول الصحي المعتمد في التعامل مع معطيات جائحة كورونا ( كوفيد19) ، والتي وضعت مجتمع الطلبة أمام واقع جديد ، ومسؤولية أكبر، في التزام التدابير الوقائية والإجراءات الاحترازية الشخصية منها والعامة، خاصة ما يتعلق منها بغسل اليدين والتعقيم وعدم لمس الوجه والعينين، أو ما يتعلق منها بالسلوك العام المتعلق بممارسة العادات الاجتماعية الأخرى والحد من التجمعات العائلية وتأكيد التباعد الاجتماعي ، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات القلق الاجتماعي من الحوادث البسيطة أو غيرها التي يتعرض لها الأطفال في المدارس ومؤسسات التعليم الأخرى، لتشكل مدخل لبناء منظومة متكاملة لقواعد السلامة العامة وتعزيز شروطها في بيئات التعليم، والتي يجب أن تبدأ مع الطفل منذ مراحلة التعليمة الأولى، وإعطاء جانب الصحة البدنية والنفسية والسلامة الشخصية والعامة اهتمام أفضل في ظل ما فرضته الحالة العالمية، للتأكيد على أن يستفيد التعليم مع هذه المعطيات في تعزيز فقه قواعد السلامة العامة .
لقد عنيت فلسفة التعليم التي أعيد إصدارها في عام 2017 في مبادئها وأهدافها بحضور مفاهيم الأمن والسلامة العامة في عمليات التعليم وإدارة المحتوى التعليمي، في ظل شمولية مضامينها، واتساع وعمق محتواها، وارتباطها بمفردات الحياة اليومية والمهارات الأساسية، حيث جاء المبدأ الأول: النمو المتكامل للمتعلم: والذي يهدف إلى تهيئة الفرصة المناسبة لمساعدة المتعلمين على النمو المتكامل وفقا لاستعداداتهم وامكاناتهم من خلال جملة من الأهداف من بينها: اكساب المتعلم المعارف والمهارات اللازمة للتعامل مع مستجدات الواقع المعاصر، وتعزيز التربية البدنية والصحية لدى المتعلم، وكذلك ما جاء في المبدأ الثامن: التربية من أجل التنمية المستدامة، عبر تربية الأجيال تربية متكاملة من اجل تحقيق التنمية المستدامة من حيث تهيئة المتعلمين واكسابهم المعارف والقيم والمهارات التي تمكنهم من الاستفادة من معطيات التطور الرقمي والتكنولوجي المتسارع، من خلال جملة من الأهداف من بينها: تزويد المتعلمين بالمعارف والمهارات والقيم المتعلقة بقضايا التنمية المستدامة، وتطوير ما يتعلق منها بقضايا الأمن الشخصي و الاجتماعي وغيره، وتعزيز أنماط الحياة الصحية المستدامة، وتعزيز ثقافة السلوك الاستهلاكي الرشيد .


 

وبالتالي ما يمكن الاستدلال به من هذين المبدأين، من موجهات ومبادرات ومشروعات وبرامج تعمل على تأصيل سلوك الوقاية وحس المسؤولية في التعامل مع قواعد الأمن والسلامة، وتجسيدها في واقع حياة المتعلم اليومية لتنعكس على تصرفاته وقناعاته وأفكاره واطروحاته ونظرته للأمن والسلامة الشخصية كأسلوب حياة، ومنهج عمل للعيش بوعي ومهنية في الظروف الصعبة، لتبقى مسؤولية التعليم في تكوين الفرد القادر على إعادة هيكلة واقعه وتصحيح ممارساته في التعاطي مع أبجديات مفاهيم الأمن والسلامة على المستوى الشخص والأسري والمجتمعي، وامتلاك مهارات التعامل معها في ظل استيعابه للمنهجيات والاطر والاستراتيجيات التي تضمن قدرته على مواجهتها بروح إيجابية، وفقه أصيل، ومنهج عمل راق، وأليات واضحة، وبما يضمن المحافظة على أعلى درجات الأمان لديه في التعامل مع المخاطر، ليبقى ارتباطه بها مبنيا على وعي وحرص، وفقه وإدراك، وحس واستشعار، وامتلاكه لمهارات الوقاية منها واحتوائها. وحجم الثقة التي يمنحها المجتمع لدور المدارس ومؤسسات التعليم الأخرى في إدارة قواعد السلامة العامة، والضمانات التي تؤسسها في فقه الطلبة حول معايير السلامة الشخصية والعامة، وتمكين مجتمع الطلبة من اتقان مهارات التعامل مع الحوادث المتكررة في المدارس والمنازل خاصة ما يتعلق منها بالحرائق والغرق وامتلاك أدوات الوقاية منها والاسعافات الاولية والإنقاذ، ذلك أن تأصيل فقه قواعد الأمن والسلامة العامة سوف يقلل من حجم تزايد الحوادث الطلابية في بيئات التعليم أو خارجها.

 

هذا الأمر من شأنه التأكيد على الأولويات التي يجب أن تعمل المدارس على تحقيقها في ترسيخ قواعد السلامة العامة، وعبر المزيد من الموجهات المزيد من الموجهات الوقائية والتدابير الاحترازية للمتعلمين، وتزويدهم بالمهارات والكفايات والمنهجيات والأطر والاستراتيجيات التي تؤسس فيهم كفاءة التعامل مع المواقف والحوادث وقضايا السلامة أو طريقة استخدام أجهزة السلامة مثل طفايات الحريق، والمداخل والمخارج، بما يتطلبه ذلك من ادماج مفاهيم الامن والسلامة في مناهج التعليم وانشطة الطلبة، ووجود محتوى تعليمي يعزز من وعي الطلبة بهذه المخاطر، ويكسبهم آليات التعامل معها وكيفية الوقاية منها في اثناء حدوثها، والسيناريوهات والممكنات التي يفترض ان تكون حاضرها في التعامل مع الموقف، وتقديم جرعات توعوية وتثقيفية كافية لضمان حماية الطلبة ووقايتهم والحد من تعريضهم للمخاطر، خاصة تلك المخاطر المرتبطة بالحوادث اليومية كالسقوط والجروح والحروق والغرق او غيرها من الحوادث في مرافق المدرسة وبيئتها الداخلية.

 

أخيرا ومع تنوع هذه الحوادث وتطورها واتساعها في بيئات التعلم وخارجها، تبقى الحاجة إلى تبني سياسات وطنية جديدة في الحد من حوادث الأطفال وترقية معايير السلامة العامة، والبحث عن أدوات أكثر ابتكارية في تعزيز قواعد السلامة العامة، وتصحيح المفاهيم والمفردات المغلوطة بشأنها، وزيادة نمو وتطوير مفاهيم السلامة والأمن والصحة العامة في واقع بيئة التعلم، ليستكشفها الطالب في واقعه المحيط وتعامله مع التجهيزات الكهربائية بالمنازل، أو تعاطيه مع كل مسببات الحرائق أو الغرق أو الاسعاف، أو في أثناء ممارستهم لبعض الرياضيات والهوايات الجبلية والبحرية والصحراوية ، وحس التعاطي مع اللوائح والتعليمات الارشادية والتوجيهية بمهنية عالية، هذا الأمر يؤكد في المقابل على أهمية تعزيز برامج التوعية والتثقيف، والمراجعات الدورية لأنظمة الامن والسلامة في المدارس، وعمليات التشخيص والمتابعة والتقييم الدورية، لضمان بناء علاقة مع الفرد مستخدم هذه الادوات والتجهيزات، والتأكد من حصوله على الجرعات التثقيفية والمهارية المناسبة، بما ينعكس على شخصيته وتصرفاته الآمنة في قادم الوقت.

Your Page Title